من ذاكرة الأجداد إلى لغة الخوارزميات.. جلسة تصوير خاصة بالذكاء الاصطناعي بالتعاون مع الفنانة سمر يونس

من ذاكرة الأجداد إلى لغة الخوارزميات.. جلسة تصوير خاصة بالذكاء الاصطناعي بالتعاون مع الفنانة سمر يونس

رهف القنيبط
4 نوفمبر 2025

مع تسارع وتيرة التكنولوجيا بما يفوق إدراكنا، لم يعد الإبداع حكرا على الإنسان وحده، ولم تعد الفكرة تولد داخل مرسم أو ستوديو مغلق، بل باتت الخوارزميات تكتب وتؤلف وتبتكر صورا وموسيقى وأزياء، لتُطرح أمامنا أسئلة جوهرية تمسّ جوهر الفن ذاته: هل ما زال الإنسان هو المبدع الحقيقي، أم أن الآلة أصبحت تشارك في صياغة الجمال والمعنى؟ وهل الذكاء الاصطناعي مجرد أداة في يد الفنان، أم أنه بدأ يوجّه الحسّ الجمالي ويعيد تعريف مفهوم الإبداع؟ هذه التساؤلات لم تعد نظرية، بل غدت واقعا يتشكل يوما بعد يوم، إذ تتحول التقنية من أداة تنفيذ إلى شريك في التفكير والإنتاج.

في هذا السياق، تقدّم الباحثة الفنية اللبنانية سمر يونس، مؤسسة منهجية ™Quantum Craft️، رؤية جديدة للإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي. تنتج سمر صورا فنية باستخدام الذكاء الاصطناعي تمزج بين الحرفة والبيانات والذاكرة الجمعية، لتخلق صورا فنية رقمية ناتجة عن حوار متبادل بين الإنسان والآلة.

هوية تتجاوز الثنائيات
هوية تتجاوز الثنائيات


وفي حوارها مع "هي" تفتتح يونس حديثها من الذاكرة قبل التقنية، إذ تستحضر قصة جدتها في بيروت، التي كانت خياطة علمت نفسها بنفسها، تحصل على قوالب وتعيد تصميمها، وتستورد الأقمشة من دمشق إلى كراكاس.

كانت تعرف كل بائع في السوق. ومع الوقت، أطلقت خط أزياء للأطفال في زمن لم يكن أحد يفكر بذلك. تعلق يونس على هذه القصة قائلة: "أليست تلك عملية معالجة بيانات متعددة؟ تمييز أنماط، وفهم لمواد، وإدراك للسوق، وجماليات ثقافية، والتعرف على المشتري، كلها تعمل معا لتولّد نتيجة جميلة ومؤثرة".

وتكمل موضحة رؤيتها: "لقد خلطنا بين التقنية والابتكار. التقنية هي مجرد أدوات، أما الابتكار، فهو تفكير كاليدوسكوبي يقوم على احتواء حقائق متعددة من دون اختزالها في حل واحد. كانت جدّتي تبتكر من خلال ذكاء متعدّد الثقافات: الجماليات اللبنانية، والأسواق الفنزويلية، والخبرة اليدوية المتجذّرة عبر عقود".

وتشرح يونس طريقة عملها في إنتاج الصور الفنية قائلة: "بدل أن يعمل الذكاء الاصطناعي على توليد الصور ببساطة، أعمل وفق ما أسمّيه التشابك المادي والرقمي. فأدرب نماذج مخصّصة على لغتي البصرية، ثم أقضي وقتي في نحت الشكل والملمس والسياق الثقافي عبر مراحل من التطوير التدريجي. النتيجة ليست فنا بالذكاء الاصطناعي، بل أطلق عليها علم آثار ثقافي بصري، عملية تنقيب عن إمكانيات جمالية تقاوم التبسيط الثقافي".

علم الآثار العكسي
علم الآثار العكسي


وحصريا لمجلة "هي"، قدّمت يونس سلسلة من الصور الفنية بعنوان "الأسلاف"، أعمال فنية رقمية وُلدت من تعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

في عملها "هوية تتجاوز الثنائيات"، تمزج سمر بين رموز ثقافية متنوعة مثل الأقمشة والزخارف التقليدية، لتُبرز كيف يمكن للهوية أن تكون لوحة فسيفسائية متعددة الثقافات لا نسخة مكرّرة من نموذج واحد.

أما في"علم الآثار العكسي"، فهي تعيد تعريف فكرة التنقيب، ليس بالعودة إلى الماضي، بل بالنظر إلى المستقبل، متسائلة: ماذا لو بدأنا بالبحث عمّا نحتاجه من قيم ومعارف لحماية مستقبلنا؟

وفي عملها "بروتوكولات الحماية"، تستكشف مفهوم الهوية في زمن المراقبة الرقمية، حيث تتحول ملامح الجسد والزينة إلى أدوات مقاومة، تطرح من خلالها سؤالًا جوهريًا: كيف نحافظ على هويتنا الثقافية أمام أنظمة تراقب وتتحكم؟

وأخيرًا، في "تآزر بيروت وبروكلين"، تربط سمر بين ذاكرتها البيروتية وواقعها في بروكلين، لا عبر الحنين، بل من خلال تفاعل ثقافي حيّ يجمع بين الجماليات اللبنانية والحياة الحضرية في نيويورك.

تآزر بيروت وبروكلين
تآزر بيروت وبروكلين



وفي ختام رؤيتها، تؤكد سمر يونس أن السؤال "من سيقود المسار، الإنسان أم الآلة؟" لم يعد ذا جدوى في زمن تجاوز هذه الثنائية. فبرأيها، الخطر الحقيقي لا يكمن في أن تحلّ الآلة محل الإنسان، بل في أن يبدأ الإنسان بالتصرف كآلة. وتحذّر قائلة: "الخطر أن يتحول الإبداع إلى عملية مروّضة ومنضبطة تحت شعار الابتكار، بدل أن يظل فعلًا حرًّا نابعًا من الخيال والروح".

وبينما يرى البعض في الذكاء الاصطناعي تهديدا، تعتبره سمر فرصة لإعادة اختراع العلاقة بين الإبداع والمعرفة، لتبقى الخوارزمية، في النهاية، امتدادا للفكر الإنساني لا بديلا عنه.

بروتوكولات الحماية
بروتوكولات الحماية