اسعد قلادة

أسعد قلادة.. صانع البهجة المصري الذي ساهم في رسم ملامح السيت كوم في هوليوود!

إيهاب التركي
17 يناير 2024

يُعده الجَمهور الأمريكي من أبرز مُخرجي المسلسلات الكوميدية في هوليوود؛ فقد ساهم في رسم ملامح السيت كوم الأمريكي، منذ حِقْبَة السبعينيات حتى الآن، وأثر في وجدان جَمهور المسلسلات الكوميدية، وأصبح واحد من أبرز صُناع البهجة التليفزيونية في هوليوود.

قبل الوقوف على عتبات الدراما الأمريكية، بدأ رحلته الفنية على أبواب محطة مصر في القاهرة. هو واحد من الوجوه الجديدة التي تظهر في أفلام المخرج "يُوسُف شاهين"، ثم تختفي فجأة، يمكن للمُتفرج تمييز ملامحه في فيلم (باب الحديد) 1958؛ فقد حظي بعدد من اللقطات المقربة لوجهه؛ حيث عبر بعُيون مُراهق حزين عن مشاعر الفُراق؛ نراه في المشهد يبحث بلهفة عن حبيبته في مدخل محطة القطار المُزدحم؛ لتوديعها قبل سفره، ملامح وجهه تظهر أرستقراطية تُغلفها براءة المراهقة.

ف

غراميات شاب أرستقراطي!

وقف الممثل الشاب الذي يبلغ عمره حوالي 17 عامًا أمام كاميرا "يُوسُف شاهين" في فيلم (باب الحديد)، بدا مُرتبكًا وهو يؤدي دوره، تقترب من وجهه كاميرا السينما وعلى يمينه يُحدق به أُستاذه "يُوسُف شاهين"، مُخرجًا ومُؤديا شخصية قناوي، بائع الجرائد الأعرج. قصة الحب الهامشية كشفت ملامح رومانسية شخصية قناوي، وتأثره بمأساة عَلاقة حب بريئة غير مُكتملة بين شخصين لا يعرفهما.

ع

بعد عامين وقف نفس الشاب أمام الكاميرا مع نفس المُخرج، وقدم دور رومانسي قصير آخر في فيلم بعنوان "نداء العُشاق"، جسد فيه شخصية الطبال القروي أبو دراع، الذي يكتم داخله تعلقه بحب الراقصة ورد "برلنتي عبد الحميد"، بدا الشاب صاحب الملامح الأرستقراطية غريبًا في الجلباب القروي والأداء الميلودرامي، وبعيدًا عن طبيعته المُحبة للكوميديا والمرح.

ه

هذا الشاب اسمه "أسعد قلادة"، من مواليد القاهرة عام 1940، بدأ حياته وعمره 12 عامًا مؤدي وعازف للأغاني الغربية الشهيرة في فِرْقَة اسمها "مايك وسكاى روكيت"، حظيت فرقته بشهرة خاصة، خلال سنوات الخمسينيات، وحضر "يُوسُف شاهين" بالصدفة إحدى حفلات الفريق الغنائية، وتقدم إلى "أسعد قلادة" بعد الحفل، وعرض عليه التمثيل، عُمر "أسعد" وقتها يُقرب من 15 عامًا، وقف قبالة الكاميرا بعد هذا اللقاء بعامين، وبدأ دراسة الأدب الانجليزي في الجامعة الأمريكية، وبعد دورين صغيرين تحت إدارة "يُوسُف شاهين" توقفت مسيرته القصيرة في السينما المصرية، وتقريبًا لا يذكره الجُمهور المصري والعربي.

ه

صانع البهجة التليفزيونية!

ترك الغناء والتمثيل خلفه، وسافر إلى الولايات المُتحدة في بداية الستينيات؛ لدراسة الإخراج في جامعة "ييل"، عملًا بنصيحة "يُوسُف شاهين"، ويبدو أن غَوَاية الوقوف خلف الكاميرا غلبت فكرة التمثيل أمامها، وبعد تخرجه عام 1964 عمل مُدرسًا للإخراج، ومُخرجًا لبعض المسرحيات، ثم لاحقًا جذبه عالم السيت الكوم، وأخرج مئات من حَلْقات الكوميدية.

ف

أدار خلال مسيرته الطويلة العديد من النجوم؛ منهم "فرانك سيناترا"، "مايكل جيه فوكس"، "براين كرانستون"، "كورتني كوكس"، "هيلين هانت"، خلال حِقْبَي السبعينيات والثمانينيات، وغيرهم في حقبة التسعينيات والألفية، مثل "راي رومانو" في سيت كوم "الكل يحب ريموند" ""Everybody Loves Raymond، و"جينا الفمان" و"توماس جيبسون" في مسلسل "دارما وجريج" Dharma & Greg، و"ميليسا جوان هارت" في "سابرينا الساحرة المراهقة" "Sabrina the Teenage Witch"، و"ستيف كاريل" في "المكتب" "The Office".

ف

في عام 1976 أخرج حلقتين من المسلسل الكوميدي "فيليس" "Phyllis"، وتوالت الحَلْقات التي أخرجها في حِقْبَة السبعينيات؛ ومنها سبع حَلْقات من مسلسل "رودا" "Rhoda"، وحوالي 15 حَلْقة من مسلسل "الملاذ الأخير" "The Last Resort"، وست حَلْقات من "توني راندال شو".

عام 1978 شارك في إخراج مسلسل "راديو (دبليو كي آر بي) في سينسيناتي" ""WKRP in Cincinnati، وكانت فرصة مُثيرة ليعود إلى أجواء موسيقى الروك أند رول التي مارسها في بداياته مرة أخرى، والمسلسل عن محطة راديو مُتعثرة يُحاول مُديرها الجديد إعادة صياغة نوعية الموسيقي الكلاسيكية التي تُقدمها بنوعية أكثر عصرية وهي موسيقي الروك.

غ

القاهرة والعسل الأسود!

لفت "أسعد" نظر مُديري استوديوهات الأعمال الكوميدية التليفزيونية بحسه الكوميدي في الإخراج، وقدرته على دمج الكوميديا والرومانسية والأجواء العائلية، بالإضافة إلى إمكاناته الفنية والتقنية؛ وكلفته قناة NBC بإخراج حوالي 77 حَلْقة من مسلسل "حقائق الحياة" "The Facts of Life"، وشهد هذا المسلسل بدايات الممثل "جورج كلوني"، وفي منتصف الثمانينيات شارك "أسعد قلادة" في إخراح أغلب حَلْقات مسلسل كوميدي رومانسي بعنوان "Who's the Boss?"، بطولة "توني دانزا" و"جوديث لي" و"آليسا ميلانو".

مع بداية عقد التسعينيات أصبح "أسعد قلادة" أحد أهم المخرجين في مجال الأعمال الكوميدية التليفزيونية، وبلغ رصيده الفني مئات الحَلْقات كمخرج، وشارك في إنتاج حوالي 51 حَلْقة.

عاد "قلادة" عام 2010 إلى القاهرة؛ لحضور وقائع مهرجان القاهرة السينمائي، وصحب معه مشروع فيلم سينمائي بعنوان "مُغازلة ليلى"، وهو عن شاب عاش معظم حياته في أمريكا، ويعود إلى مصر لحضور مُناسبة عائلية، وتصدمه الحياة المصرية الصاخبة، ويبدو مُتبرمًا بعشوائية الحياة اليومية في القاهرة، وشيئًا فشيئًا يبدأ في الوقوع في غرام المدينة، ويجد في شوارعها وشخصياتها جذوره الأصيلة ذات الُعمق والسحر الذي لم يره في بداية زيارته، رُشح لبطولة الفيلم الممثل المصري الأمريكي "راني خليل" و"يسرا" في دور أم الشاب، والمنتج وكاتب السيناريو "محمد حفظي". تحدث "قلادة" بحماس عن الفيلم في لقاء مع التليفزيون المصري في أثناء إقامته في القاهرة؛ وكان شغوفًا بالفكرة التي تمس جوانب من حياته الشخصية.

ه

موضوع السيناريو يشبه للغاية سيناريو فيلم "عسل أسود" الذي عُرض في شهر مايو عام 2010، وقد رُشح لجائزة الملتقي لأفضل سيناريو ضمن وقائع مهرجان القاهرة، ولم يفز بها ولم ير النور، ولا توجد معلومات عن حالة توارد الخواطر الغريبة بين الفكرتين.

بلغ عمر "أسعد قلادة" 84 عامًا ويُمارس مهنته الأحب إلى قلبه حتى الآن وهي الإخراج، ومع بدايات الإغلاق والتباعد الإجتماعي شارك في إخراج بعض الأعمال، منها ثلاث حلقات في مسلسل الكوميديا "مسرح الهاتف الذكي" "Smartphone Theatre"، وكانت تُصور من خلال كاميرات الهواتف الذكية.

الصور من لقطات من أفلام وحلقات وصفحة كاثي قلادة على انستجرام