مدونة أصوات.. مشروع سعودي فريد يحول اللهجات إلى كنز رقمي خالد

مدونة أصوات.. مشروع سعودي فريد يحول اللهجات إلى كنز رقمي خالد

محمد حسين
14 يونيو 2025

في عصرٍ باتت فيه اللغة مادة خام لصناعة المستقبل، تخرج إلينا "مدونة أصوات" كمشروع سعودي طموح لا يكتفي فقط بالحفاظ على الهوية، بل يُعيد تقديمها من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة. أطلق مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية هذا المشروع ليكون أول مدونة صوتية لغوية تمثّل المجتمع السعودي بصوته الحقيقي، ولهجاته المتنوعة، وتوثّق اللغة كما تُنطق على الأرض، لا كما تُكتب فقط على الورق.

ما هي مدونة أصوات؟

مدونة أصوات ليست مجرد مكتبة تسجيلات للهجات، بل مشروع علمي متكامل يُبنى بمنهجيات دقيقة، ويهدف إلى تفريغ اللغة المنطوقة كتابيًا، مع تحليلها صرفيًا ونحويًا ودلاليًا. تسعى هذه المدونة إلى تمثيل مختلف أطياف المجتمع السعودي، من الأطفال إلى كبار السن، رجالًا ونساءً، من خلال تسجيلات تُستقى من الحياة اليومية، مثل وصف الأطعمة، الحديث عن العادات والتقاليد، أو حتى سرد القصص. ومن خلال هذه المقاطع الحية، تُبنى قاعدة بيانات غنية وموثوقة تُسهم في تقديم صورة دقيقة عن اللغة المحكية في المملكة.

مدونة أصوات هي خريطة لغوية تنبض بالحياة في ربوع المملكة
مدونة أصوات هي خريطة لغوية تنبض بالحياة في ربوع المملكة

خريطة لغوية تنبض بالحياة

تتوزع عملية جمع البيانات الصوتية على أكثر من 40 نقطة جغرافية في أنحاء المملكة، في مشروع ضخم يشبه رسم خريطة صوتية حقيقية للمجتمع السعودي. كل نقطة تمثل لهجة، وكل لهجة تمثل ذاكرة، وكل تسجيل يحمل نكهة المكان وروح المتحدث. بهذا التنوع، تتيح المدونة فرصة لا مثيل لها لفهم التباين اللغوي داخل المملكة، وتوثيق اللهجات قبل أن تذوب في موجات العولمة.

هنا يتحول الصوت من مجرد أداة تواصل إلى وقود لتقنيات المستقبل. "مدونة أصوات" لا تكتفي بالتوثيق، بل تسعى إلى خدمة مطوري الذكاء الاصطناعي والباحثين في اللغويات الحاسوبية، من خلال تقديم بيانات دقيقة قابلة للقراءة الآلية. هذه البيانات يمكن استخدامها في تطوير تقنيات مثل الإملاء الصوتي، والتعرف على اللهجات، وبناء المعاجم الإلكترونية، وتحليل الفروقات بين الفئات العمرية والمناطق المختلفة، وهو ما يمثل قفزة حقيقية نحو ذكاء اصطناعي يفهم ويتكلم "سعودي"

هذا المشروع يستهدف الباحثين والمهتمين باللغة واللهجات، من الأكاديميين وصناع المعاجم، إلى المختصين بالتخطيط والسياسات اللغوية، وصولًا إلى المهندسين والمبرمجين الذين يعملون على تطوير أدوات ذكية تتعامل مع اللغة. فبفضل المعايير العالمية التي تتبعها المدونة مثل (CODA) و(TEI)، بات بالإمكان بناء أدوات دقيقة ومفيدة تنقل اللهجات من البيئات الشفهية إلى منصات التقنية والبحث.

مدونة أصوات.. مشروع سعودي فريد يحول اللهجات إلى كتز رقمي خالد
مدونة أصوات.. مشروع سعودي فريد يحول اللهجات إلى كتز رقمي خالد

الرؤية أعمق من مجرد تسجيل

في العمق، تتماشى مدونة أصوات مع رؤية السعودية 2030، وخصوصًا ضمن أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية. فهي لا تهدف فقط إلى حفظ اللهجات، بل إلى توظيفها كأداة تعليمية، بحثية، وتقنية في آن واحد. إنها خطوة نحو تعزيز مكانة اللغة العربية عالميًا، وتوسيع استخدامها في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحقيق توازن بين المحافظة على الأصالة والانطلاق نحو المستقبل.

منصة "فلك": البوابة إلى هذا الكنز

كل هذه الجهود تُرفع إلى منصة "فلك" للمدونات اللغوية، وهي بوابة مفتوحة للباحثين والمهتمين يمكن من خلالها الوصول إلى المادة الصوتية، دراستها، تحليلها، أو حتى المساهمة بإضافات جديدة. وكأن المنصة تقول: "صوتك له مكان هنا… وله قيمة علمية عظيمة".

حين يتحوّل الصوت إلى هوية رقمية

"مدونة أصوات" ليست مشروعًا عابرًا، بل وثيقة حيّة تنبض بتفاصيل الحياة اليومية، وتحفظ اللهجات من الضياع، وتمنح الباحثين والمطوّرين نافذة لفهم المجتمع السعودي بعمق لم يكن ممكنًا من قبل. هي مشروع لغوي، ثقافي، تقني، وإنساني في آن واحد، يهمس لنا أن الصوت، إذا ما اعتُني به، يمكن أن يكون أكثر من مجرد كلام… يمكن أن يكون علمًا، وذاكرة، ومستقبلًا.

مدونة أصوات.. مشروع سعودي ملهم للحفاظ على الهوية السعودية الأصيلة
مدونة أصوات.. مشروع سعودي ملهم للحفاظ على الهوية السعودية الأصيلة