
براد بيت في "F1".. سرعة بلا هدف وشخصيات بلا دراما!
أفلام سباق السيارات أعمال بصرية بشكل رئيسي، أشاهدها كأنها محاكاة لعالم السباقات، وفي العادة لا أتوقع منها دراميًا الكثير، ويجتهد كتاب هذه النوعية من الأفلام في إضافة لمسات إنسانية ودرامية حتى لا يتحول الشريط السينمائي إلى لعبة سباق سيارات بلا قيمة درامية. فيلم "F1" محاولة جريئة لدمج رياضة الفورمولا 1 مع الدراما السينمائية والإعلانات التجارية، العمل تحت قيادة المخرج جوزيف كوسينسكي وبطولة براد بيت، نجم هوليوود الذي يحاول العودة بقوة إلى أدوار البطولة الجذابة.
ماضي سوني هايز
الفيلم يروي قصة سوني هايز، سائق سابق يعود من التقاعد لينقذ فريق APXGP المحتضر بمساعدة جوشوا بيرس (دامسون إدريس)، سائق سباقات شاب طموح. العمل بدعم من منتجين كبار مثل جيري بروكهيمر وليوس هاميلتون، ويهدف إلى تقديم تجربة سينمائية مليئة بالإثارة والتشويق تلائم فيلم صيفي خفيف، مستفيدًا من التعاون مع الاتحاد الدولي للسيارات (FIA) لتصوير سباقات حقيقية. الفيلم حاول تحقيق توازن بين الواقعية والترفيه والدراما، ومهمته صعبة بلا شك.تبدأ حبكة "F1" بمشهد درامي يعكس ماضي سوني هايز، سائق فورمولا 1 سابق تعرض لحادثة قاتلة في سباق 1993 في جائزة إسبانيا الكبرى، مما أنهى مسيرته ودفعه إلى حياة الترحال والوحدة، والمشاركة في السباقات المغمورة من أجل قليل من المال.
شخصية تعاني كوابيس الحادث الأليم، وتجتر إخفاقات الماضي وإحباط الحاضر وغموض المستقبل، قليل الكلام يختبئ خلف ستار السلوك المتهكم الساخر، وتفضحه عيون غارقة في الألم والحسرة. العرض ينتقل بسرعة إلى لحظة عودته بفضل عرض من زميله السابق روبن سيرفانتس (خافيير بارديم)، الذي يدير فريقًا في أزمة مالية ويحتاج إلى معجزة للفوز في بطولة العالم. الهدف الرئيسي هو تعليم جوشوا بيرس، السائق الشاب المتعجرف، كيف يصبح بطلًا، بينما يكافح سوني لإثبات نفسه مرة أخرى. القصة تعتمد على نمط قصص الرياضة الكلاسيكية، حيث الصراع بين الجيل القديم والجديد، مع إضافة علاقة رومانسية بين سوني وكيت ماكينا (كيري كوندون)، مديرة التقنية.
براد بيت وجاذبية الأداء
من الناحية الإيجابية، قدم الفيلم لحظات أكشن مشوقة، خاصة في مشاهد السباقات التي استفادت من تصوير حقيقي في دائرة سيلفرستون ومونزا، مما يمنحها طابعًا واقعيًا نادرًا. الثلث الأخير من الفيلم، مع السباق الختامي في أبوظبي، يبرز تصميمًا ذكيًا للتوتر، حيث يتداخل المنافسة الداخلية مع تحديات السباق الخارجية. لكن، من الناحية السلبية، تبدو القصة متوقعة وخالية من المفاجآت، حيث تتبع ثيمات نمطية مثل "رجل يبدأ من الصفر إلى قمة البطولة" و"عداء القديم والجديد يتحول إلى صداقة عميقة" دون إضافة جديدة. العلاقة الرومانسية بين سوني وكيت تبدو سطحية، وظهور الشخصيات الثانوية، مثل بيتر بانينغ (توبياس مينزيز)، يفتقر إلى التفصيل، مما يجعله مجرد أداة درامية رخيصة. بالإضافة إلى ذلك، الاعتماد على المعلومات التوضيحية المفرطة من المذيعين أضعف التجربة، وخلق حوارات غير طبيعية.
يقول الشاب جوشوا لمنافسه وزميله العجوز سوني بعد فوز الأخير بما معناه "أنت تحتاج هذا الفوز، أما أنا أمامي العمر للفوز بسباقات عديدة"، وهي أكثر جملة حوار مبتذلة في الفيلم، كأن كاتب السيناريو نقل خواطره إلى داخل السيناريو عن طريق الخطأ، نعم نحن ندرك ذلك أيها الكاتب الجهبذ ولكن لا داعي لتذكيرنا بهذه الفجاجة!أداء براد بيت كسوني هايز يمثل الجاذبية الأساسية للفيلم. يقدم بيت شخصية هادئة ومميزة، رجل له ماضٍ ناجح وإخفاق طويل وندبات جسدية ونفسية لا تلتئم، يعيش وحيدًا على هامش الحياة ويجد فرصته الأخيرة ليستعيد شرارة نجاح الشباب، هي تركيبة تقترب من شخصيات أفلام الكاوبوي. تعبيراته، خاصة في مشاهد القيادة، تعكس مزيجًا من الندم والحماس، مما يضيف بعض العمق للشخصية، لكن السيناريو يسطح تجربته. دامسون إدريس، كجوشوا بيرس، يقدم أداءً متوازنًا بين الغرور والنضج، لكن دوره ضعيف في سيناريو باهت لا يمنحه مساحة للتطور الكافي. كيري كوندون تبرز كنجمة ثانوية قوية، حيث تضيف شخصية كيت ماكينا لمسة من الذكاء والدفء، لكن علاقتها مع سوني تبدو مفتعلة.
رؤية سريعة ومرتجلة
من الناحية السلبية، يعاني التمثيل من تشتت بسبب ضعف الشخصيات الداعمة. خافيير بارديم، رغم موهبته، يبدو محصورًا في دور روبن سيرفانتس الذي يفتقر إلى التعقيد، بينما توبياس مينزيز في دور بيتر بانينغ يظهر كشخصية واحدة الأبعاد. هذا الاعتماد المفرط على بيت يضع ضغطًا كبيرًا على كاهله، مما يجعل الأدوار الأخرى تبدو هامشية وباهتة، الفيلم يعتمد على جاذبية بيت أكثر من بناء درامي متكامل.جوزيف كوسينسكي، المعروف بأعمال مثل "Top Gun: Maverick"، يحاول أن يضيف بصمته على عالم السباقات السينمائية، مستفيدًا من تعاونه مع مصور الأفلام كلاوديو ميراندا. المشاهد التصويرية، خاصة تلك التي تُظهر زوايا داخلية للسيارات، تُعد إنجازًا فنيًا، قدمت تجربة فنية غامرة ومثيرة.
الإخراج يبرز في الثلث الأخير، حيث تصبح المعارك الدرامية والسباقات متناغمة. موسيقى هانز زيمر تضيف طابعًا ملحميًا يعزز التوتر رغم أنها تبدو تنويعات على موسيقاه الناجحة من أعماله السابقة، مع مزيج من الأغاني الحماسية والروك الكلاسيكي مثل "Whole Lotta Love" لـLed Zeppelin.الإخراج يعاني من عدم الاتساق. الجزء الأول من الفيلم بطيء ومكتظ بالمعلومات التوضيحية، مما أفقد العمل الزخم، وأدى إلى مشاهد تبدو مبالغًا فيها أو غير واقعية، مثل قيام سوني بتجاوزات غير منطقية دون عقوبات واضحة. هذا التناقض جعل التجربة مشتتة، حيث يبدو الفيلم يحاول إرضاء الجميع، خاصة براد بيت، دون تحقيق هوية درامية واضحة.
ليس كل ما يلمع ذهبًا!
من الناحية الفنية، يتميز "F1" بتصوير سينمائي استثنائي بفضل كلاوديو ميراندا، الذي استخدم عدسات واسعة الزاوية لنقل شعور الضغط الناتج عن السرعة المفرطة، خاصة تلك التي صُورت في دائرة هنجارورينج، تقدم تجربة غامرة تشعر المشاهد وكأنه داخل السيارة. التصميم الصوتي، بدعم من هانز زيمر، يعزز الإحساس بالسرعة الفائقة، مع تأثيرات صوتية دقيقة.
ومع ذلك، تعاني العناصر الفنية من تكرار. الديكورات، مثل المقرات التي تبدو كمحطات فضائية غرائبية، كما برزت العلامات التجارية الحقيقية بوضوح فج في المشاهد، مما يعطي انطباعًا بأن الفيلم مصنوع من أجل الترويج لعلامات تجارية أكثر منه عمل فني. أدوات السباق، مثل السيارات المعدلة، تحاول إضافة لمسة إبداعية، لكنها تبدو مبالغًا فيها، مما يفقد الفيلم بعض مصداقيته.فيلم "F1" يقدم تجربة سينمائية مشوقة بفضل أداء براد بيت، التصوير الرائع، ومشاهد السباقات المثيرة. لكنه يعاني من ضعف في الحبكة والشخصيات، بالإضافة إلى تكرار في الإخراج والعناصر الفنية الذي يجعله يبدو كجزء من صيغة تجارية متواضعة.
الثلث الأخير ينقذ الفيلم من الضعف، لكنه لا يكفي لتجاوز التشابه مع أفلام الرياضة الأخرى. بالنسبة لمحبي الأكشن والسرعة، قد يكون الفيلم ممتعًا، لكن من يبحثون عن قصة عميقة أو رؤية مبتكرة قد يجدون أنفسهم محبطين تمامًا. لكن مع ذلك، يبقى "F1" تجربة تستحق المشاهدة في شاشات IMAX لعشاق السرعة.
الصور من حسابات الفيلم على السوشيال ميديا