Pluribus

ريا سيهورن تواجه كابوس السعادة في مسلسل "Pluribus"

إيهاب التركي
31 ديسمبر 2025

تخيل أن العالم يستيقظ ذات صباح على سعادة إجبارية، كأن طاقة غير محسوسة هبطت من السماء تمحو الغضب والحزن والصراع، وتجمع البشر في وعي واحد سعيد، هادئ، متآلف. لكن في وسط هذه الجنة المصطنعة، تقف امرأة واحدة تعيسة، غاضبة، وحيدة تمامًا. هذه هي كارول ستوركا، بطلة مسلسل Pluribus الذي ابتكره فينس جيليجان، مبتكر مسلسلات Breaking Bad وBetter Call Saul.  العمل، بطولة ريا سيهورن وكارولينا ويدرا، عرض موسمه الأول على Apple TV+، وهو ليس مجرد عمل خيال علمي، بل مرآة تعكس أسئلة فلسفية عميقة عن الإنسانية، السعادة، والفردية. هو كحلم يتحول كابوسًا ببطء، أو كقصيدة حزينة تُغنى بصوت هادئ في عالم صاخب اختفى صخبه فجأة.

ا

عالم يبتلع الاختلاف

في جوهره، يروي Pluribus قصة فيروس فضائي يحول البشرية إلى خلية نحل سعيدة، جماعية، خالية من الصراع. الجميع "مُنضم" إلى وعي مشترك، يعيشون في سلام مطلق، لكن هذا السلام يطارد قلة لديها مناعة من الفيروس ليجبرها على الانضمام. كارول، كاتبة روايات رومانسية تاريخية ناجحة لكنها تعيسة داخليًا، تجد نفسها وحيدة في ألبوكيركي، تتجول في مدينة أصبح سكانها يتحركون بهدوء مريب، على وجوههم ابتسامات فارغة. 

مزايا الفكرة في أصالتها؛ نادرًا ما يتناول الخيال العلمي "غزوًا" يجلب السعادة بدل الدمار. هي استعارة رقيقة لعصرنا: هل وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي يسعيان لتوحيدنا في سعادة مصطنعة، محو الغضب والاختلاف؟ الذكاء الاصطناعي مثلًا، جعل تصميم البرمجيات والأكواد والفيديوهات والصور وغيرها مُتاح وسهل للجميع، لقد منح الكل خبرات واحدة طمست (تقريبًا) الفروق الفردية بين العقول، مثل عصا سحرية أو مصباح الأمنيات.

العيب الوحيد أن الفكرة الجذابة تبقى مفتوحة أكثر من اللازم في الموسم الأول، تثير الأسئلة دون إجابات حاسمة، كشجرة تنمو ببطء تترك المتفرج يتساءل إن كانت ستثمر أم تبقى ظلًا بلا هدف.

نت

قلب الشعار الأمريكي

العنوان Pluribus ليس اختيارًا عشوائيًا، بل طعنة دقيقة في قلب الشعار الأمريكي الشهير "e pluribus unum" – من الكثيرين، واحد. هذا الشعار، المطبوع على الدولار والختم الرئاسي، يمجد فكرة أن الولايات المتعددة والأعراق المتنوعة تتحد في أمة واحدة قوية، متناغمة، متماسكة. لكن فينس جيليجان يقلب الشعار رأسًا على عقب، يجعله تهديدًا خفيًا بدلًا من الوعد الآمن. في المسلسل، يصبح "من الكثيرين، واحد" حرفيًا: فيروس فضائي يمحو الفروق الفردية، يذيب الوعي الشخصي في خلية جماعية سعيدة، هادئة، خالية من الصراع أو الغضب أو حتى الحزن. 

م

هذا القلب ليس مجرد لعبة كلمات، بل استعارة مرعبة لعصرنا. في زمن يسعى فيه الذكاء الاصطناعي والخوارزميات إلى توحيد التفكير (توصيات متشابهة، آراء متزامنة، سعادة رقمية مصنعة)، يسأل جيليجان: ماذا لو نجحوا؟ ماذا لو أصبحنا "واحدًا" حقًا، لكن بفقدان كل ما يجعلنا بشرًا؟ كارول، الوحيدة التي تحميها مناعتها من مصير ملايين البشر، تمثل الـ"pluribus" المتبقي: الكثرة المتمردة، الفرد الذي يرفض الذوبان. عنوان المسلسل، باختصاره الجريء، يهمس منذ البداية أن الوحدة قد تكون أخطر غزو، لأنها تأتي مغلفة بهدية السعادة، تجعل الرفض يبدو جنونًا أو أنانية.
مط بطيء يبني توترًا داخليًا

الحبكة تتبع كارول في رحلتها لفهم ما حدث، ثم محاولة إنقاذ أو تدمير هذا العالم الجديد. تبدأ بحدث مفاجئ في الحلقة الأولى، ثم تتباطأ لتركز على تفاصيل يومية: تجوال في مدينة خالية من الصراع، لقاءات مع "المُنضمين" الذين يبتسمون بإلحاح، مثل زوشا (كارولينا ويدرا)، المرأة المختارة لتكون همزة الوصل بين كارول والآخرين، واكتشاف ناجين آخرين مثل مانوسوس (كارلوس مانويل فيسجا). المزية الكبرى في هذا البناء البطيء: يجعل التوتر نفسيًا لا جسديًا، كأنك تشاهد قطرة ماء تتساقط ببطء على صخرة، تحفر فيها شقًا عميقًا. لكن العيب البارز، هو المط والتطويل في بعض الحلقات.

ن

حلقات وسطى تمتد في مشاهد طويلة لتجوال كارول أو حوارات متكررة مع الآخرين ومع زوشا، مما يبطئ الإيقاع إلى حد يشعر فيه المشاهد بالاختناق، كأن العمل يحاكي عزلة البطلة نفسها. هذا التطويل يعزز الفلسفة – يجبرنا على التأمل في فقدان الخصوصية والغضب كمحرك للإنسانية – لكنه يخاطر بفقدان الجمهور الذي يبحث عن دفع درامي أسرع.

م

كارول ستوركا ضد العالم

ريا سيهورن تحمل Pluribus على كتفيها كأطلس يحمل العالم، لكن عالمها هذا فارغ إلا من صدى صوتها الداخلي. تجسد كارول ستوركا كامرأة تعيسة مزمنًا، غاضبة، ساخرة، لكنها عميقة كبحيرة جليدية تخفي تيارات حارة تحت السطح. أداؤها ليس مجرد تمثيل، بل رقصة على حافة الانهيار: نظرة واحدة من عينيها تحكي الفقدان، الرفض، والتمرب على سعادة لا تفهمها. في مشاهد العزلة الطويلة، حيث تتجول كارول في شوارع ألبوكيركي الخالية، تبرز سيهورن الهشاشة دون كلام، كأن وجهها لوحة تتغير ألوانها مع كل نسمة ريح باردة. مزايا أدائها في دقته الجراحية؛ يجعلنا نشعر بثقل الوحدة، ويحول شخصيتها الوقحة "غير المحبوبة" إلى مرآة للبشر، نحن الذين نتمسك بغضبنا كدرع ضد العالم. 

ثم تأتي كارولينا ويدرا في دور زوشا، المرأة الساحرة الغامضة، دليل كارول المخلص للتواصل مع "الآخرين". زوشا ابتسامتها دائمة، صوتها هادئ، لكن ويدرا تضيف طبقات خفية تجعلها مرعبة بلطف: عيونها فارغة قليلاً، حركاتها متزامنة كدمية، لكن في لحظات التوتر مع كارول تبرز اهتزازًا عاطفيًا يشبه علاقة حب مشوهة. هي الجذب نحو السلام المزيف، مقابل رفض كارول. مزايا أداء ويدرا في التباين الدقيق؛ تجعل الآخرين كيان مغري لا مخيف مباشرة، كعسل مسموم. 

ك

أما كارلوس مانويل فيسجا في دور مانوسوس، الناجي الآخر من باراغواي، فيضيف نكهة حادة ومتمردة. مانوسوس رفض الاتصال بالآخرين، يعيش في عزلة اختيارية، وفيسجا يقدمه كرجل عملي، يحمل غضبًا مكبوتًا. في لقاءاته مع كارول، يبرز التباين: هو يرى في "الآخرين" نهاية البشرية، بينما هي ترى فرصة للتعايش معهم، بشرط غياب خطر التحول إلى العقل الجمعي. هؤلاء الثلاثة يشكلون مثلثًا فلسفيًا: سيهورن الوسط المتردد؛ ترفض الآخرين ثم تحاول ترويض زوشا والتأثير عليها، ويدرا رمز الجماعة المغرية التي تُنفذ أجندة الآخرين بنعومة، فيسجا الفرد المتمرد الذي يسعى لإنقاذ العالم. أداؤهم يعكس دلالات العمل: الغضب كقوة حياة، مقابل السعادة كموت بطيء.

م

المكان كبطل صامت

جيليجان يخرج حلقات رئيسية، مع مساهمات من غوردون سميث، يستخدم ألبوكيركي كلوحة خالية، شوارع واسعة، سماء زرقاء لا نهاية لها، تعكس عزلة كارول. التصوير يعتمد لقطات طويلة، ألوان باردة للعالم "السعيد" مقابل دفء خافت في لحظات كارول الداخلية. الموسيقى من ديف بورتر رقيقة، همسات إلكترونية تذكر بالغموض. المؤثرات البصرية للآخرين بسيطة لكن فعالة، ابتسامات متزامنة تخيف أكثر من وحوش. كل لقطة تخدم التوتر النفسي. بعض المشاهد الممتدة تبدو مفرطة في الجمالية، كلوحة ثابتة تطيل النظر دون دفع الحكاية إلى الأمام.

ن

في النهاية، يسأل Pluribus سؤالًا مرعبًا: هل الغضب والحزن والصراع ضروريون للإنسانية؟ كارول تمثل الفرد المتمرد، الذي يرى في السعادة الإجبارية فقدان الذات المتفردة. المط في الحلقات – يجبرنا على الجلوس مع الفراغ، كما تجلس كارول مع عزلتها. هذا يعزز المضمون، لكنه يثقل الإيقاع، ربما عمدًا ليضع المتفرج في موقع البطلة تمامًا، وينقل شعورها بالزمن الممتد في عالم توقف. العمل تحفة ناقصة، أصلية في زمن تكرار الأفكار، لكنها تتطلب صبر شديد، يشبه صبر كارول نفسها. في عالم يركض نحو السعادة السريعة، يهمس المسلسل: ربما التعاسة هي ما يجعلنا بشرًا.

ت

الصور من الموقع الرسمي لشبكة Apple TV