
الرئيسة التنفيذية لهيئة الفنون البصرية السعودية دينا أمين لـ"هي": نحن أمام فرصة تاريخية للاحتفاء بالإبداع السعودي المتنامي
في لحظة تُعاد فيها صياغة ملامح الفن السعودي، ينهض الفن البصري ليمثل صوتا حاضرا وفاعلا، يشارك في كتابته. وفي قلب هذا التحول تقف الرئيسة التنفيذية لهيئة الفنون البصرية دينا أمين، لتقود بحسها الثقافي ووعيها الاستراتيجي مسارا جديدا يمنح الفن مكانته الطبيعية باعتباره أداة للتعبير عن هُوية وطنية متجددة، وكقوة ناعمة تعكس صورة المملكة أمام العالم.
في هذا اللقاء نخوض مع السيدة دينا أمين رحلة فكرية تكشف كيف ترى الفنون البصرية أداة لبناء الهُوية الوطنية، وكيف تعمل على تمكين الفنانين، وفتح قنوات للحوار العالمي، وربط التراث بروح الابـتــكار. حـــوار يـــضـــــيء عــلـــى قـــراراتــهـــا وخيــاراتها القيادية، ويكشف طموحاتها لرسم الوجه البصري الجديد للسعودية في السنوات المقبلة.
لم يكن دخولها هذا المجال محض صدفة، بل كان امتدادا لمسيرة مهنية غنية بالتجارب التي منحتها أدوات قيادية وفكرية. وتقول دينا: "على مر العصور، كان للفن دائما حضور بارز وصوت مسموع، وشكل من أشكال التواصل الإنساني الذي يتجاوز الحدود، ويربط بين الناس. الفنون البصرية اليوم تمثل وسيلة للتعبير والتواصل، وهي تعكس طموحات المجتمع في هذه المرحلة الحيوية من تاريخ المملكة. خبراتي السابقة في الفنون البصرية والإدارة منحتني رؤية شمولية لأهمية هذا القطاع، وبدعم من قيادتنا الرشيدة دفعتني هذه الرؤية للعمل على تحويلها إلى مبادرات مؤسسية تخدم الفنانين، وتعزز مكانة المملكة محليا ودوليا".

ترى دينا أمين أن القيادة الثقافية هي إدارة وبناء علاقة حية مع الممارسين، وإيجاد توازن بين الإصغاء لاحتياجاتهم وصياغة رؤية استراتيجية طويلة المدى. وتوضح: "تحرص هيئة الفنون البصرية دائما على الاستماع للممارسين عن قرب، مع وضع رؤية استراتيجية تضمن استدامة القطاع. ويبرز ذلك من خلال العديد من مبادرات الهيئة، مثل اللقاءات المفتوحة الشهرية التي تنظمها الهيئة، افتراضيا، بشكل دوري كجزء من منهجيتها المؤسسية في الاستماع المستمر، بهدف تعزيز الحوار المباشر مع الممارسين. ويضاف إلى ذلك زوايا وأفكار التي تجمع الفنانين والمفكرين في حوارات مفتوحة ترسم مسارات جديدة للفن البصري، حيث تقام هذا العام في الرياض وباريس وسيول كمنصة حوارية عابرة للحدود الثقافية".
هذه المنهجية في الاستماع جعلتها تنظر إلى الفنون البصرية ليس على أنها ترف جمالي، بل على أنها ركيزة لبناء الهُوية الوطنية وتجسيد السعودية الجديدة. وتقول: "نحن محظوظون للغاية بما تزخر به المملكة من ثراء استثنائي في المواهب الإبداعية، التي تعبّر عن لغات متعددة من الفنون تنبثق من أرضها، وتعكس غناها السياقي وثراء بيئتها المتنوعة".
وتكمل حديثها قائلة: "يتمثل هذا بوضوح في جائزة المملكة للتصوير الفوتوغرافي، التي أبرزت إبداعات الفنانين السعوديين بأساليبهم المختلفة، وسلطت الضوء على مناطق المملكة المتعددة، مقدمة صورة معاصرة للهُوية البصرية السعودية أمام جمهور محلي ودولي".
لكن الهُوية البصرية لا تُبنى من مشروع واحد، بل من عناصر متشابكة. هنا تلفت دينا إلى أن خـصــوصيــــة المــشـــهــــد السعـــــودي تنـــبـــع من جــــرأة الفنانين وتنوع البيئات الثقافية وانفتاحهم على العالم. وتوضح: "الجرأة في استكشاف وسائط جديدة، تنوع التجارب الشخصية، وحيوية المشهد المحلي هي ما يمنح الهُوية البصرية السعودية عمقها. ويتجسد ذلك في برامج الإقامة الفنية التي توفر بيئة خصبة للتبادل المعرفي والإبداعي محليا ودوليا".

ولأن الهُوية لا تكتمل بمعزل عن العالم، ترى دينا أن الانفتاح الدولي ضرورة لتعزيز الحضور السعودي. وتقول: "الانفتاح الدولي عنصر أساسي في مسيرة تطور الفنون البصرية، إذ يفتح المجال لبناء جسور مع المدارس الفنية العالمية. وقد جسّد هذا التوجه برنامج جسور الفن، كما شكّلت مشاركة المملكة في بينالي البندقية محطة فارقة وضعت الفنون البصرية السعودية في قلب النقاشات الدولية".
هذا الانفتاح لم يلغِ الحاجة للمعاصرة محليا، بل عمّقها. فالمعاصرة بالنسبة لها ليست خيارا تجميليا، بل تمثل أساسا لبناء مشهد متجدد. وتوضح: "المعاصرة في صميم أعمالنا. ويبرز ذلك في أسبوع فن الرياض بقيادة سمو الأميرة أضواء بنت يزيد آل سعود، الذي جمع فنانين سعوديين ودوليين في منصة واحدة للحوار والتجريب".
وعلى الجانب الآخر، تدرك أمين أن أي هُوية بصرية لا تعيش إن لم ترتبط بجمهورها. لذلك تسعى إلى جعل الفن قريبا من الناس، خصوصا الشباب. وتقول: "العلاقة بين الجمهور والفن ركيزة أساسية في استراتيجيتنا. نحرص على أن تكون الفنون البصرية جزءا من التجربة اليومية، لا حكرا على فئة محددة. ومن خلال منصات مثل زوايا وأفكار، وجد الشباب فضاء للتفاعل مع محتوى معاصر يعكس تطلعاتهم".

وبالحديث عن نقاط التحول، تشير إلى أن الاستراتيجية الشاملة التي وضعتها الهيئة للسنوات المقبلة تشكل علامة فارقة. وتوضح: "تم وضع استراتيجية متكاملة للسنوات القادمة، تركز على بناء منظومة متينة للفنون البصرية، عبر الإرشاد والإقامات الفنية والمطبوعات المتخصصة، بما يمكّن من إرساء أسس قوية للمستقبل".
من هنا، تتسلسل أفكارها نحو المستقبل، حيث ترى مشهدا بصريا نابضا بالحياة، قائما على برامج مستدامة تضع الفنان في قلب العملية الإبداعية. وتقول: "نطمح إلى مشهد بصري نابض بالحياة يقوم على برامج مستدامة تدعم الفنانين محليا، وتعزز حضور المملكة عالميا، لتكون الفنون البصرية السعودية جزءا أصيلا من هُوية المملكة الثقافية".
وتختم دينا حديثها بتأكيد أن المرحلة الحالية هي فرصة تاريخية. وتوضح: "نحن أمام فرصة تاريخية للاحتفاء بالإبداع السعودي المتنامي ليكون جزءا أصيلا من الطموحات العظيمة التي تشهدها بلادنا. وشرف كبير أن تتولى الهيئة مسؤولية إبراز هذه الإنجازات وتعزيز حضور الفنانين السعوديين محليا وعالميا".