سماء بلا ارض

خاص "هي" رسالة مهرجان كان 2025- فيلم افتتاح نظرة ما "سماء بلا أرض".. ما لا نعرفه عن تونس

أندرو محسن
16 مايو 2025

في فيلمها الروائي الطويل الأول "تحت الشجرة" (2021)، قدّمت المخرجة التونسية إريج السحيري جانبًا غير معروف تمامًا في الواقع التونسي، القرى الريفية وحقول الفاكهة وطبيعة الحياة هناك، خاصة بالنسبة للنساء، من خلال يوم واحد، وأسلوب سرد أقرب للأفلام الوثائقية، النوع الذي قدمته المخرجة من قبل. فيلمها الأحدث "سماء بلا أرض" افتتح مسابقة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي 2025، وهو مدعوم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وفيه جمعت السحيري بين أن تقدم أسلوبًا سينمائيًا مختلفًا عما قدمته، وفي الآن ذاته تحافظ على أسلوبها الخاص حاضرًا بقوة.

الفيلم الذي تدور أحداثه في مدة زمنية قصيرة، يتابع ثلاث نساء وطفلة يعشن معًا في بيت كبير في تونس، جميعهن من دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. كل واحدة منهن تحمل همومها وأحلامها الخاصة. لكن مع تنامي موجة العنصرية ضد المهاجرين السُمر تحديدًا داخل تونس، يتحول مسار شخصيات الفيلم.

ل
سماء بلا ارض 

يبتعد "سماء بلا أرض" عن "تحت الشجرة" في أسلوبه السردي، إذ يضم الفيلم الأحدث خطوط صراع وحبكات واضحة وتصاعد في الأحداث حتى النهاية، وهنا تبدو أول مميزات هذا الفيلم، إذ يظهر من خلال السيناريو المجهود الذي قدمته إريج ومعها كاتبتا السيناريو الأخريين مليكة لواتي وآنا سينك في البحث لإيجاد الشخصيات الأنسب للفيلم، ثم لبناء عالم واحد يجمعهن ليتقاطعن معًا في بعض التفاصيل دون أن ينتزع ذلك من كل واحدة خطها الدرامي الخاص بها.

أولى الشخصيات، ماري (آيسا مايجا) من جنوب إفريقيا، كانت تعمل في الصحافة، وتقيم في كنيسة صغيرة، وتجتمع داخلها بالمهاجرين واللاجئين للصلاة، تبدو بمثابة الأم الروحية للشخصيات الأخرى، لكن ماضيها المثقل بالفقدان يجعلها تتعلق بالطفلة التي ظهرت فجأة في حياتهن دون أن يعرف أحد عن ماضيها إلا أنها جاءت في مركب للاجئين. أزمة ماري الأساسية تبدو في إحساسها بأنها يجب أن تكون مثالية دائمًا، ليس فقط أمام الناس بل أمام نفسها أيضًا، حتى لو كان هذا يعني أن تضغط على مشاعرها أحيانًا. بينما المقابل لها هي ناني (ديبوراه كريستي) اللاجئة التي تركت ابنتها في وطنها منذ ثلاث سنوات لتحاول جمع المال في تونس. ناني هي أكثر الشخصيات عاطفية وتلقائية، لكنها لا تتورع عن القيام بأعمال غير مشروعة من أجل جمع المال. في حين كانت أحدث المنضمات للبيت هي جولي (لايتيتا كاي) التي قدمت إلى تونس من أجل الدراسة، ورغم صغر سنها مقارنة بالأخريين، فإنها تحمل داخلها جرأة وصدق الشباب، وتحاول أن تكون بمثابة حلقة الوصل بين الأخريين.

ل
سماء بلا ارض 

من خلال هذه الشخصيات التي تضم الكثير من الأبعاد نتعرف على مجتمع ربما لم نسمع عنه من قبل داخل تونس، ليس فقط أنها وجهة للاجئين والمهاجرين، ولكن أيضًا التعامل العنصري من بعض التونسيين مع الأفارقة السمر، وهنا يضع الفيلم بشكل ساخر مفهوم إفريقيا، عندما يدخل صاحب البيت التونسي إلى ماري وهي تعد كعكة وينظر بعدم اهتمام قائلًا "اه إنها كعكة إفريقية"، لتسأله "أولست إفريقيًا؟". هذا السؤال يلخص الكثير من مفهوم العنصرية الذي يطرحه الفيلم، إذ ينسى بعض مواطني دول شمال إفريقيا أنهم أفارقة أيضًا! 

بينما قدمت إريج هذه النظرة المختلفة في السيناريو، فإنها أيضًا بذلت مجهودًا ملحوظًا مع الممثلات اللاتي لم تقدم بعضهم أي أدوار سابقة. ومجهودها يتضح ليس فقط في الأداء اللافت منهن، خاصة ديبوراه كريستي، ولكن أيضًا من خلال حالة الانسجام الواضحة بينهن والتي تُشعرنا أننا أمام صديقات بالفعل وليس مجرد ممثلات تعرف على بعضهن أثناء التصوير. وهو ما يؤكد على موهبة المخرجة الواضحة في إدارة الممثلين.

تأتي نهاية الفيلم بمزيج من المشاعر المختلفة، فربما هناك أمل وربما لا، ولكن الحياة ستستمر في جميع الأحوال، بهذه المشاعر يتركنا الفيلم مع تتابعات النهاية المكثفة، والتي تجعل الفيلم يبقى في الذاكرة بعد مشاهدته. إريج السحيري بهذا الفيلم تؤكد على موهبتها في استكشاف زوايا جديدة داخل وطنها تونس، وفي التكيف مع موضوع الفيلم لعرضه بالأسلوب السينمائي الأمثل، دون أن تفقد لمستها الخاصة.

ل