
استعادة السردية من خلال الفن.. د. ندى شبّوط عن الحداثة العربية وحفظ الهوية وتمكين النساء في الفنون
بصفتها أستاذة متميزة في تاريخ الفن، ورائدة في توثيق الحداثة الفنية العربية، كرّست د. ندى شبّوط مسيرتها المهنية لحفظ الذاكرة الثقافية وإعادة تشكيل السردية العالمية حول الهوية الفنية العربية. من تأسيس الأرشيفات البحثية إلى دورها الاستشاري في جناح السعودية في بينالي البندقية، تمثل أعمالها تقاطعا بين البحث الأكاديمي والتقييم الفني والسياسات الثقافية. وقبيل انطلاق "آرت دبي" 2025، حيث تشارك في تنسيق قسم "آرت دبي مودرن"، تتحدث إلى "هي" عن أهمية التمثيل، وتطور دور المرأة في الفن، وضرورة حفظ الإرث في عالم سريع التحول.
كيف ترين تطور النظرة العالمية للفنانين العرب؟
شهد الفن العربي الحديث والمعاصر اهتماما متزايدا في الساحة العالمية خلال العقدين الماضيين. ربما بدأ ذلك من خلال السوق، لكن المتاحف والمؤسسات أسهمت بشكل كبير في توسيع الفهم. دوري يتمثل في تقديم سياقات تاريخية وتحليلية تسهم في تثبيت مكانة الفنانين العرب ضمن المشهد العالمي للفن.
لقد كرست مسيرتك لحفظ وتوثيق الفن العراقي والعربي. لماذا يعتبر هذا العمل ضروريا اليوم؟
في أوقات النزاع، يصبح التراث أكثر عرضة للخطر. بعد عام 2003، دُمر جزء كبير من الذاكرة الثقافية العراقية. من دون توثيق، نفقد القدرة على سرد القصة. إن استعادة السياق ومعناه هو نوع من المقاومة ضد تشويه الاستعمار والاستشراق.
كيف تغيّر دور النساء في الفن العربي؟ وما التحديات التي لا تزال قائمة؟
هناك تصور شائع بأن حضور النساء في المشهد الفني العربي كان محدودا خلال القرن العشرين، لكن الواقع أكثر تنوعا وتعقيدا. في الكثير من الدول العربية، برزت فنانات مؤثرات أسسن لمسارات فنية فريدة وأسهمن في تشكيل الحركات الحداثية. ما نحتاجه اليوم هو المزيد من البحث لتوثيق مساهماتهن وفهم السياقات التي عملن ضمنها. التحديات لا تزال قائمة، من بينها التمثيل غير المتكافئ في المؤسسات الفنية والمشهد الفني الذي لا يزال يديره الرجال إلى حد كبير. من المهم أيضا ألا نفرض مقاربات غربية على واقعنا، بل أن نستكشف العوامل الثقافية والاجتماعية التي شكّلت تجارب الفنانات العربيات بخصوصية وعمق.
ما العلاقة بين الفن، والهوية، والسياسة في أعمال الفنانين المعاصرين؟
الفن والسياسة مترابطان دائما، والهوية لا يمكن تجنبها. الفنانون المعاصرون يعبرون عن واقعهم الاجتماعي والشخصي، وغالبا ما يحملون هويات هجينة بسبب الهجرة أو الحياة في أكثر من مكان. وهذا ما يجعل أعمالهم ذات صدى عالمي.
كنتِ مستشارة لجناح السعودية في بينالي البندقية، وتعملين في لجنة الفنون البصرية. كيف ترين تطور المشهد الفني السعودي؟
المشهد في السعودية يشهد نموا سريعا ومتوازنا. هناك استثمارات في البنية التحتية، وبرامج تعليمية، ومساحات إبداعية تسمح للفنانين باستكشاف هوياتهم ضمن سياق عالمي. هذه المبادرات تعكس رؤية ثقافية عميقة وطموحة.
ما نصيحتك للنساء الشابات اللواتي يطمحن إلى العمل في مجال تاريخ الفن أو التقييم الفني أو حفظ التراث؟
الصبر والمثابرة. البحث الجاد يتطلب وقتا وعمقا. أنصح بالقراءة النقدية، وعدم القبول بالإجابات السهلة، والسعي الدائم لاكتشاف مصادر جديدة. والتغيير الحقيقي يبدأ من المعرفة.
ما أبرز الاتجاهات الجديدة التي تثير اهتمامك في الفن العربي؟
العمل الأرشيفي هو الأكثر إثارة حاليا. نحن نصل إلى أرشيفات جديدة تعيد صياغة السرد، وتمنحنا رؤى أعمق حول الفنانين وحركتهم. على سبيل المثال، أعمل حاليا على معرض حول "جماعة بغداد للفن الحديث"، يعيد قراءة إرثهم من خلال مصادر لم تكن متاحة سابقا.
ما الذي يمكن أن نتوقعه من "آرت دبي" 2025؟
"آرت دبي" يتجاوز حدود المعرض التقليدي، ويقدم مفاهيم وروابط جديدة. في "آرت دبي مودرن 2025"، نركّز على "الصلات والتضامنات". سنعرض أعمالا تتناول كيف استخدم الفنانون التجريد للتعبير عن هويتهم وموقعهم في التاريخ الفني. من أبرز المشاركات، عمل الفنان الفنزويلي "داريو بيريز فلوريس"، وهو أول فنان من أمريكا اللاتينية يشارك في هذا القسم. هذه الأعمال ليست مجرد أعمال فنية، بل هي نوافذ لفهم الذات والآخر، وجسور تربط بين الثقافات عبر التاريخ والحدود.