فيلم وراء الجبل

خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2023 ـ فيلم "وراء الجبل".. محاولة غير موفقة للطيران

أندرو محسن
7 سبتمبر 2023

ثلاثة أفلام عربية طويلة تشارك في مهرجان فينيسيا (البندقية) خلال هذا العام، واحد منها فقط يشارك في مسابقة رئيسية وهو "وراء الجبل" إخراج التونسي محمد بن عطية، والمعروض ضمن مسابقة آفاق. الفيلم هو الثالث الطويل لمخرجه، بعد "نحبك هادي" (2016) و"وِلدي" (2018). لفت بن عطية الأنظار إليه منذ فيلمه الأول، الذي حصد جائزة أفضل ممثل (مجد مستورة) في مسابقة مهرجان برلين، وفي فيلمه الأحدث يعيد المخرج التعاون مع مستورة، وبينما يمكننا أن نرصد بعض الملامح الواضحة لتجربة بن عطية في هذا الفيلم، فإنه ربما يكون ابتعد نسبيًا عن بعض ما ميز عمليه السابقين. تتابع الأحداث رفيق (مستورة) الذي يُسجن نتيجة اعتدائه على مقر عمله. يخرج من السجن بعد أن اكتشف في نفسه أنه يجيد الطيران، وهو ما يحاول أن يقنع أسرته به، وسط مقاومة ورفض منهم فيختطف ابنه ليعرفه على موهبته الجديدة.

بعد الانتهاء من مشاهدة هذا الفيلم، سنجد أنفسنا نتساءل، ما الذي يريد المخرج أن يقوله؟ أي فيلم يود صانعه أن يقدم شيئًا ما، وأحيانًا عدة أشياء، الفكرة هي في مدى قدرته على إيصال فكرته بالفعل إلى المتلقي. في جملة تبدو تنويرية داخل الأحداث، يفسر رفيق اكتشافه للطيران قائلًا "إن البشر في البداية كانوا يسيرون على أطرافهم الأربعة، إلى أن جاء شخص وقرر المشي على ساقيه فقط، لاقى مقاومة في البداية قبل أن يقلده الجميع. ربما كان البشر يجيدون الطيران لكن لم يجرب أحد ذلك!"

وراء الجبل
وراء الجبل

تجعلنا هذه الجملة نقرأ أحداث الفيلم بصورة أوضح، إذ أن البطل يحاول بشكل ما إعادة اكتشاف نفسه وقدراته خارجًا على ما يضعه المجتمع ككل من قواعد وشروط، ونتيجة لهذا فهو يصطدم بشكل حاد بكل المحيطين به. يمكن أن يكون هذا هو التفسير الأوضح لشخصية البطل في هذا الفيلم، لكن الأزمة هي أننا لا نجد ما يبرر بقية تصرفاته وتحركاته طوال الأحداث في ضوء هذا التفسير.

في حقيقة الأمر فإن المخرج يوضح لنا حقيقة أن البطل يمكنه الطيران بعد انتهاء الفصل الأول تقريبًا، قبل هذا لا نعرف عن البطل شيئًا غير اسمه كونه عنيفًا ما تسبب في سجنه 4 سنوات، لكننا لا نعرف السر الحقيقي وراء هذا العنف، ولاحقًا عندما يختطف ابنه ليُعلمه بقدرته على الطيران، لا نستطيع أن نتعاطف مع البطل أو نفهم دوافعه الحقيقية لأن يأخذ ابنه إلى منطقية جبلية بعيدة حتى يريه أنه يستطيع الطيران، لأن ما يظهر بالأكثر على السطح هو الطريقة العنيفة التي نراه يتعامل بها مع ابنه.

وراء الجبل

يمتد الغموض الذي يحيط بدوافع البطل وقرارته إلى بقية الشخصيات خاصة التي تظهر لاحقًا. فهناك راعي الغنم الذي يشاهد البطل في محاولته للطيران، والتي تبدو بمثابة سقوط بطيء أكثر منها طيران، لكن هذا الراعي -الذي لا نعلم أي شيء ذو قيمة حقيقية عنه حتى نهاية الفيلم- يقرر أن يترك كل شيء ويتبع رفيق، دون حتى أن يشرح لماذا يتبعه! لا يبدو أن بن عطية قد نجح هذه المرة في التواصل بشكل كبير مع مشاهديه، عكس ما فعل في فيلميه السابقين، لكن هذا لا يعني خلو ”وراء الجبل“ من عناصر أخرى تنتمي بقوة إلى سينما هذا المخرج. الأسرة غير المثالية، أو التي تعاني من صراعات داخلية، من المظاهر المتكررة في أفلام المخرج التونسي، ظهرت في ”نحبك هادي“ وأيضًا في ”وِلدي“ من خلال موقف الأب والأم المضطرب حيال ابنهما الذي انخرط في إحدى الجماعات المتطرفة. في فيلمه الأحدث، نجد حضورًا ليس لأسرة واحدة بل اثنتين، الأولى هي أسرة رفيق نفسه، والتي نشاهد بشكلٍ مُبرر رفضها له (زوجته ووالديها) بعد خروجه من السجن، لكن هذا لا يمنع رفيق من التمسك بأملٍ أخير وهو ابنه، ليحاول أن يكشف له قدرته الخاصة. الأسرة الأخرى هي التي يذهب إليها رفيق في النصف الثاني من الفيلم ليبيت لديهم الليل، لكن الأحداث تتطور لصراعٍ بينه وبينهم. تبدو هذه الأسرة أقرب للشكل التقليدي الذي يمكن أن نشاهده في أي بيت، طرف يقود الدفة والآخر يسير خلفه، طرف حاد وآخر هادئ، إلى آخره. رغم وجود بعض الملاحظات أيضًا على طريقة توظيف هذه الأسرة داخل الأحداث وكيفية تفاعلها مع بطل العمل الأساسي، فإن الأداء المقدم من طرفيها، حلمي دريدي وسلمى زغيدي، جعل الأمر أكثر تقبلًا. ربما كانت لدى محمد بن عطية محاولة لصناعة فيلم عن الأشخاص المغايرين أو الذين يحاولون كسر القواعد الصارمة للمجتمع، لكنه لم ينجح في النهاية في صناعة قواعده الخاصة بشكل موفق داخل الفيلم. 

وراء الجبل
وراء الجبل