أفلام عالمية دعمت القضية الفلسطينية

فيلم "Hanna K." أشهرها.. أعمال سينمائية عالمية دعمت القضية الفلسطينية وتعرضت للتهميش وضعف الدعاية

إيهاب التركي
31 أكتوبر 2023

في سبتمبر عام 1983 عُرض فيلم "هانا ك." "Hanna K." أول مرة ضمن برنامج عروض مهرجان فينيسيا السينمائي، والفيلم بطولة الممثلة الأمريكية "جيل كلايبورج" والفلسطيني "محمد بكري"، وأخرجه اليوناني المُقيم في فرنسا "كوستا جافراس". عرض الفيلم رؤية جريئة وإنسانية عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولفتت القصة وجرأة الطرح نظر جُمهور المهرجان وصُناع السينما، وقبل عام من "هانا ك." حصل فيلم "مفقود" "Missing" على سعفة كان الذهبية، وحصل مُخرجه "كوستا جافراس" على أوسكار السيناريو المُقتبس عن نص أدبي، ورُشح لأوسكار أفضل فيلم، وأفضل مُمثل (جاك ليمون)، وأفضل مُمثلة (سيسي سباسيك)، الفيلم تناول حكاية جريئة عن رحلة بحث أبُ أمريكي عن ابنه الصحفي المفقود في شيلي، ويُدين الفيلم تورط الولايات المُتحدة في دعم الانقلاب العسكري في شيلي في مُنتصف السبعينيات القرن الماضي.

هوليوود ضد هانا!

تحمست شركة "يونيفرسال" لفيلم "هانا ك." الذي جاء بعد عام واحد من عرض "مفقود"، وبدأت توزيعه في بعض دور السينما الأمريكية، وتعرض الفيلم لحملة هجوم حادة من شخصيات ومؤسسات مؤيدة للجانب الاسرائيلي؛ فقد قدم طرحًا مُختلفًا عن السائد لأصول القضية الفلسطينية، وبدا أن هوليوود التي رحبت بنقد مخرج غير أمريكي لسياسات إدارة الرئيس "نيكسون" الخارجية السرية لن تتحمل ضغوط اللوبي المؤيد للطرف الاسرائيلي تأييدًا مُطلقًا.

تر

حجبت شركة "يونيفرسال" الميزانية الكبيرة المُخصصة للدعاية للفيلم، ومنعت المخرج من الحصول على المواد التي أعدتها للترويج للفيلم؛ وحاول المخرج تعويض ذلك، وأنفق من ماله الخاص على دعاية الفيلم، ولكن الدعاية المُضادة تسببت في سحب نسخ الفيلم من دور العرض، ولم تُتح فرصة للجمهور لمُشاهدته، وغابت أخبار الفيلم وتحليله فنيًا وفكريًا عن الصحف، وكأن الفيلم لم يُصنع أصلًا.  

كتب سيناريو الفيلم "كوستا جافراس" بالمشاركة مع كاتب السيناريو الإيطالي "فرانكو سوليناس"، والأخير كتب عديدا من السيناريوهات السياسية والتاريخية الهامة؛ منها فيلم "معركة الجزائر" "The Battle of Algiers"، وهو دراما بلمحات وثائقية عن معركة استقلال الجزائر ومُقاومة الاحتلال الفرنسي أخرجها الإيطالي "جيلّو بونتيكورفو".

ناصر القضية ولم يعجب أحدا!

يحكي فيلم "هانا ك." عن هانا كوفمان "جيل كلايبورج"، وهي محامية أمريكية يهودية تعيش في المستوطنات، هي ابنة عائلة ناجية من مُعسكرات النازية، وتُكلف بمهمة الدفاع عن الفلسطيني "سليم بكري" الذي تم القبض عليه مُتسللًا في مُستوطنة، واتهمته المحكمة العسكرية بالضلوع في عمليات إرهابية حدثت سابقًا في نفس المكان، وكان دفاعه انه مواطن فلسطينيي سعي لاستعادة ممتلكات أجداده المُغتصبة في نفس المكان الذي وجد فيه، وتنجح هانا في الإفراج عن سليم، وبعد مدّة يُقبض عليه مرة أخرى في نفس المكان، ويطلب أن تدافع عنه هانا.

ف

جزء مهم من الفيلم يتناول بحث هانا عن حقيقة ادعاءات سليم؛ فهو يمتلك وثائق يعود تاريخها إلى عام 1876 تثبت ملكية عائلته للعقار المتنازع عليه، ولاحقًا تجد أن عليها مواجهة عشيقها السابق، وهو المدعي العام جوشوا "جابرييل بيرن"، وهو يرى سليم خطرًا على دولتهم ويسعى إلى الزج به في السجن مدى الحياة مهما كانت أدلة الاتهام واهية؛ فهو يخشى أن يربح سليم قضيته ويسترد منزله؛ وهذا سيفتح الباب أمام ألاف الفلسطينيين لاسترداد منازلهم المُغتصبة، وسينهار المبدأ الذي تتبناه الدولة لتكريس مبدأ التوسع الاستيطاني.

هانا حائرة بين الاستسلام حرصًا على حياة موكلها، أو النضال من أجل الحقيقة مهما كان الثمن باهظًا؛ فقد بدأت السلطات الإسرائيلية في النظر إليها على أنها امرأة تورطت عاطفيًا وقانونيًا مع شخص مُشتبه في ارتكابه عمليات إرهابية.

فانيسا ريدجريف والفلسطيني!

ضم طاقم العمل ممثلين يهود من الجانب الاسرائيلي وعرب وفرنسيين، وحاول الفيلم التماس الموضوعية في الطرح، ولكن فكرة الاعتراف بالحق الفلسطيني في الأراضي المُحتلة لم تكن مُستساغة من الجانب الاسرائيلي والداعمين له، ولم يحظ الفيلم بتقدير عربي كذلك، وهاجمه النُقاد العرب وقتها؛ فرغم تعاطف السيناريو مع حق الفلسطينيين في العود إلى ديارهم، ورفض بناء مُستوطنات على أراضي فلسطينية، لم يُهاجم الفيلم الدولة العبرية بعدائية مُطلقة، وزرع شُكوكًا حول لجوء سليم لاستخدام العُنف داخل بعض المستوطنات، وبالطبع لم يعجب البعض أن تدافع مُحامية من الجانب الاسرائيلية مهما كانت لطيفة وعادلة عن رجل فلسطيني يسعى لاستعادة منزله الذي استولت عليها حكومتها، وهكذا لم يجد الفيلم صدى في الغرب أو الشرق وطواه النسيان.

ل

لم يكن حظ الفيلم وحده سيئًا، بل عانت الممثلة "جيل كلايبورج" من تهميش مؤسسات هوليوود لها بعد سطوع نجمها الكبير في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، واعتزلت ثلاث سنوات قبل أن تعود للتمثيل في برودواي وعدد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية، ولكنها لم تستعد بريقها القديم.

ل

تعرضت المُمثلة البريطانية "فانيسيا ريدجريف" لتهميش مُماثل من الهيئات الداعمة لإسرائيل، وذلك بعد مُشاركتها وإنتاجها الفيلم الوثائقي "الفلسطيني" "The Palestinian" عام 1977، والفيلم يدعم موقف المُقاومة المُسلحة ضد الاحتلال، وتضمن لقاء مع الراحل "ياسر عرفات" رئيس مُنظمة التحرير الفلسطينية انذاك، وعارضت مُنظمات معارضة لحق الفلسطينيين حصول "ريدجريف" على أوسكار التمثيل عن دورها في فيلم "جوليا" Julia"" في عام 1978، جيث هاجمت الحركة الصهيونية في كلمتها في حفل الأوسكار، ولاحقًا انفجرت قُنبلة أمام قاعة عرض فيلم "الفلسطيني" في بيفرلي هيلز.

روميو وجولييت في الأراضي المحتلة

التجربة القاسية التي تعرض لها فيلم "هانا ك." مثلت صعوبة أمام إنتاج أي طرح سينمائي مُماثل؛ هناك أفلام غربية أخري تعرضت للقضية الفلسطينية، بعضها كان توثيقيًا، وهناك عشرات الأفلام التي تحمل عناوين تُشير بشكل خاص إلى مدينة غزة التي تعاني الحصار والغزو والقصف مُنذ عُقود.

الأفلام التي لجأت إلى السرد الدرامي وليس التوثيق حاولت البعد جدل القضايا السياسية الشائكة، وكانت دعوات دافئة للحب والسلام، وربما أكثر الثيمات التي داعبت عقلية صانع السينما الغربية هي فرضية قصة حب بين إسرائيلي فلسطينية، أو العكس، وهي نفس الفرضية التي بنى عليها شكسبير حبكة مسرحية "روميو وجولييت"، وكانت قصة حب بين شاب وفتاة بين عائلتيهما عداء شديد، وقد حصل فيلم الكوميديا الموسيقي الأمريكي "قصة الضفة الغربية" على أوسكار الفيلم القصير عام 2005، واستخدم الفيلم أسلوب استعراضات فيلم "قصة الحي الغربي" لرواية قصة عداء بين عائلة يهودية وعائلة فلسطينية، يمتلك كل منهما مطعمًا للفلافل، وعلى خلفية الصراع والعداء تحدث قصة حب بين فاطمة الفلسطينية وديفيد.

ع

في الفيلم الكوميدي "حينما تملك الخنازير أجنحة" "When Pigs Have Wings" يجد الصياد سيء الحظ جعفر خنزيرًا داخل شبكته وليس السمك، يعيش الفلسطيني جعفر في غزة يُعاني الفقر والديون، وسعيًا للحصول على المال يُحاول بيعه لأحد الأجانب، ويخوض مغامرات التنقل مع حيوان نجس غير مرحب به حسب الشريعتين الإسلامية واليهودية، ويتحرك به سرَا بعيدًا عن أعين رفاقه من الجانبين. الفيلم إخراج الفرنسي "سيلڤاين استيبال"، ورغم حكاية الفيلم البعيدة عن الطرح المُباشر للقضية الفلسطينية، لكنه يسرد الحياة اليومية لرجل بائس من غزة؛ عليه التعايش اليومي مع ظروف فقره، ومع جنود الاحتلال، ورقابة أصوليين مُتشددين، إنها رحلة البقاء حيًا فوق أرض تحتها بارود قابل للانفجار في أي لحظة.

الصور من تريلر فيلم "هانا ك." وحساب فانيسا ريدجريف على انستجرام