الفنان التشكيلي السعودي ضياء عزيز ضياء لـ"هي": الضوء هو بطلي الأول

الفنان التشكيلي السعودي ضياء عزيز ضياء لـ"هي": الضوء هو بطلي الأول

رهف القنيبط
24 سبتمبر 2025

في قلب المشهد التشكيلي السعودي، يظل ضياء عزيز ضياء واحدًا من الأسماء التي منحت الريشة معنى أبعد من اللون والخط. هو الفنان الذي حمل ملامح جدة ومكة القديمة على قماشه، كذاكرة حيّة تستدعي تفاصيل المكان وتنفخ فيه روحًا جديدة. بين الضوء الذي يتسلل عبر نوافذ الروشان، والأحياء التي اندثرت وبقيت في الذاكرة، نسج ضياء عوالمه الخاصة حيث تمتزج الواقعية بصدق التجربة وحرارة الانتماء.

الأمير سعود الفيصل
ضياء عزيز برفقة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل آل سعود

وُلد ضياء عزيز ضياء عام 1947 في القاهرة لأسرة مثقفة، ونشأ بين جدة ومكة حيث تفتّحت ذاكرته البصرية. درس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، فصاغ أسلوبه الواقعي الذي يمزج بين التراث المحلي والرؤية العالمية.

في هذا الحوار، نتوقف مع الفنان ضياء عزيز ضياء عند أبرز محطات مسيرته التي امتدت لعقود، لا يتوقف الحوار عند حدود تجربته الشخصية فحسب، بل يتسع ليشمل رؤيته النقدية للمشهد التشكيلي السعودي اليوم، وتقييمه للتحولات التي يشهدها، ونظرته لما يحتاجه هذا الحراك الفني كي يترسخ عالميًا ويظل وفيًا لجذوره المحلية.

جدة ومكة في ذاكرة الريشة

جدة ومكة في أعمال ضياء؛ هما مسرح طفولته وذاكرة أولى صاغت رؤيته الفنية. لم يكتفِ بتوثيق المشهد المعماري كما هو، بل اختار أن يمنحه حياة جديدة من الداخل، حيث التفاصيل التي لا يلتقطها سوى عاشق المكان.

 وهنا يروي كيف اختار زواياه المختلفة: "في كثير من لوحاتي رسمت مشهد المكان من زاوية مختلفة عمّا اعتاد عليه الفنان السعودي، فقد رسمت الروشان من الداخل باستحداث موضوع ما، مثل لوحة كي الغترة ولوحة دوها يا دوها، حيث أظهرتُ أشعة الشمس تنتشر في المكان من خلال فتحات الروشان، مما يضفي على اللوحة المعنى والجمال الفني.

عزيز ضياء
"الضوء هو أساس لكل ما يمكن أن يُرى بالعين؛ فلولا الضوء لما رأينا إلا سوادًا."

ويكمل الحديث:" كما رسمتُ مشاهد لحواري مكة وجدة من الذاكرة؛ فقد كنت أعيشها في طفولتي، لكني لم أرسمها كأثر معماري بل أحدثتُ موضوعًا مناسبًا مثل لوحة لعبة البربر والرشان وأخي الصغير وفرقنا، ومواضيع أخرى."

التوثيق كحالة معايشة

الفن عند ضياء ليس نسخة فوتوغرافية للواقع، بل تجربة يعيشها قبل أن يضعها على القماش. بالنسبة له، التوثيق ليس حيادًا بصريًا، بل فعل عاطفي يمر من خلال إحساس الفنان. وهكذا يصف علاقته بفكرة التوثيق: "أوثق موضوع اللوحة كما أحس بها أنا... فأنا أعيش موضوع اللوحة قبل رسمها."

صدمة اختفاء الأحياء

حين تم العمل على تحسين أحياء مكة القديمة بكل ما كانت تمثّله من ذاكرة وتاريخ، يصف اللحظة يقول: "عندما علمت أن كل أحياء مكة المكرمة القديمة قد تم إزالتها ولم يبقَ منها إلا ما بقي في ذاكرتي. كان الحل أن أقوم برسم ما بقي في ذاكرتي قبل أن أختفي أنا من الحياة."

الضوء كلغة خفية

الضوء في أعمال ضياء هو البطل الذي يحرّك اللوحة ويمنحها طاقتها. يرى أن كل ما تراه العين يبدأ من الضوء وينتهي به، ومن هنا يبني حواره الفني بين اللون والظل. 

يقول: "الضوء هو أساس لكل ما يمكن أن يُرى بالعين؛ فلولا الضوء لما رأينا إلا سوادًا. وبالضوء يمكن أن نرى كل الألوان، ولذلك أستطيع أن أرسم الضوء والظل، وحتى الضوء المنبعث من الظل."

عزيز ضياء
 "التحول والتطور الحالي رائع، وهذا ما كنت أنتظره. لكني أنبّه الفنان السعودي إلى أن الفن لا يتحقق إلا بالإتقان والصدق والصبر."

قراءة المشهد التشكيلي السعودي

بخبرته الممتدة لعقود، ينظر ضياء إلى المشهد التشكيلي السعودي اليوم بعين المعلّم والناقد. يراه يتطور بشكل غير مسبوق، لكنه في الوقت نفسه يحذّر من الانجراف وراء تيارات سطحية لا تحمل عمقًا.

وهكذا يقيّمه: "التحول والتطور الحالي رائع، وهذا ما كنت أنتظره. لكني أنبّه الفنان السعودي إلى أن الفن لا يتحقق إلا بالإتقان والصدق والصبر. وأحذّره من الانجراف مع تيار فني لا يستوعب معانيه وأعماقه كي لا يصبح عمله تافهًا وساذجًا."

ما يحتاجه الفن السعودي اليوم

في نظر ضياء، الطريق نحو العالمية يبدأ من بناء البنية التحتية الثقافية، من معاهد متخصصة ومتاحف تحفظ إرث الفن السعودي. بالنسبة له، هذه الخطوة ليست ترفًا بل ضرورة تضع الفن السعودي على خريطة العالم. 

فيقول: "ما يحتاجه المشهد الفني اليوم هو ما تعد به وزارة الثقافة بإنشاء المعاهد الفنية والمتاحف التي ستحتوي على أعمال فنية تمثل الفن السعودي عبر الزمن. ربما ستكون البدايات متواضعة، لكن بمرور الوقت والمثابرة ستصبح في مصاف المتاحف العالمية. وسيستفيد الفنان من المعاهد والكليات الفنية بشكل يجعله فنانًا احترافيًا قادرًا على المنافسة وتمثيل السعودية في جميع المحافل الفنية العالمية."