حتّا.. جنة بحرية بين الجبال لعشّاق الطبيعة والمغامرة

حتّا.. جنة بحرية بين الجبال لعشّاق الطبيعة والمغامرة

محمد حسين

في أحضان جبال الحجر الشاهقة، حيث تتلاقى الطبيعة البكر مع روح المغامرة، تحتل مدينة حتّا موقعًا متفردًا على خارطة السياحة البيئية والبحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. تابعة لإمارة دبي، إلا أنها تحمل في طيّاتها عالمًا مختلفًا من الصفاء، حيث تمتزج العراقة بالتجديد، والماء بالصخر، والطبيعة بالتجربة.

الوجهات البحرية في حتّا: هدوء الأزرق بين قمم الجبال

من أبرز ما يميز حتّا هو تنوع وجهاتها البحرية التي تفتح آفاقاً واسعة لعشاق المياه والهدوء والطبيعة الخلابة. سد حتّا يأتي في مقدمة هذه الوجهات، إذ يسرق الأنظار بمياهه الرقراقة التي تتوسط الجبال الشاهقة، وتنعكس على صفحتها الزرقاء أشجار النخيل والزهور البرية التي تحيط بالمكان كإطار طبيعي ساحر.

أما بحيرة سد حتّا، فهي الأكبر في المنطقة، وتوفر تجربة فريدة عبر "حتا كاياك"، حيث يمكن للزوار التجديف بين الأمواج الهادئة، وسط تنوع بيئي يضم أنواعاً مختلفة من الأسماك الملوّنة. تجربة التجديف هنا ليست فقط رياضية، بل روحية، تجدد الاتصال بالطبيعة وتبعث الطمأنينة في النفس.

وفي زاوية أخرى من حتّا، تتلألأ "بحيرة ليم" كدرّة بين الجبال. تقع في وادي ليم، ويبلغ طولها نحو 395 متراً، وتحيط بها المزارع الخضراء التي تضيف لمسة ريفية ساحرة. عمقها المتواضع، الذي لا يتعدى متراً واحداً في المتوسط، يجعل منها وجهة مثالية للنزهات العائلية والتأمل الهادئ.

سحر المغامرة في حتا
سحر المغامرة في حتا

شلالات حتّا المستدامة: تحفة تكنولوجية وطبيعية

تتجسد عبقرية المزج بين التطوير والاستدامة في مشروع "شلالات حتّا"، وهو مشروع بيئي سياحي فريد من نوعه، يعتمد على مياه محطة حتّا الكهرومائية. المياه المتدفقة من السد العلوي تهبط بانسيابية مذهلة على جدارية فسيفساء ضخمة، تحمل وجهي المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في مشهد فني يتجاوز حدود الجمال، ويخلّد تاريخ القادة في قلب الطبيعة.

هذه الجدارية، المصنوعة من أكثر من 1.2 مليون قطعة رخام طبيعي، تعتبر الأكبر من نوعها في العالم، وتضفي على المكان هالة من الفخر والهيبة، إضافة إلى الجذب البصري الساحر.

التراث الحي: عبق الماضي في قلب الطبيعة

تحتفظ حتّا بتراثها الغني كما تحتفظ بجبالها الصامدة. فمن "قرية حتّا التراثية" التي تأسست عام 2001، إلى "حصن حتّا" العريق المشيّد عام 1896، يعيش الزائر لحظات من الماضي الأصيل بين بيوت طينية وأكواخ تقليدية وسوق يعرض الحرف اليدوية الإماراتية.

أما "مسجد الشريعة"، الذي تم ترميمه حديثاً، فيروي قصة عمرها قرنان من الزمان، ويقع في منطقة الشريعة التي تضم كذلك "فلج الشريعة"، أحد الشواهد الحية على عبقرية الري التقليدي في المنطقة.

حتا كاياك.. تجربة لا مثيل لها في أحضان الطبيعة
حتا كاياك.. تجربة لا مثيل لها في أحضان الطبيعة

تجارب بيئية لا تُنسى في محمية حتّا الجبلية وحدائقها

لعشّاق الحياة البرية والتنوع البيئي، تفتح "محمية حتّا الجبلية" أبوابها بكل فخر، لتعرض موطناً نادراً لحيوانات ونباتات مهددة بالانقراض، في مقدمتها "الطهر العربي"، وهو من أندر أنواع الماعز الجبلية. البيئة الجبلية الصخرية في المحمية، والنقاء اللافت لهوائها، يشكلان بيئة مثالية للتنزه والتأمل ومراقبة الحياة البرية.

وفي قلب حتّا، تمتد "حديقة التلة" على مساحة تزيد عن 63 ألف متر مربع، تقدم فيها الطبيعة عرضاً حياً من التضاريس المتنوعة والنباتات المحلية. تقع الحديقة على مرتفع، مما يوفّر إطلالة بانورامية على الجبال والمزارع المحيطة، وتعد واحدة من أبرز المحطات الترفيهية للعائلات ومحبي التخييم.

أما "حديقة النحل" فهي تجربة استثنائية لعشّاق الطبيعة والتعليم البيئي، إذ تُعدّ الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وتضم آلاف خلايا النحل التي تنتج أجود أنواع العسل الإماراتي، وتوفر للزوار فرصة فريدة للتعرف على دورة حياة النحل وفنون تربيته.

مغامرات لا تنتهي في حتا وادي هب ومنتجعاتها

إذا كنت من محبي التحدي والمغامرة، فإن "حتا وادي هب" ستكون وجهتك المفضلة. مسارات المشي الجبلية ومسارات الدراجات الهوائية تمتد لأكثر من 32 كيلومتراً، موزعة على خمسة طرق مختلفة لتناسب جميع المستويات من المبتدئين إلى المحترفين. تتنوع التضاريس بين الطرق الترابية والصخرية، وتخترق مناظر طبيعية مذهلة تروي الحكاية الجيولوجية للمنطقة.

المنتجعات السياحية في حتّا تكمل هذه التجربة، حيث تجمع بين الرفاهية والطبيعة، وتوفر إقامة مستدامة تراعي البيئة وتغذي الروح بالهدوء والسكينة.

أجواء بحرية استثنائية بانتظار زوار حتا على مدار العام
أجواء بحرية استثنائية بانتظار زوار حتا على مدار العام

حتّا... أنشودة الطبيعة لعشّاق الاكتشاف

إنها ليست مجرد وجهة سياحية؛ بل تجربة وجودية. من الماء إلى الجبل، ومن التراث إلى الحداثة، ومن المغامرة إلى الاسترخاء... تقدم حتّا كل ما يحتاجه الزائر ليعيش لحظات لا تُنسى. في كل زاوية، همسة من الماضي ونبض من الحاضر، وفي كل درب، دعوة لاكتشاف الذات والطبيعة في آن واحد.

حتّا، بكل ما تحمله من تنوّع، تظل مرآةً صافية لروح الإمارات التي لا تعرف حدوداً بين الأصالة والطموح