
خاص لـ"هي": الفنانة السعودية دُنا الوزان.. توثق الذاكرة بالصورة، وتحول الصوت إلى أثر فني
من عمق التفاصيل اليومية في السعودية، تنسج دُنا الوزان أعمالًا بصرية تنبض بالحياة والتجربة. فنانة تجمع بين الحس الشعري والبُعد الجمالي، فنانة، ومصممة جرافيك، وشريكة مؤسسة في "ثلثاء" الاستوديو الإبداعي، وتقود اليوم مشروع "سبّاحين" لتوثيق الموروث الشفهي بأسلوب بصري فني.
في هذا اللقاء الخاص مع "هي"، تتحدث دُنا الوزان عن مسيرتها الفنية عن بداياتها، وعن حضور الشعر في وعيها البصري، وعن الفن كأداة للتوثيق، وعن المشاريع التي تظلّ مفتوحة لأنها انعكاس لحياة لا تزال تتشكل.

الفن كحوار داخلي دائم
تشير دُنا إلى أن بدايتها مع الفن لم تكن لحظة واحدة، بل مسار وجداني طويل، تقول: "الفن حوار دائم، أعتصم به لأجد نفسي واطمئناني. كنت أمارسه كما يستمع أحدهم لأغنية بلغة لا يفهمها، وحين فهمتُها، تحوّلت رغبتي إلى أن أكون أنا من يُغني هذه الأغنية، برموزٍ تحملني وأحملها."
حين تصبح الحياة اليومية مادة فنية
تؤمن دُنا أن مصدر الفن قد يكون أي شيء، طالما كان صادقًا ومرتبطًا بتجربة شخصية، وتوضح: "لا أستطيع حصر ما يمكن أن يتحوّل إلى عمل فني، فكل شيء قابل لذلك ما دام يحمل حكاية صادقة أو ارتباطًا حقيقيًا بحياة الفنان وشخصه."

الشعر كمنطلق بصري
تلعب اللغة دورًا مركزيًا في تجربتها الفنية، وتصف علاقتها بالنصوص الشعرية والتجربة الأدبية بهذه الكلمات: "أهوى الشعر والأدب، ويحركني المعنى. في الشعر سحر لا يمكنني التعبير عنه، قادر على أن يزرع بداخلي حقولًا حيّة , أفرح بها وأنتمي إليها."
ثلثاء: انبثاق من حاجة إلى مساحة
عن تأسيس "ثلثاء"، تشرح دُنا الدافع والسياق الذي قادها لهذا المشروع الفني المشترك قائلة: "ثلثاء استوديو إبداعي يُقدّم أعمالًا تُثري المحتوى البصري العربي. نسعى لخلق محتوى ينبض باللحظة، وإعادة صياغته في سياقات فنية وبصرية من خلال ورش تفاعلية."
وتكمل الحديث قائلة:" بجانب منتجات تحمل طابعًا عربيًا سعيدًا ومُرتجلًا. نؤمن بأن هذا المحتوى قادر على خلق سرد مستمر يرتبط بالمجتمع ويتفاعل معه. جاءت فكرة "ثلثاء" من رغبة عميقة في إثراء المشهد المحلي، وتوفير مساحة تعبّر عن ذائقة جديدة."

البصر كوسيلة لاستحضار الصوت
تجربتها مع مشروع "سبّاحين" ولدت من ممارسة عفوية تحوّلت إلى مشروع توثيقي بصري، وتقول: "كنت أوثّق تسجيلات صوتية عفوية لحديث جدتي وجدي أثناء جلوسي معهم، دون هدف محدد."
وتكمل قائلة:" بدافع شعور داخلي بأن هذه اللغة يجب أن تُوثق. كنت أؤمن أن في معانيها الخفيّة حكايات وقصصًا قادرة على نقل ما عاشوه من مشاعر، وكيف تفاعلوا معها. اختصار، رأيت في تلك الأصوات حياة يجب أن تُرى كما تُسمع."
ما بين الشعور والفكرة والذاكرة
وحين يُعرض عمل فني من أعمالها أمام الجمهور، ما الذي تريده دُنا أن يصل؟ تجيب ببساطة عميقة: "في اللحظة الأولى، أود أن يحيط المتلقي شعور معين. أما على نحو أعمق، فأرغب أن يعيش حالة تربطه بالعمل."
وتكمل الحديث قائلة:" سواء كانت فكرة، إحساسًا أو ذاكرة شخصية. لا يهمني تحديدًا ما يراه المتلقي، طالما عبّرت عمّا أود قوله، أترك للعمل أن يُكمل حواره معه بطريقته الخاصة."

المشاريع التي لا تنتهي
أما عن لحظة اكتمال المشروع، فتراها دُنا لحظة شعور داخلي بالاكتفاء، لكن هناك استثناءات، وتوضح: "بالنسبة لي، ينتهي المشروع حين أصل إلى لحظة أشعر فيها أنني قلت كل ما أريد قوله من خلاله. لكن بعض المشاريع، بطبيعتها، تحتاج إلى أن تظل مفتوحة."
وتكمل الحديث:" لأنها تشتغل على تفاعل مستمر أو تتغير مع الزمن. هناك مشاريع تنضج وتنتهي، وأخرى تبقى في حالة حركة مستمرة لأنها ببساطة انعكاس لحياة لا تزال تتشكل."
وثيقة، وإنقاذ، وتعبير جمالي في آن
وعند سؤالها عن طبيعة مشروع "سبّاحين"، ترفض دُنا حصره في تصنيف واحد، وتقول بوضوح: "أرى أن "سبّاحين" مشروع يتجاوز التصنيفات المعتادة، فهو في جوهره وثيقة فنية تُخلّد إرثًا إنسانيًا شفهياً مهددًا بالاندثار. يحمل بين طيّاته محاولة واعية للحفاظ على الذاكرة."
وتختتم حديثها قائلة:" وفي ذات الوقت، يُقدَّم بلغة جمالية تفتح المجال للتأمل والتفاعل، مما يجعله يجمع بين التوثيق، والإنقاذ، والتعبير الجمالي في آنٍ واحد."