فيلم  "Elena Knows"

فيلم "Elena Knows".. ميلودراما أرجنتينية مُتواضعة مُقتبسة عن رواية رائعة!

إيهاب التركي
23 ديسمبر 2023

في رواية "الستارة" للكاتبة "أجاثا كريستي" مَرِض المُحقق الشهير "هِركيول بُوارو" مرضًا شديدًا؛ بسبب سُم دُس له. كان يُعاني آلامًا مُبرحة، وعاجز عن الحركة، ويقترب من الموت، ولم يتوقف عقله عن مُحاولة حل لغز قضيته الأخيرة، والبحث عن قاتِله؛ أرادت "أجاثا" أن تُنهي حياة مُحققها الفريد من نوعه بصورة ميلودرامية مؤثرة؛ فهو واهن الجسد، ورغم ذلك عقله يعمل ببراعة وذكاء.

بطلة الفيلم الأرجنتيني "إلينا تعرف" "Elena Knows" أم مُسنة مريضة بالشلل الرعاش (الباركنسون)، وهي في موقف مُشابه لموقف "بُوارو"، لكنها ليست مُحققة بوليسية بارعة مثله؛ لديها فقط يقين أن ابنتها المِثالية ماتت مقتولة، وواجبها حل لُغز موتها.

من قتل ريتا؟

إلينا تعرف أن ريتا لم تنتحر، كما ادعت الشرطة؛ لم يحدث تشريح للجثة، وتم إغلاق مِلَفّ القضية سريعًا؛ فجهات التحقيق تعرف من الملابسات أن الابنة انتحرت، ولكن إلينا تعلم أنهم كسالى ولا تهمهم الحقيقة؛ ولذا عليها أن تكشف سر ما حدث بنفسها؛ فلا أحد يهمه ابنتها المُخلصة الطيبة سواها. إلينا تعلم من هي ابنتها، وعليها تأكيد حقيقتها للجميع، والكشف عن القاتل بنفسها، حتى لو كان هذا أخر ما تفعله في حياتها.

فيلم "إلينا تعرف"
فيلم "إلينا تعرف"

فيلم "إلينا تعرف" إنتاج أرجنتيني مُشترك مع منصة نتفليكس، وهو مأخوذ عن رواية للكاتبة الأرجنتينية "كلاوديا بينيرو"، وصدرت لها ترجَمة باللغة العربية عن دار العربي للنشر، نقلتها إلى العربية المُترجمة "نهى مُصطفى". مثل كثير من أعمال "بينيرو" تحمل حبكات حكاياتها الاجتماعية ملامح رواية الجريمة، لكنها إطار للحكاية، ولا تُركز على تقنيات البحث الجنائي والإجراءات الشرطية مثل الروايات البوليسية التقليدية، وقد تخفف الفيلم من هذا الإطار وجعله هامشيًا، ونزع كثير من الملامح والتفاصيل العاطفية التي ميزت الرواية، وصور بفتور وبرود حالة البطلة المريضة.

هذا المرض حول الأم الصارمة ذات الشخصية القوية إلى طفلة تحتاج رعاية دائمة، وقامت الابنة بواجبها بإخلاص. ريتا وجدت الحب مع زميلها في المدرسة، وتتهيأ للزواج، وأقنعت الأم المُكتئبة أن قص شعرها في محل للعناية بالشعر والمانيكير، وتركتها وذهبت لأمر عاجل، على أن تعود إليها بعد انتهاء قص شعرها، ولكنها لم تعد أبدًا، وقالت الشرطة أنها شنقت نفسها في برج الكنيسة.

تفاصيل فيلم "إلينا تعرف"
تفاصيل فيلم "إلينا تعرف"

إيقاع بطىء!

الأم مُصابة بحالة مرضية مُعقدة ومُتقدمة؛ تجلس في مكانها في حالة شلل، ورأسها تتدلى، ترى أقدام المارة وأحذيتهم أكثر من وجوههم. لا تستطع التحرك إلا بعد تناول حبة دواء تُساعدها على الحركة عدد محدود من الساعات.

تفاصيل الشخصية الرئيسة جسدتها المُمثلة "مرسيدس موران" ببراعة، ولكن السيناريو نزل عن كثير من التفاصيل الجوهرية عن شخصية "إلينا"، وقدم شخصية الابنة "ريتا" ببعض الاستخفاف، ولم يرسم علاقتها بصديقتها إيزابيل بشكل واضح، والأهم أن حبكة الفيلم لم تكن جذابة كما في الرواية؛ فلا يوجد في الفيلم عناصر جذب كافية للتعاطف مع الأم أو الابنة، الحكاية شديدة الإنسانية ومؤثرة للغاية، ولكنها على الشاشة بلا عُمق وتفتقد الحرارة وشديدة البطيء.

 المُمثلة مرسيدس موران
 المُمثلة مرسيدس موران

الإيقاع البطيء قد يلائم تصوير حركة إلينا الجسدية كمريضة، لكنه أفقد الشخصية حالة الشراسة التي تمتعت بها بطلة الرواية؛ فإلينا في الفيلم تبدو عجوز وحيدة في حالة إنكار وخلل نفسي، وهذا عدم توفيق في نقل مضمون شخصية بطلة الرواية، وخفف من صورة أم تُقاتل الجميع من أجل حق ابنتها الراحلة.

هناك لحظات ذروة في الفيلم أفسدتها الحالة البطيئة؛ هناك أيضًا لحظات مواجهة رفعت وتيرة الدراما؛ مثل مواجهات إلينا مع رجل الشرطة، وزميلات إلينا وتلميذاتها، حتى مشهد النهاية المحور، وكل هذه اللحظات الحاسمة الساخنة سكب عليها السيناريو ماء بارد؛ فبدت مشاهد فاترة وعاجزة عن تحريك إيقاع الفيلم المُتمسك بالبطيء بلا مبرر.

فيلم "Elena Knows"
فيلم "Elena Knows"

حقائق النفس البشرية!

تتصرف إلينا مثل مُحقق الشرطة، تذهب إلى المدرسة التي عملت بها ابنتها، والأماكن التي ارتادتها، وتحوم حول صديقاتها وتلميذاتها والقس في الكنيسة، تسأل الجميع وتُزعجهم؛ حتى تصل إلى الحقيقة، ولكنها تفعل كل ذلك بعدم اكتراث وبلاهة.

التقط الفيلم الشخصية الرئيسة من الرواية وركز على حالتها، واستغل براعة الممثلة "مرسيدس موران" في تجسيد شخصية "إلينا" الخارجية، ولكنه افتقد القدرة على تصوير أعماق "إلينا"؛ فهي شخصية عنيدة وقوية هزم المرض جسدها، لكنه لم يهزم روحها.

فيلم "Elena Knows"
فيلم "Elena Knows"

من اللمحات القليلة الجيدة سينمائيًا في الفيلم الصورة، وربط الأجواء الغائمة والممطرة بحالة إلينا بعد فقدان الشخص الوحيد الذي اهتم بها، وأيضًا استخدام نقلات المونتاج والمزج بين لقطات الفلاش باك والحاضر؛ فإلينا لا تتحر الأدلة والوقائع في الماضي فقط؛ بل تذهب إلى ذكرياتها لعلها تجد أدلة تساعدها في مهمتها.

لم يقدم سيناريو "جابرييلا لارالد" واخراج "أناهي بيرنيري" اقتباسًا سينمائيًا يليق بجماليات حبكة "كلاوديا دينيرو"، وأخفق في التقاط التفاصيل الإنسانية أو الاجتماعية لعلاقة أم وابنة حادة المِزَاج، ولم يرسم تفاصيل كافية لصراع الواجب والرغبات الشخصية داخل الابنة، ولم يلمس تعقيدات الشخصيات حتى الحبكات المُلتوية قدمها في النهاية بفتور وخمول.

الصور من تريلر الفيلم.