أجمل التجارب لعشاق المغامرات الجبلية في البحر الأحمر.. رحلات لا تُنسى بين قمم الطبيعة وسكون الأودية
في قلب منطقة البحر الأحمر، حيث يلتقي الأزرق الهادئ بامتداد الجبال وتضاريسها العريقة، تنبض الطبيعة برغبة ثابتة في المغامرة. هنا لا تقتصر الجاذبية على البحر أو الأنشطة المائية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتأخذ عشاق الجبال نحو تجارب جديدة تتداخل فيها الأودية والتكوينات الصخرية والمسارات الطبيعية. إن البحر الأحمر يُعد وجهة مميزة لهواة التسلق والمشي واكتشاف الطبيعة من منظور مختلف، بين الجبال الحمراء الداكنة والسكون الذي لا يقطعه سوى صوت الريح ووقع خطوات المغامرين.
هذه المنطقة ليست مجرد مساحة جغرافية، بل هي منظومة طبيعية نابضة بالحياة. تجعل من تسلق الصخور والمشي بين الأودية تجربة تتجاوز فكرة النشاط الرياضي لتصبح رحلة داخل الذات. فمن قمم شاهقة إلى وديان صخرية مخبأة تنتظر من يكتشفها، تقدم المنطقة أربع تجارب تعتبر كنزًا لكل من يبحث عن المغامرة، التحدي، والدهشة. كل تجربة منها لها بصمتها الخاصة، ولغتها، وإيقاعها الذي يتناغم مع روح المغامر.
تسلق الصخور في “شقائق الذيب”: عناق القمة واستنشاق الحرية
تبدأ الحكاية مع تجربة تسلق الصخور في شقائق الذيب، حيث تتجسد المغامرة في أكثر صورها نقاءً. عند الوصول إلى نقطة البداية، يستقبل المشاركين هواء الصباح البارد، ونسيم خفيف يحمل روائح الصخور بعد أول خيوط الشمس. من هنا ينطلق فريق “Akun” بقيادة محترفين، ليوجه المشاركين عبر مسار يمتد لساعتين، في رحلة تجمع بين التحدي الجسدي والانسجام مع الطبيعة.
من يقرر الانضمام إلى هذه الرحلة لا يبحث فقط عن تسلق صخور أو الوصول إلى نقطة معينة، بل يذهب نحو اختبار جديد مع ذاته. كل خطوة على الصخور تعني تخليًا عن التردد، وكل متر ارتفاع يفتح مساحة جديدة للرؤية والتأمل. وبينما تتحول الأرض تحت قدميك إلى مشهد بانورامي واسع، يتبدل الشعور من الجهد إلى الكمال، ومن القلق إلى الامتلاء بالإنجاز.
هناك لحظة محددة يعيشها كل من يصل إلى القمة، لحظة صامتة، تتوقف فيها الكلمات ويحل محلها حضور الطبيعة وحدها. مشهد لا ينسى من الصخور الممتدة في الأفق، والخطوط الحمراء للجرف العميق، والسماء تتسع أمامك وكأنها تحتضن كل أحلامك المؤجلة. كثيرون يصفون هذه التجربة بأنها إعادة اكتشاف للذات، وأن الهواء على القمة يبدو أخف، وأن العالم يبدو أبسط.

وادي مرخ – الكثبان الجنوبية: عبور البرية وترك بصمة على الرمال
في التجربة الثانية، ينتقل المغامرون نحو وادي مرخ، حيث تتبدل الطبيعة لتكشف عن عالم جديد تماماً. هنا لا تفرض عليك الجبال مساراً صاعداً، بل يدعوك الوادي إلى اكتشاف تضاريسه المتنوعة. المسار يمتد على مسافة خمسة كيلومترات، بين صخور ممتدة ورمال تتخللها تشكيلات مذهلة. إنها رحلة مليئة بالتباين: مناطق ضيقة تنغلق بين الجبال، وأخرى مفتوحة تكشف عن اتساع البرية.
الخطوات الأولى في الوادي تحمل إحساس الغموض. يبدأ الضوء في التسلل بين قمم الصخور العالية، وتظهر طبقات الأرض المتكوّنة عبر ملايين السنين. يشعر المغامرون بأنهم جزء من قصة أكبر من مجرّد نشاط سياحي، وكأنهم يعودون إلى الزمن البدائي للطبيعة، حين كانت الأرض تُشكَّل بفعل الرياح والمياه.
في هذا المسار، تتداخل مشاعر القوة والطمأنينة. فكل تحدٍّ في الطريق يروي شيئاً عن الصبر، وكل منحدر يقابلك يعلّمك أن القوة لا تأتي إلا بالمحاولة. وبينما يستمر السير داخل الوادي، تظهر النباتات في أماكن غير متوقعة، تخرج من الصخور كدليل على أن الحياة قادرة أكّد الوجود حتى في أقسى الظروف.
وعندما تبدأ الشمس بالانخفاض، تتلون الصخور والرمال بلونٍ ذهبي دافئ، كأن الوادي يقدّم هدية وداع. المشهد عند النهاية يبقى في الذاكرة: خطوط الضوء على الصخور، وصمت ممتد لا يقطعه إلا أنفاس التعب الممزوجة بالرضا.

وادي السلع: تجربة التسلق القصير الذي يوقظ الحواس
التجربة الثالثة تتميز بطابع مكثف، فهي قصيرة لكنها تحمل روح المغامرة بكل تفاصيلها. وادي السلع يُعد تجربة مثالية لمن يريد الدخول إلى عالم التسلق والمغامرات الجبلية دون أن يحتاج إلى مسافات طويلة. يمتد المسار على ثلاثة كيلومترات فقط، لكنه يقدم إثارة تفوق بكثير المسافة التي يُقطع فيها.
عند بداية الوادي، يشعر المشاركون بانجذاب غريب نحو التشكيلات الصخرية التي تشبه المتاهة. الصخور هنا ليست مجرد تضاريس، بل أرشيف طبيعي للتاريخ الجيولوجي للمنطقة. الألوان تتدرج بين الأحمر الداكن والرملي الفاتح، وكأن الوادي يرسم لوحة فنية بالضوء والظل.
تسلق الصخور في هذا المكان يشبه اكتشاف سر مخفي. كل خطوة تحمل مفاجأة، وكل منعطف يكشف زاوية جديدة. هناك أماكن ضيقة تتطلب تركيزاً عالياً، وأخرى واسعة تسمح بالتوقف والتأمل. ومع أن المسار قصير، إلا أن الشعور بالإنجاز حين الوصول إلى نقطة النهاية لا يقل بأهمية عن وصول قمة شاهقة.
هذا الوادي يترك أثره في الذاكرة سريعًا. فالمغامرة هنا لا تتعلق فقط بالجهد البدني، بل أيضاً بمساحة الصمت التي يمنحها المكان، وبالإحساس بأن الطبيعة قادرة على منحنا الكثير دون مقابل سوى أن نكون حاضرين معها بالكامل.

وادي مرخ – تجربة تسلق الصخور: لحظة مواجهة بين القوة والطبيعة
في التجربة الرابعة يعود المغامر إلى وادي مرخ، لكن هذه المرة ليس للسير فقط بل لتجربة تسلق الصخور. في هذه التجربة، يصبح الوادي مدرسة في التوازن والمرونة. التكوينات الصخرية هنا أكثر ارتفاعاً، والملمس الخشن للصخور يمنح الثقة للأيدي التي تمسك بها. ومع أن المسار يمتد لثلاثة كيلومترات، إلا أن الوقت يمر سريعاً بفعل الحماس والتركيز المطلوب في كل خطوة.
الصعود ليس مجرد حركة جسدية. إنه فعلٌ ذهني قبل كل شيء. هناك لحظة يدرك فيها المتسلق أنه لا يتعامل مع ارتفاع أو صخرة، بل مع فكرة داخل نفسه. ومع كل تقدم، يتلاشى الخوف، ويتحول الجهد إلى متعة.
في أعلى نقطة يتسع المشهد: مساحات مفتوحة تلتقي مع السماء، ظل الجبال يمتد، وأصوات الرياح تلامس الصخور. في هذه اللحظة يشعر المغامر بأن الجبال ليست حاجزًا، بل طريقًا مفتوحًا نحو الحرية.

حيث تتقاطع المغامرة مع الروح
إن التجارب الجبلية في البحر الأحمر ليست مجرّد أنشطة ترفيهية، بل هي رحلة داخل الذات. في كل مسار، وفي كل صعود، يتعلم المشاركون شيئاً عن الصبر والتحدي والتوازن. الجبال هنا ليست جدراناً، بل نوافذ. نوافذ تطل على الطبيعة وعلى النفس في الوقت ذاته.
من شقائق الذيب إلى وادي السلع ومرخ، تتعدد التجارب ويبقى الشعور واحدًا: هناك دائمًا قمة جديدة تنتظر من يصعد إليها.
