خاص "هي":  فرص تمكين المرأة في قطاع الفنون والحرف بالسعودية

خاص "هي": فرص تمكين المرأة في قطاع الفنون والحرف بالسعودية

مجلة هي
16 أغسطس 2023

يمر المشهد الإبداعي لقطاع الحرف والفنون اليدوية السعودي بفترة من النمو المتسارع حالياً، إذ نمى الاهتمام مؤخراً بإبراز تراث المملكة وتاريخها العريق من خلال الحرف والمشغولات اليدوية، وذلك لكونها مرآةً تعكس الجانب المادي من ثقافة مناطق وطننا الغالي وتنوعها. وبالتالي، شغل هذا القطاع حيزاً كبيراً من مستهدفات رؤية المملكة 2030، والتي تناولته من عدة زوايا وعلى امتداد مراحل سلاسل الإمداد للمنتجات الحرفية. فعلى سبيل المثال، يسعى برنامج جودة الحياة، أحد برامج تحقيق الرؤية التنفيذية، إلى المحافظة على تراث المملكة الإسلامي والعربي والوطني والتعريف به، وتنمية المساهمة السعودية في الفنون والثقافة. وللوصول إلى هاذين الهدفين، تخطط وزارة الثقافة حالياً لأن تطوّر رأس المال البشري في قطاع الثقافة عبر إطلاق برامج تدريبية مخصصة للحرفين، وإبراز الحرف والصناعات اليدوية داخلياً وخارجياً من خلال إقامة الفعاليات المتخصصة والمشاركة فيها، وإنشاء 17 مركزاً متخصصاً في الحرف اليدوية، وتأسيس شركة مختصةٍ في تصنيعها[1].

لقد أدى هذا الزخم إلى تنمية صناعة الحرف والفنون اليدوية منذ عام 2016، وزيادة التسويق للمنتجات الإبداعية الحرفية، وتوسيع منظومة البرامج التدريبية للحرفيين والحرفيات. وهو ما أعطى الفرصة لإيجاد حلقة تشاركية بين مختلف الأطراف الداعمة، وخلق علامات تجارية للمنتجات السعودية، وإتاحة فرص العمل للأفراد، بما سيُحيل هذا القطاع إلى عنصر فاعل في الاقتصاد الوطني. ونظراً لدور المرأة التاريخي والمحوري في قطاع الفنون والحرف في المجتمع السعودي، وجدنا مؤخراً تصاعداً في أعداد مبادرات تمكين المرأة السعودية في هذا القطاع المحوري، ونتيجةً للاهتمام المباشر من قبل القيادة الرشيدة للمملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -رعاه الله-.

إن المتتبع لمسار التنمية والتمكين للمرأة في مجال الحرف والفنون في المملكة سيرى تطوراً مستداماً وملحوظاً، متمثلاً بالاهتمام في توفير كافة سبل النجاح التي تعين المرأة على العمل في هذا المجال واقتحامه من أوسع أبوابه. وفي هذا الصدد، تشير الإحصائيات الحكومية إلى أن عدد الحرفيين في المملكة وصل إلى أكثر من 21,000 شخص، كما تشير تقديرات المستثمرين في مجال الحرف والصناعات اليدوية إلى أن حجم واردات هذا القطاع في المملكة العربية السعودية يُقدر بمليار ونصف ريال سعودي سنوياً، ولكن الغالبية العظمى منها تذهب لاستيراد المنتجات الحرفية الجاهزة وليس إلى تصنيعها داخل المملكة، معتبرين المملكة مجرد نقطة عبور2.

إننا بحاجة اليوم لخلق إطار تعاوني بين مختلف الجهات الداعمة من القطاعات الثلاثة للأخذ بيد المرأة السعودية وتمكينها في مجال الحرف والفنون والإبداعية، وهذا يترتب عليه الالتزام الدائم من مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية والجمهور، لمواصلة دعم وتعزيز مشاركة المرأة في الفنون والحرف اليدوية. ولقد رأينا ذلك جلياً في أحد أكبر الفعاليات المقامة في القطاع مؤخراً والتي أشرفت عليها وزارة الثقافة، ألا وهي "الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية"، والذي جاء تحت رعاية كريمة من معالي وزير الثقافة، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وبتنظيم من هيئة التراث. حيث تم خلال هذا الحدث تسليط الضوء على مجموعة متنوعة من الحرف والمهن اليدوية المحلية والدولية، مثل المشغولات الخشبية، والنخيلية، والجلدية، والفخارية، والمعدنية، والنسيجية، والمطرزة، وغيرها، وشارك فيها أكثر من 300 عارض من 11 دولة ومختلف مناطق المملكة لاستعراض منتجاتهم وبيعها على الجماهير الغفيرة التي توافدت على الحدث3.

ومن الأمثلة الناجحة الأخرى لتمكين المرأة في هذا القطاع أيضاً هو ما تقوم به أكاديمية نفيسة شمس للفنون والحرف، وهي إحدى المنظمات المدعومة من مؤسسة مجتمع جميل السعودية، حيث تتخصص بتدريب السيدات على أهم المهارات الفنية والحرفية المطلوبة في السوق، وذلك كجزء من جهودها المتواصلة لتمكين المرأة السعودية في مجالات الفنون والحرف اليدوية من خلال التدريب والتعليم. ولقد ساهمت الأكاديمية في تدريب أكثر من 17،000 سيدة منذ تأسيسها في عام 2006، وشاركت في توفير مصدر دخل إضافي لمنتسباتها عن طريق التعاون مع شركة شقيقةٍ لتسويق منتجاتهن في مجالات تشمل إنتاج السجاد، والأزياء الموحدة للشركات، والقطع الفنية، مع إيلاء تركيز خاص على التطوير والتدريب المستمر.

وفي الختام، إننا متحمسون لرؤية نتائج التعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم لإدراج الحرف والمهن والفنون اليدوية كمناهج تدرس للأجيال القادمة منذ الصغر، وإن من الواجب على الأهل والمجتمع والمؤسسات التعليمية بمختلف فئاتها تروجيها والتشجيع على الانضمام إليها، لما لها من أهمية ثقافية واقتصادية، بما يضمن لنا استدامة ثقافتنا وهويتنا الأصيلة، وتشكيل رافد مادي مهم للفتيات في المستقبل.

1-            https://www.vision2030.gov.sa/media/1tkbzg0k/qol_ar.pdf

2-            https://www.okaz.com.sa/investigation/na/2113199

3-            https://www.spa.gov.sa/w1918333

Credits

    بقلم الدكتورة مي طيبة، المدير التنفيذي لأكاديمية نفيسة شمس