فريق فيلم متل قصص الحب

خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024-"متل قصص الحب".. هل تصنع العاطفة وحدها فيلمًا؟

أندرو محسن
22 فبراير 2024

واحد من الأفلام العربية القليلة المعروضة في مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته 74 هو "متل قصص الحب" (Diaries From Lebanon) للمخرجة ميريام الحاج، وذلك ضمن قسم البانوراما. هذا الفيلم الوثائقي كان قد حصل على الكثير من الدعم من الصناديق المختلفة في الدول العربية، وهو أمر ليس بغريب بالنظر إلى موضوعه المهم، إذ يتابع الفيلم السنوات الأخيرة في لبنان والتي شهدت الكثير من التطورات أو ربما الانهيارات بشكل أكبر مما يحتمله أبناء هذا البلد. تبدأ المخرجة رحلتها منذ عام 2018 عند اندلاع الثورة اللبنانية في الشوارع مرورًا بفترة جائحة الكورونا وتأثيرها على هذه الثورة وانتهاءً بعام 2021 بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، الحدث الذي ترك تأثيرًا ربما لا يقل عن الحرب الأهلية نفسها على لبنان.

غتختار المخرجة ثلاثة شخصيات منتقاة بعناية لتتابع من خلالهم ما حدث في لبنان المعاصر، الأول هو جورج، المجند السابق، والعجوز صاحب الساق الواحدة حاليًا، الذي شارك بدور كبير في الحرب الأهلية، الثانية من الجيل الأصغر قليلًا هي جمانة حداد، الصحفية والسياسية، التي شاركت في قبل الثورة في الانتخابات، ولها شعبية كبيرة بين الشباب، والأخيرة هي بيرلا جو معلولي، والتي تعرف نفسها داخل الفيلم كفنانة، وهي أيضًا ناشطة سياسية شاركت في المظاهرات التي كانت في لبنان في تلك الفترة.

كما نشاهد فالشخصيات الثلاثة تعبر عن مراحل عمرية ومختلفة وانتماءات سياسية متباينة، بين من شارك في الحرب ويعتبرها أيام مجده، ومن تحاول استخدام السياسة لإحداث التغيير، ومن تجد في الثورة وفي صوتها وقودًا للتغيير. إلى هنا يبدو كل شيء مرتبًا ويعد بنظرة عميقة على ما حدث في هذا البلد الصغير مؤخرًا، لكن الاختيار الجيد للشخصيات لا يعني بالضرورة صناعة فيلم جيد.

مشكلات الفيلم تبدأ مبكرًا جدًا، فكل شخصية من الثلاثة بدلًا من أن تحمل همًا حقيقيًا يمثل جيلًا أو توجهًا سياسيًا ما، تحولت إلى عبء ما على الفيلم. فجورج يذكر في البداية أنه يحمل الكثير من الأسرار التي سيكشفها في الوقت المناسب، لا يكشف لنا شيئًا في الحقيقة سوى مشاركته في الحرب، وإن افترضنا أن هذا الجانب الذي اختارت المخرجة التركيز عليه، أي أنه شخص يجعجع بلا طائل، فإن هذه الجعجعة ابتلعت جزءًا من مدة الفيلم لتصبح مشاهده مكررة تخلو من جديد.

ه

على الجانب الآخر كانت جمانة هي الشخصية الأكثر وعيًا بحضور الكاميرا، بشكل أضر بمصداقيتها أمامها. الوقوف أمام عدسات التصوير ليس جديدًا عليها، بل إن ميريام الحاج تستعين بمداخلة لجمانة في أحد البرامج أثناء الثورة في الفيلم. لكن اعتياد الأخيرة على الوقوف أمام الكاميرا أضر بمصداقيتها داخل الفيلم، إذ في كل مرة تظهر على الشاشة، تبدو وكأنها حضّرت ما ستقوله من قبل بشكل دقيق، وكأنها تلقي خطبة سياسية بغرض حصد الأصوات، وهكذا كانت مجرد كأنها سياسية تعد بوطنٍ أفضل، ولا نعلم كمشاهدين لماذا يجب أن نصدقها هي تحديدًا دونًا عن غيرها. يزداد وضوح مشكلة هذه الشخصية تحديدًا عندما نقارنها بالشخصيتين الأخريين، وخاصة بيرلا.

هذه الأخيرة كانت الأكثر انفعالًا أمام الكاميرا، وقد هي الشخصية التي نشاهد فيها نتائج كل ما حدث في لبنان الماضي، وإرهاصات أيضًا للبنان المستقبل. تصرخ في البداية بأنها لا تستطيع أن ترى مستقبلًا لها وأنها تحمل صدمات الجيل السابق الذي عانى من الحرب الأهلية، وتصرّح في النهاية بأنها تخشى أن تكون مثل السابقين، وتورث أبناءها مأساة جيلها، خاصة بعد الانفجار. ربما كانت نقطة الضعف الأكبر في هذه الشخصية هي حديثها عن الفن وفنها تحديدًا، دون أن ندرك حتى نهاية الفيلم ما هي طبيعة فنها، وهذه مشكلة أخرى ممتدة في الفيلم بشكل عام، وهي افتراض أن المشاهد يعرف وسيملأ الفراغات.

ه

ذكرنا أن الشخصيات الرئيسية ثلاثة، ولكن يمكن أن نضيف إليها شخصية رابعة وهي المخرجة نفسها ميريام الحاج، التي كانت تشارك بتعليق صوتي في بعض المشاهد، تعبر خلالها عن مشاعرها عما يمر به بلدها، أو أفكارها حيال كل فترة من الفترات التي يعرضها الفيلم. لم تضف هذه المشاهد الكثير للفيلم، بل ربما زادته تشتتًا، فمع التقسيم الواضح للشخصيات كما ذكرنا، سنشعر أن المخرجة تؤكد على ما قالته بالفعل من خلال الشخصيات الأخرى، وربما لو كانت قد ظهرت محل إحدى الشخصيات لأصبحت النتيجة النهائية مختلفة، ولكان الفيلم ذهب في اتجاه آخر.

عنوان الفيلم "متل قصص الحب" يأتي شرحه على لسان إحدى الشخصيات، عندما تذكر أن المحاولات المتكررة لإصلاح الوطن هي مثل قصص الحب التي ينفصل فيها الطرفين ثم يعودا إلى بعضهما عدة مرات، وفي كل مرة يشعرون أن القصة ستنجح هذه المرة. ومثل قصص الحب أيضًا يضم الفيلم الكثير من العواطف الواضحة تجاه لبنان، رغم اختلاف وجهات النظر، ولكن هذه العواطف لم تكفِ لجعل الفيلم متماسكًا، إذ كان يحتاج إلى المزيد من القسوة في المونتاج.

غ