اليسا

موجة أفلام عن قصص حياة المشاهير.. متى يكون النجم جديرا بتوثيق رحلته؟

هالة أبو شامة
21 فبراير 2024

أقبل عدد كبير من مشاهير العالم والشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، على صناعة وثائقيات سرد البعض من خلالها رحلة صعوده الفنية، فيما تطرق البعض الآخر للتحدث عن المعاناة التي عاشها في حياته سواء كانت بسبب الحالة الاجتماعية أو المرض وغيرها.

نجوم يستعدون لتوثيق قصصهم

لم يتحول الأمر إلى هوس بعد، إلا أنه أصبح مألوفا، ففي الأشهر الماضية تناولت المواقع الإخبارية العديد من الأنباء التي أعلنت بالفعل عن تحضير بعض النجوم لوثائقيات جديدة سيتم طرحها في المستقبل القريب، بينها فيلم بعنوان "أنا سيلين ديون" للمخرجة إيرين تايلور، من المنتظر أن يعرض عبر منصة برايم فيديو؛ وبحسب مجلة "فرايتي" فإن الفيلم يمتد لمدة عام ويؤرخ للمعركة التي خاضتها مغنية البوب الشهيرة مع متلازمة الشخص المتصلب، والذي أثر على قدرتها في الحركة والغناء.

شيرين عبد الوهاب .. إنستجرام
شيرين عبد الوهاب .. صورة من حسابها على إنستجرام

أما على مستوى الشرق الأوسط، فإن الفنانة شيرين عبد الوهاب، كانت قد صرحت في وسائل إعلامية عن تحضيرها لوثائقي عن حياتها سيتم طرحه عبر منصة "نتفليكس"، مشيرة إلى أنه سيتناول قصتها من مرحلة الطفولة وحتى نجوميتها، لذا ستستعين بطفلة لتجسد شخصيتها في صغرها.

شيرين عبد الوهاب .. إنستجرام
شيرين عبد الوهاب .. صورة من حسابها على إنستجرام

فيما كشفت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد، عن اعتزامها تقديم وثائقي يتناول سيرتها الفنية، حيث قالت خلال اللقاء الذي أجرته مع الإعلامية بوسي شلبي، من خلال برنامج "ليالي TeN" أواخر عام 2023، إنها تريد أن تروي قصة حياتها بنفسها لتوضح حجم المجهود الذي بذلته في مشوارها والصعوبات التي تكبدتها خلال رحلة نجوميتها.

رحلة معاناة وتعافي تُحدث ضجة

ويعد "It's OK" الذي طرحته منصة نتفليكيس موخرا، والذي يتناول العديد من الأحداث المؤثرة في حياة الفنانة اللبنانية إليسا، واحدا من أنجح الوثائقيات التي تم إنتاجها، فعقب طرحه سرعان ما اكتظت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالإشادات الواسعة وكلمات المدح.

الفنانة اللبنانية إليسا
الفنانة اللبنانية إليسا

الضجة الإعلامية التي نتجت عن العمل، الذي عرض على مدار 3 حلقات كل حلقة مدتها 40 دقيقة، لم يكن بفضل شعبية إليسا فقط وحب الجمهور لها، وإنما لتركيزه على خبايا كثيرة في حياة الفنانة منذ أن كانت صغيرة مرورا بمسيرتها الفنية وحتى أزمة مرضها وخلافها مع "روتانا".

الوثائقي الذي تم إنتاجه من قِبل شركة Different Productions، كان في حقيقة الأمر رسالة إيجابية مليئة بالتفاؤل والأمل حذرت إليسا فيها محبيها من اليأس، فرغم إصابتها بالسرطان بسبب قصة حب استنزفت مشاعرها، إلا أنها أعلنت وقوعها حاليا في غرام الشخص الصحيح، ورغم معاناتها في رحلة مرضها، إلا أنها ظلت صامدة حتى التعافي.

مراحل صعود وهبوط هي سر النجاح

نجاح فيلم "إليسا"، ربما كان ورائه دراسة متقنة ورؤية ثاقبة لمنتجيه، ففي تصريح خاص لـ "هي" قال أحمد عبده، مخرج أفلام وثائقية في قناة mbc مصر، إن صناعة الوثائقيات يجب أن تتم وفقا لمدى أهميتها لدى الجمهور ولقيمة الرسالة المراد إيصالها لهم، لافتا إلى أن اختيار نجم بعينه لتكون سيرته محور عمل ما يجب أن يسبقه بحث مكثف يترتب عليه رؤية لزاوية توجه رسالة أو تكشف الستار عن جانبا خفيا، مؤكدا أن أي إنسان يمكن أن يتم تحويل حياته لفيلم وثائقي، لأن كل شخص هو عبارة عن قصص ومراحل صعود وهبوط يمكن توثيقها، إلا أن المعيار الأساسي في النهاية هو الجمهور الذي سيقيم عملك إذا كان يستحق الإشادة أم لا.

اليسا
اليسا

أيد الناقد الفني أندرو محسن، في تصريحاته لـ "هي" الرأي السابق، حيث قال إن الفيلم الوثائقي يجب أن يتضمن العديد من عناصر الجذب، فمثلا إذا ركز على حياة فنان فيجب أن يكون هناك قصة أو معلومة تصلح للسرد، مستشهدا بتصريح للمخرج الصربي العالمي إمير كوستوريتسا، في حوار له بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حينما سأله أحد الحضور عما إذا كان من الممكن أن يصنع فيلما عن حياة اللاعب محمد صلاح، مثلما فعل مع اللاعب الأرجنتيني دييجو مارادونا، ليجيب قائلا: "لنرى ماذا سيحدث في حياته وبناء على ذلك نقرر بعدها".

أوضح "محسن" أن الفكرة كلها تدور حول مدى التحولات سواء الداخلية أم الخارجية الموجودة في الشخصية، لافتا إلى أنه بخلاف فيلم "كوستوريتسا" عن مارادونا فإنه تم عمل فيلم آخر من قِبل عاصف كباديا، وذلك لأنه كان لاعبا مثيرا للجدل داخل الملعب وخارجه، وحينما اعتزل كان هناك تغيرات عديدة في حياته، جعلت من سيرته مادة خصبة للتوثيق.

بخلاف "مارادونا"، فإن عاصف كباديا، اعتاد أن يستعين في أفلامه بأبطال مثيرين للجدل، لذا فإنه صنع فيلما آخر عن المغنية إيمي واينهاوس، التي توفيت عن عمر ناهز الـ 27 عاما إثر تسمم ناجم عن الكحوليات في يوليو 2011، وفاز الفيلم بجائزة الأوسكار عام 2015، وعلق أندرو محسن، عن ذلك العمل قائلا إن "واينهاوس" كانت واحدة من النجمات المحبوبات وكان من اللافت صعودها السريع إلا أنها انتحرت في سن صغير، لذا فإن حياتها كانت محل تساؤل مُغري لصناع الأفلام.

وثائقيات هدفها كشف الحقيقة

من ناحية أخرى، حدد الدكتور محمد محمود، مدير البرامج الوثائقية بصوت العرب وأستاذ الإعلام في جامعة المعقل بالعراق، خلال تصريحات لـ "هي"، أن أصعب أنواع الوثائقيات أو التي تحتاج إلى مجهود كبير هي الاستقصائية، التي تتطلب أعوام عديدة للبحث عن أشياء ربما تكون حقيقة غامضة أو لها علاقة بالفساد، مؤكدا على أن الحقائق هي الهدف الأساسي والرئيسي من صناعة أي وثائقي سواء كان عن شخصية أو قضية نريد أن نكشف بعض أوجهها، لافتا إلى أنه من أبرز العراقيل التي يمكن أن تواجه صناع هذه النوعية بالتحديد هو أن الأمر يمكن أن يكون ضاربا في التاريخ أو لأنه على صلة ببعض المشاكل أو الأنظمة التي يصعب التعامل معها في الواقع، واصفا عملية صناعة الوثائقي الاستقصائي بأنه رحلة لاكتشاف التاريخ قد تسفر عن ظهور شواهد جديدة.

مارلين مونرو
مارلين مونرو

أبرز مثال على الوثائقيات الاستقصائية الخاصة بمشاهير الفن، ذلك الذي أنتجة منصة نتفليكس عام 2022، بعنوان "لغز مارلين مونرو: التسجيلات المجهولة"، والذي أخرجته إيما كوبر، وتعاونت فيه مع الصحفي أنتوني سامرز، الذي يعد كتابه الصادر عام 1985 بعنوان " Goddess, the Secret Lives of Marilyn Monroe" هو نواة الفيلم، إذ تم تأليفه بناء على 650 لقاءًا تم تسجيلهم في ثمانينيات القرن الماضي بعد 20 عاما من وفاتها، مع أشخاص كانوا مقربين منها أو تربطهم علاقة بها، في محاولة منه للتحري حول ما إذا كان موتها انتحارا أم قتلا متعمدا.

سيلين ديون .. صورة من حسابها على إنستجرام
سيلين ديون .. صورة من حسابها على إنستجرام

ووفقا لـ اللقاء الصحفي الذي أجراه "سامرز" مع موقع " tudum" التابع لنتفليكس، فقد لخص مجهوده الاستقصائي حول قضية "مونرو" قائلا: "أحب أن أعتقد بأنني ربما أعطيت القراء الصورة الأكثر دقة لمارلين كامرأة.. وللألغاز التي أحاطت بنهايتها قدر الإمكان".

مارلين مونرو
مارلين مونرو

عن ذلك علق الدكتور محمد محمود، قائلا إن الجمهور يريد دائما الحقيقة في ثوب شائق وجذاب، مضيفا: "الجمهور يبحث عن الموضوع وأنت تبحث عن الجمهور المستهدف، وكلاهما يساعد في تحديد الوسيلة الإعلامية وأين سيتم بث هذه القصة".

في نفس السياق، رأي مخرج الوثائقيات أحمد عبده، أنه لا يمكن تقييم أي وثائقي على أنه أصعب أو أسهل في المطلق، لأن كل عمل له الظروف الخاصة به، موضحا أنه من الممكن أن يكون المطلوب هو عمل وثائقي عن فنان ما، إلا أن المعلومات المتاحة عنه شحيحة، وبالتالي فإن العمل يعد صعبا، مشيرا إلى أن صناع الفيلم يخططون في البداية لكيفية إنجاز العمل، ويحددون أبرز الصعوبات التي يمكن أن تواجههم لإيجاد الحلول المناسبة، معلقا أنه من الممكن ألا يكون هناك أرشيف، لذا يتم في هذه الحالة الاستعانة باللقطات الدرامية، إذ أن بعض المواقف تحتاج إلى معالجة لتظهر أمام الكاميرا، لأن كل عمل يخضع لاسكربت يرصد نقاط محددة في حياة الشخص المنشود، مؤكدا أن الوثائقي له تخطيط لا يقل أهمية عن أي عمل سينمائي أو درامي يستغرق فترة لإنجازه.

مارلين مونرو
مارلين مونرو

قصص تجذب منصات البث

وبالعودة لفكرة اختيار الوسيلة المناسبة لبث القصة -التي تمت الإشارة إليها في السطور السابقة- فقد لوحظ في السنوات الماضية تركيز منصات البث الإلكتروني على استعراض قصص المشاهير والنجوم، والسبب في ذلك حسب تفسير الدكتور محمد محمود، يرجع إلى أن أغلبها يجذب الجمهور بأكثر القصص المشوقة والتي تميل أغلبها إلى "نميمة الحقائق"، معلقا: "عادة ما يُظهر النجوم الوجه الأمثل والأفضل لهم، لكن المحقق عليه أن يصل لحقائق أخرى غابت عن الجمهور"، لافتا إلى أنه كلما كان النجم محبوبا أو مشهورا كلما كان الأمر مفيدا للمنصة من الناحية الربحية، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يكون الغرض من إنتاح فيلم عن شخصية ما هو تبيض وتحسين صورتها التاريخية.

ففي عام 2023، ضربت نتفليكس مثالا حيا على ذلك، من خلال قضية جوني ديب وإيمبر هيرد، فالجدل حول المحاكمة لم يشعل هوليوود فحسب وإنما العالم كله، لذا طرحت المنصة وثائقي مكون من ثلاث حلقات، للمخرجة إيما كوبر، استعرضت من خلاله جانبا من المحاكمات والتداعيات التي هزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وحسبما ذكر موقع " tudum" فإن المسلسل استند إلى 200 ساعة من تغطية المحاكمة، وللعديد من فيديوهات المعلقين على القضية، وقد صرحت المخرجة عبر نفس الموقع عن هدفها من صناعة الوثائقي قائلة: "أردت ببساطة أن أوضح أن هذين الشخصين يؤمنان بشدة بالحقائق الخاصة بهما، لكن تلك الحقائق لم تكن متشابكة.. لم يكونوا متماثلين".

نانسي عجرم -صورة من حسابها على انستغرام
نانسي عجرم -صورة من حسابها على انستغرام

ومن قبل ذلك خلال عام 2020، تصدر عناوين الأخبار في العالم العربي وثائقي "الرواية الكاملة" الذي عُرض عبر منصة "شاهد"، والذي تناول تفاصيل ما حدث ليلة اقتحام فيلا الفنانة اللبنانية نانسي عجرم، والتي قُتل فيها المُقتحم على يد زوجها الدكتور فادي الهاشم.

هدف الفيلم كان تحسين صورة الدكتور فادي الهاشم، والتأكيد على أن قتله للمقتحم كان للدفاع عن النفس وعن أسرته، حيث استعرض صُناع العمل ما رصدته كاميرات المراقبة لحظة تسلل القتيل وتهديده لزوج نانسي عجرم، قبل أن يحدث بينهما تبادل إطلاق النار، هذا بجانب عرض عدة شهادات عن الواقعة من قِبل طرفي النزاع.

الشعبية وحدها لا تكفي!.. معيار اختيار بطل الفيلم

وبخلاف معاناة المرض والقضايا المثيرة للجدل والحقائق الشائكة، فبعض النجوم يعتقدون أن حياتهم جديرة بالتوثيق بغض النظر عما إذا كانت مشوقة بالنسبة للجمهور أم لا، من بين هذه الأعمال فيلم "غدارة يا دنيا" الذي أنتجته الفنانة اللبنانية ميريام فارس، لنفسها وسردت من خلاله تفاصيل الأحداث التي عاشتها بالمنزل خلال فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا والذي تزامن مع حملها الثالث، حيث أثار العمل جدلا كبيرا كونه الوثائقي الأول على منصة عالمية "نتفليكس" الذي يتناول سيرة مطربة عربية معاصرة، وهناك من انتقده بسبب محتواه أيضا.

الفنانة اللبنانية ميريام فارس
الفنانة اللبنانية ميريام فارس

الانتقادات التي وجهت للعمل كان سببها الرئيسي هو أن المعاناة التي استعرضها "فارس" كان في حقيقة الأمر رفاهية للكثيرين ممن شاهدوا الفيلم، أبرزها على سبيل المثال وقوفها في غرفة مليئة بالأحذية والملابس وتحدثها بنبرة حزينة لعدم وجود ملابس تناسب قياسها نتيجة زيادة وزنها بسبب الحمل وهو ما اضطرها لتفصيل أزياء أخرى تناسبها.

وقد وصف الناقد الفني أندرو محسن، ذلك العمل بأنه لم يتضمن على أي تفاصيل لافتة، نظرا لخلوه من أي تحولات أو مواقف مثيرة عن الشخصية، لافتا إلى أن لها نجاحات وجمهور لكنها ليست بالاسم الاستثنائي في صناعة الأغاني لتكون حياتها محور الحديث في فيلم.

وأكد "محسن" على أن الشعبية وحدها لا تكفي لصناعة وثائقي، وإنما يجب أن يكون هناك شيء مثير في الشخصية ذاتها، أو أن هناك تطورات غير معروفة بالقدر الكافي.