فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة

فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة".. كوميديا الأكوان الموازية (نسخة المبتدئين)!

إيهاب التركي
19 أبريل 2024

كتب "مارك توين" روايته "The Prince and the Pauper" (الأمير والفقير) عام 1881، وتروي حكاية أمير إنجليزي صغير، يعيش داخل أروقة القصر الملكي الراقية، لا يختلط بالعامة أبدًا. ذات يوم يلتقي بصبي فقير على بوابة القصر، يشبهه في الهيئة والملامح والسن بشكل لا يُصدق، يسير معه بعيدًا عن الحرس، يعرف عنه الكثير، ثم يتفق معه على تبادل المواقع؛ فيبقى الصبي الفقير في القصر مُدعيًا أنه الأمير، ويذهب الأمير مُرتديًا ملابس الصبي الفقير الرثة إلى منزل الصبي الفقير، ويعيش كل منهما حياة الأخر؛ سعد الصبي الفقير بفرصة الحياة الرغدة الهانئة، بعيدًا عن تعنيف والده، الفظ، السكير، وسعى الأمير إلى مغامرة تجرِبة الحياة وَسْط المُهمشين.

حكم ومواعظ!

حبكة الرواية ألهمت عشرات الأعمال الدرامية؛ من أشهرها الفيلم الهوليودي الكوميدي "Trading Places"، إنتاج 1988، بطولة "دان آيكرويد" و"إيدي ميرفي"، وفيه رِهان بين شقيقين من الأثرياء المُسنين، على تأثير البيئة على سلوك الشخص؛ والرهان أن يحل الأفاق المُتشرد "ميرفي"، محل مُدير حسابات الأرستقراطي "آيكرويد"، والرِّهان هو اختبار تأثير البيئة الجيدة ووفرة المال على المُتشرد، وتحسين سلوكه؛ إذ يظن صاحب الرِّهان أن كل شخص سوي وراقِ بطبعه، وسوء سلوكه خلل مصدره البيئة المُحيطة وليس شخصيته.

ه

الكوميديا تأتي من مواقف مُتناقضة، لشخص يُحاول الاندماج في بيئة تختلف عن بيئته الأصلية، هي العمود الفقري لحبكة فيلم (فاصل من اللحظات اللذيذة)، إنتاج "أحمد السبكي"، تأليف "شريف نجيب" و" جورج عزمي"، إخراج "أحمد الجندي"، وعلى طريقة الأفلام العربية الكوميدية القديمة؛ يُقدم الفيلم عشرات من المواقف الكوميدية الصاخبة، التي تبدو بلا هدف، سوى الإضحاك، وفي النهاية يُقدم على لسان الأبطال حكمة مُباشرة، بواسطة جملة يتم تأطيرها بتعمد، في حال لم يفطن الجَمهور إليها وَسْط صخب وقهقهات الكوميديا. هذا الأسلوب قد يلائم جَمهور زمان، حديث العهد بالترفيه الدرامي؛ حيث يؤكد صُناع الدراما أن عملهم ليس تافهًا تمامًا، وخلفه رسالة وموعظة ما.

تغير الزمن ولكن ظلت السينما تتعامل مع الجَمهور بنفس المنطق؛ فيلم عيد كوميدي، ينطلق من سيناريو خامل، مشاهده يغلب عليها التهريج، افيهات تُداعب غدد الضحك لدى مُشاهد أفلام العيد، بعضها لا يُناسب جَمهور الأطفال، وفي نهاية العمل حكمة مُباشرة تمنح العمل قيمة أكبر من قيمته الحقيقية.

غ

عوالم متناقضة!

يمكن أن نستشف من مشاهد الفيلم أنه يدور حول فكرة رضا الإنسان عن حاله؛ ولهذا يستخدم حبكة الأكوان الموازية؛ حيث تنشأ المُقارنة بين حياة صالح "هشام ماجد" في غرفة مهجورة، بمنزله العشوائي في حي شعبي متواضع، بصحبة زوجته سليطة اللسان درية "هنا الزاهد"، وابنه الصغير صاحب اللسان الأكثر سلاطة، ويجد صالح بوابة زمنية في غرفة مهجورة بمنزله، يعبرها ليجد نفسه في كون موازِ، حيث نرى نُسخة صالح الأخرى؛ مهندس مرموق شديد الذكاء والأدب، وزوجته درية، مُذيعة أنيقة، شديدة الرقة والدماثة، وابنهما الصغير مُفرط الأدب.

غ

المجتمع الموازي يصور مدينة فاضلة ملونة، أشبه بعالم باربي الطفولي، هاديء خالي من العنف والسوقية؛ مُحاط بأجهزة استشعار للانفعال، وفرق تدخل سريع لصعق كل من يتخطى انفعاله الحد المسموح، وهو حل عنيف يُناقض ثقافة المكان المُسالم، ولكن هكذا أرادت كوميديا الفيلم؛ أن تصعق الشخص المُنفعل، المُزعج، وأن تصعق الجَمهور بافيهات صاخبة ومُزعجة؛ بحجة أن هذا الجَمهور يُحب هذا النوع من الإزعاج.

الفيلم يبني صراعًا بين عائلة طفيلية، بذيئة، تتشاجر طوال الوقت، ونُسخة موازية، مهذبة، من نفس العائلة، والسيناريو يصل إلى الحد الأقصى في رسم تدني الأولى، ورُقي الثانية، ولكنه يتحيز إلى العائلة الشعبية بصورة واضحة؛ فمنها تبدأ الحكاية، وتصب كل المُقارنات في صالحها، ورغم كل المظاهر السوقية للعائلة الأولى، لكنها تظهر أكثر أصالة وإخلاصًا وحياة من العائلة الأخرى، وجزء من الكوميديا في الفيلم قائم على السخرية من العالم الموازي المثالي، الذي انتقلت إليه شخصيات الفيلم؛ للاستمتاع بمظاهر البذخ والرفاهية، وأصبح عليهم التكيف مع الدماثة المُفرطة للمجتمع، وتذوق الأطعمة النباتية، والالتزام بالعلاقات الأفلاطونية بين الأزواج، وكثير من الأمور التي بدت سخيفة في عيون شخصيات شعبية حتى النُخاع.

غ

يوتوبيا أم ديستوبيا!

لا يسعى السيناريو الضعيف إلى تجويد الفكرة البراقة للفيلم، ويغرق في تفاصيل كوميدية، أغلبها مُبتذل، مع إضافة بُعد البوابة الزمنية، وهو اقتباس مُعاصر، أُستخدم في العديد من الأفلام المُعاصرة، أبرزها سلسلة مارفل "Doctor Strange" (د.سترينج)، وفي بداية الفيلم إشارة إلى الفيلم الكوري "Parasite" "طفيلي"، إذ قدم مشهد يشبه مشهد الحمام الغريب، الذي ظهر في منزل العائلة الكورية المُهمشة، التي تعيش حياة بائسة في بيت تحت مستوى الأرض، وتحاول لاحقًا الاستيلاء على حياة عائلة ثرية، يعمل لمصلحتها الأبُ سائقًا خاصًا.

استخدام الخيال العلمي في الفيلم سطحي وساذج، ولا يحمل أي عُمق ترتكز عليه القصة، وبدا أشبه بحبكة حلقة ركيكة من برنامَج تليفزيوني للأطفال، مُجرد صورة مُعاصرة لتيمة سبق تقديمها في العديد من الأفلام، ولكن الحبكة الرئيسة هي وضع شخص فقير وبسيط في أجواء أرستقراطية، لا تُناسبه؛ هي قريبة من الحبكة التي أحالت البائع البسيط سلامة "نجيب الريحاني" إلى أمير، في فيلم (سلامة في خير)، وعامل النظافة حسن "فريد شوقي"، إلى سلطان في فيلم (صاحب الجلالة)، والموظف المتواضع أيوب جاد الحق "فؤاد المهندس"، إلى طبو زاده الثري في مسرحية (أنا فين وانتي فين)، وكلها أعمال تستلهم بصورة ما رواية "مارك توين"؛ التي تعتمد على التناقض بين الأشخاص، والعوالم التي يعيشون فيها، والحماقات الناتجة عن مُحاولة البطل الفقير التظاهر بالثراء والأرستقراطية.

غ

افيهات الفقر الجميل!

الفيلم لا يلتفت إلى الخط الفاصل بين المدينة الفاضلة، والمدينة البائسة، التي تقبع تحت مظاهر المدينة الفاضلة، ولم يستغل السيناريو هذا لدحض مظاهر المدينة الفاضلة المزيفة؛ فالأبطال لا يكفون عن إلقاء الافيهات على طريقة العيش في مدينة براقة، جميلة الظاهر؛ تمنع الطعام الدسم، والعلاقات الحميمة، والشتائم، والانفعال، وكثير من مظاهر الحياة اليومية المألوفة في الواقع الحالي، وصور الفيلم المدينة بكل ما فيها بسخرية مُطلقة، دون صراع حقيقي مع منطق وثقافة مجتمع الكون الموازي.

يُعيد السيناريو - ربما دون قصد - نظرية الفقر الجميل، التي كرستها بعض الأعمال الدرامية الكلاسيكية، حيث يسخر الفيلم من الشخصيات الفقيرة البذيئة في البداية، ثم يربت ظهورهم في نهاية الفيلم، ويتملق إليهم بجمل حوارية تؤكد أنهم الأجمل والأفضل، وعالمهم الفقير أكثر أصالة وأقل جشعًا ونفاقًا، والحقيقة أن كلا العالمين سيء للغاية، والانتصار لواحد منهم مُجرد كسل في الكتابة والتفكير.

ه

أداء "هشام ماجد" و"هنا الزاهد" أكثر قبولًا في الكون الموازي، على عكس أدائهم المُبالغ فيه في تجسيد شخصيات الزوج الفاشل، والزوجة سليطة اللسان، أما "محمد ثروت" فقدم شخصية واحدة تقريبًا في العالمين، الفرق أن واحدة صوتها عالي والأخرى صوتها مُنخفض، وكان يُجاهد للحفاظ على ملامح شخصية الأكثر ذكاء وحزمًا في المدينة الفاضلة التي يُديرها.

من العناصر الجيدة في الفيلم تقنيات المؤثرات البصرية الجذابة، والأزياء، وحاول "أحمد الجندي" الحفاظ على إيقاع كوميدي سريع ولاذع، ولكن فقر السيناريو أفقر المشهد الكوميدي، ولجأ إلى الافيهات الصاخبة والمشاجرات والردح المُتبادل بين البطلين، وهى أشياء لا تُقدم عمل كوميدي أصيل، يتجاوز التسلية السطحية.
هالصور من حساب شركة السبكي على الفيسبوك وإعلان الفيلم