The Menu

فيلم The Menu.. في هجاء نفاق المجتمع وفساد الذوق..دراما ساخرة عن الانتقام والشغف المفقود!

إيهاب التركي
11 ديسمبر 2022

بعض التصنيفات تضع فيلم The Menu "قائمة الطعام" تحت قائمة أفلام الرعب، لكن مخرج الفيلم "مارك ميلود" يُقدم حبكة درامية أقرب لتصنيف الكوميديا السوداء؛ فمن ناحية الشكل تُحاكي قصة الفيلم تجربة تذوق الطعام في بعض المطاعم المُختلفة الموجودة في الواقع، وهى تجربة لم يمر بها أغلب جمهور السينما، ولكن سيناريو "ويل تريسي" و"سيث رييس" ينجح في خلق أجواء استعراضية غامضة للمطعم مع سلوك غريب الأطوار للشيف ومساعديه؛ ومع حوار يغلب عليه التهكم يبدو كل شىء منطقياً وملائماً لحالة الغرابة والغموض المُتعمدة، ولكن مع كل طبق يُقدم للزبائن تتراجع الشهية ويحل محلها الترقب والخوف من مسار الأمسية.

أطباق خاصة للصفوة!

قصة مطعم جزيرة هوثورن في فيلم "قائمة الطعام" خيالية، ولكنها تستلهم أجواء بعض مطاعم الصفوة في الواقع، وهى نوعية تُقدم أطباق باهظة الثمن وتجربة خاصة لزبائنها من الأثرياء وذواقة الطعام، ودور الشيف المشهور الذي يُدير هذه النوعية لا يقتصر على طهو الأطباق ذات المكونات المثيرة والغريبة، بل يُضيف بعض الطقوس والحكايات التي تُصاحب تقديم الأطباق، وهذا الأسلوب المسرحي يُحول عملية تناول الطعام إلى تجربة خاصة للتذوق والترفيه والتأملات.

الأمسية الترفيهية التي يقضيها مجموعة من صفوة المُجتمع الراقي في The Menu تتدرج من الترفيه والإعجاب بطقوس تقديم الأطباق الغريبة إلى التوتر والقلق من سلوك الشيف ومساعديه؛ فهو يعرف أدق أسرار زبائنه، ويُعلن بعضها أمام الجميع، ويمزج بين طقوس تقديم الطعام وحيثيات أحكامه على ضيوفه لأنهم لا يستحقون العيش من وجهة نظره.

في أحد المشاهد يوجه النجم السينمائي الشهير جورج دياز "جون لوجيزامو" سؤاله للشيف: لماذا أُعاقب؟ وتكون إجابة الشيف سلوفيك ببساطة أنه شاهد أحد أفلامه ولم يعجبه، ونفس نوعية التعليقات الناقدة يصف بها الشيف فساد زبائنه بشكل أو بأخر؛ فهو شخصية تؤمن بمعايير أخلاقية رفيعة، ويسعى إلى الكمال، ويرى تكاملاً بين ما يصنعه الإنسان وبين الحياة.

فيلم The Menu قدم طقوس خاصة مع تقديم الطعام
فيلم The Menu قدم طقوس خاصة مع تقديم الطعام

ألغاز الماضي ومصير الحاضر!

لم يقتنع الشيف سلوفيك أن علاقة الإنسان بالطعام مجرد حشو للمعدة بصنوف الطعام؛ بل هى عملية تواصل بين ما تُنتجه الأرض وجسد الإنسان؛ ولهذا قائمة طعام الشيف غريبة وغير مألوفة، وهى تجذب الأثرياء والمشاهير، ليس لإيمانهم بأفكار الشيف وإعجابهم بأطباقه وفلسفته؛ ولكن لأنهم يمارسون تجربة غريبة وطريفة تلائم حياة مُترفين ملوا كل تقليدي، ويبحثون عن الغريب والشاذ مهما كان باهظ الثمن، ولكن الثمن في مطعم هوثورن هو حياتهم التي أصبحت رهينة بيد شيف مهووس ومُختل.

شخصيات الزبائن مرسومة بإختصار وتكثيف، ومع كل طبق يُقدمه الشيف يتصاعد التوتر والقلق، وتتعرى كل شخصية من رداء التكلف والمظهرية، وترى نفسها الحقيقية وتلمس تناقضاتها وفسادها، ولكن من هذا الشيف الذي يلعب دور الإله في حياة حفنة من الزبائن الذين حضروا لتناول الطعام؟

لا نعرف الكثير عن ماضي الشيف سلوفيك؛ هناك لقطات تعرض بضعة قصاصات من الصحف له في بداياته، وفيها يبدو سعيداً كشيف مغمور في مطعم للوجبات الجاهزة، ولكنه الآن شيف مشهور، ومهووس بتقديم أطباقه بتفاصيل طقسية، كأنها أطباق مناسبة مُقدسة، وتوحي نبرة التهكم المريرة في تقديمه لكل طبق أنه شخص فقد شغفه بكل شىء في الحياة وبمهنته، وفقد عقله أيضاً.

يُحافظ الفيلم على سرد وقائع الحاضر المخيفة، ويترك ألغاز الماضي لخيال المشاهد، فهو يرسم صورة الشخصيات من خلال المواقف والحوار الذي يدور في مكان واحد، وينشغل المشاهد بمحاولة معرفة كيف سينجو ضيوف المطعم من مصيرهم.

فيلم The Menuألغاز الماضي ومصير الحاضر!
فيلم The Menu وألغاز الماضي ومصير الحاضر!

فاسدون ومتمردون ودخيلة!

يُشير عنوان The Menu إلى قائمة الطعام، ولكن الأحداث تُشير إلى قائمة أخرى، وهى قائمة الزبائن الذين تم إختيارهم بدقة كجزء من خطة الشيف سلوفينك؛ حضر كل منهم في ثنائيات أو مجموعات، وأبرزهم ناقدة الطعام ليليان المُتغطرسة "جانيت ماكتير" ورفيقها رئيس التحرير، ورجل الأعمال الكهل ريتشارد "ريد بيرني" وزوجته، ونجم السينما المغرور جورج دياز "جون لوجيزامو" ومساعدته، وبالطبع الثنائي الأبرز هما الشاب تيلور "نيكولاس هولت" ورفيقته مارجو "آنيا تيلور جوي"، وهى فتاة هوى صحبته بديلة لرفيقته الأصلية التي إنفصلت عنه، ولأن قائمة المدعوين لا تتضمن اسم مارجو، يشعر الشيف بخلل ما في خطته؛ فهو لا يعرف شىء عن هذه الدخيلة، ولا يُمكنه تصنيفها.

تيلور شاب سطحي وأحمق، ولكنه مهووس للغاية بأفكار الشيف وأطباقه، وهو أقرب لإخلاص مساعدي الشيف، وهم أيضاً أتباعه الذين ينفذون أوامره دون مناقشة، ويكاد مجتمع المطعم يُقدم نسخة تجريدية من المجتمع المعاصر، الذي انقسم بين مُستهلكين فسد ذوقهم، ومُتمردين ناقمين.

فاسدون ومتمردون ودخيلة!
النجمة آنيا تيلور جوي

يُقدم "رالف فينس" أحد أبرز أدواره وربما أحد أهم أدوار التمثيل هذا العام؛ وهو يرسم بغضب مكتوم ومرارة وسخرية ملامح شخص مُحبط، أحب مهنته لدرجة تقديس تفاصيلها، واهتم بمكونات أطباقه بكل تفاني وإخلاص، وتبدو وقفته الشامخة أمام الزبائن كأنه فارس نبيل متعالي على وشك مُخاطبة جمهور من الرعاع والسوقة، نظراته وتعبيراته تكشف احتقاره لهؤلاء المُستهلكين من ذوي الذوق الفاسد.

لقد فقد الشيف شغفه بعد أن وجد أن المُجتمع بنفاقه وفساده لم يعد يُقيم وزناُ لأى إتقان أو كمال فني، وقرر الإنتقام من الفساد البشري على طريقته، ربما كانت "مارجو" الأوفر حظاً لأن الشيف لا يعرف عنها شيئاً، ولأنه فشل في ضمها إلى جماعته، ورأى أنها لا تنتمي إلى الأخرين أيضاً، أنها بإختصار نكرة وأقل من أن تؤثر على إعداده للطبق الأخير في قائمة الطعام.

فيلم The Menu
فيلم The Menu