صلاح جاهين .. البيانولا المصرية

خرج ابن آدم م العدم .. قلت ياه
رجع ابن آدم للعدم .. قلت ياه
تراب بيحيا .. وحي بيصير تراب
الأصل هو الموت ولا الحياة؟؟
عجبي!!!
 
خرج ابن آدم "محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي" إلى هذه الدنيا، في يوم شتوي رائع مثل هذا اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1930، ليملأ الدنيا بهجة وابتسامات تسعد القلوب، مازال صداها يتردد حتى الآن.
 
الوالد كان رجل عدالة وقاضٍ كبير، لم يعترف بموهبة ابنه في الرسم، ولا بحلم حياته في دراسة الفنون الجميلة، فأخرجه من كليتها، وأجبره على دراسة الحقوق، ليصير هو أيضاً قاضياً محترماً، أو حتى محامٍ، فقال له "صلاح" وقتها مقولته الخالدة: "يوماً ما سيتم تعريفك بي أنا، وستكون "أبو صلاح" وليس القاض الكبير"، وكأنما كانت أبواب السماء مفتوحة في تلك اللحظة، لتتحول مقولة صلاح الغاضبة إلى نبوءة، وبينما يكرّم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قضاة مصر، تعرف على "أبو صلاح"، وسأله بشكل مباشر: "أنت والد صلاح جاهين؟" لقد صار الطفل المشاغب أسطورة، وتحول المستشار المحترم، إلى "أبو صلاح"، عجبي!!
 
يقولون أن "صاحب بالين كداب"، كان أبو صلاح صاحب سبعة على الأقل، ولكنه لم يكن يوماً كاذباً، كان رساماً وشاعراً وممثلاً وسيناريست ومغني ومنتج وحاول أيضاً أن يقتحم مجال الإخراج، قدم لنا أطناناً من السعادة على هيئة أشعار وأغنيات ورسومات وأفلام رائعة، وأعمال إذاعية خالدة، شارك بالتمثيل في خمسة أفلام، وكتب سيناريو عدد مماثل، وأغنيات عشرات الأفلام، إلى جانب مسرحياته الرائعة وأشهرها "الليلة الكبيرة"، وفوازير رمضان في الإذاعة والتليفزيون مع الإذاعية الكبيرة آمال فهمي، والنجمة الجميلة نيللي.
 
وفي الصحافة أمتعنا برسوماته في مجلة روز اليوسف وصباح الخير، قبل أن يستقر به المقام في جريدة الأهرام العريقة.
 
ثلاثي الثورة
"على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ماشاء .. أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء".
 
أحب جاهين مصر، وعبر عن هذا الحب في كل كلماته، آمن بثورة 1952 وكان سفيرها لجماهير الشعب العريضة، وتحولت أغنياته عن الثورة لدستور غير رسمي، يشرح ببساطة تفاصيل اقتصادية وسياسية صعبة، وأحلام وأمنيات كبار عاشت في وجدان الشعب العربي كله، "صناعة كبرى .. ملاعب خضرا .. تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا .. في كل قرية عربية"، تولّىصوت عبد الحليم حافظ وموسيقى كمال الطويل مهمة إيصالها، وبحجم الأحلام، كان حجم الانكسار، أصابت الكآبة "أبو صلاح"، وتمكنت منه وأعجبتها الإقامة، واستسلم هو لها رغم محاولات العلاج الشكلية، فأصبحت قريناً له، وتآلف هو معها، بل وصادقها –كما كان يقول- لم تمنعه من إبهاج الناس، لكنها أضافت أيضاً لكلماته أبعاداً فلسفية عميقة، ولمحة حزن نبيلة.
 
صلاح وسعاد
لا أعتقد أن هناك ثنائي أكثر شهرة ومحبة من صلاح جاهين وسعاد حسني، رأى فيها طفلة موهوبة تتخبط في الحياة، ولا تجد من يوجهها ويستغل طاقاتها اللامحدودة، ووجدت فيه الأب الحنون، الذي لم تسعد بالحياة معه، فتألقا معاً في أفلام وأغنيات، أضاءت أيام السبعينات المظلمة، وأزالت بعضاً من مرارتها، "شيكا بيكا وبولوتيكا .. ومقالب أنتيكا .. ولا تزعل ولا تحزن .. أضحك برضة يا ويكا"، هل نضحك أم نبكي يا أبو صلاح؟
 
بقدر ما أضحكنا وأبهجنا، أبكانا، وجعلنا نتأمل في أحوالنا وحياتنا، علمنا أن نحب الحياة ونقبل عليها، وأن نخاصمهاونترفع عنها، "أنا دبت وجزمتي نعلها داب .. من كتر التدوير ع الأحباب ..... أنا عازمك يا حبيبي لما ألاقيك .. على فسحة في جميع الطرقات .. نتنطط نتعفرت نترقص .. كدهوه كدهوه كدهوه"