العالم قريةٌ صغيرة والماضي الجميل لا يتشكّل

هي: جمانة الصباغ
 
عندما ننظر إلى الماضي الذي عبر وولّى، نجده غائراً في الزمن والكون الفسيح، جميلاً بكافة تفاصيله التي أخذ بعضها الوقت الكثير والكافي ليتشَكل. 
 
نستذكر الماضي بكل حسرة، لأن اللحظة فيها كانت كأنها سنة، والأوقات فيها كان لها كل معنىً وقيمة. أما اليوم، وبعدما أصبح العالم قرية صغيرةً وسرعة التطور فيه لا تُقاس ولا توُصف، أصبح الوقت أمضى من السيف في العبور على حياتنا ومشاريعنا وأحلامنا.
 
فهل تتشكَل لدينا ذكريات من هذا العالم العصري، أمَ أنَ ما يمضي يصبح مخزوناً فقط في ذاكرة حاسوبية؟
 
نعم، العالم قريةٌ صغيرة نجتمع فيها مع كل الناس من كافة الدول والأطياف، نتبادل الثقافات والأفكار والطروحات، ويبدو ذلك جيداً في خضم الكمَ الهائل من المعلومات والإستفادة التي نستقيها من هذا التفاعل. 
 
وكل ذلك بفضل تطور قنوات الإتصال الحديثة وفورة المواقع الإجتماعية، كذلك وفرة وسائل النقل الحديثة والسريعة التي باتت تحملنا إلى أي مكان في العالم بسرعة كبيرة، بعدما كانت الرحلات تستغرق شهوراً طوال. 
 
ولا ننكر فضل هذا التطور علينا في أمورنا الحياتية المتعددة، من عمل وتعلم واكتساب خبرات وتوسيع للأفاق. لكن عندما نفكر كم هذا التطور سريع ويمضي أسرع من ومضة العين، نخشى على شيء واحد فقط: الماضي الذي سنحمله من هذا التطور. فكما كل شيء يأتي بسرعة، فإنه يذهب بسرعة، واللحظات التي نقضيها في تعلم شيء ما أو الإستمتاع به هي أسرع من أن يبقى لها أثرٌ في الذاكرة.
 
فهل نفكر بصياغة ذكريات لنا من هذا العالم المتطور الذي يسابقنا ونسابقه، وأي ماض سنترك لأولادنا عندما يسألوننا عنه؟ كما فعل آباؤنا من قبل، أطربوا أسماعنا وعقولنا بحكايات عن ذكريات لا تُمحى ولا تموت، لأنها أخذت وقتها في التشكل وفي الحدوث. في حين أن أوقاتنا الحالية تمضي سريعةً فلا نكاد نستشعر قيمتها وأثرها فينا كما كان يحصل في الماضي.
 
لا أقول بأن نلغي التكنولوجيا والتطور من حياتنا لأنه يحرمنا من تشكيل ماض جميل نورثه لأولادنا من بعدنا، ولا أقول أن نرفض اللحاق بركب التطور فقط لأننا متعلقون بماضينا ولا نريده أن يندثر تحت سرعة عجلات الزمن.
 
ما أقوله هو أن نوازن بين الأمرين معاً، فنجد وقتاً للتمتع بأحداثنا الحالية التي ستصبح ماضينا الجميل، فنحياها بالشكل والطريقة المناسبين ونعطيها من الإهتمام ما تستحق. وفي نفس الوقت، نستفيد من التطور الذي يشهده عصرنا الحديث بما يخدم تطلعاتنا وأفكارنا وطموحاتنا، بما يقدر على صياغة شخصياتنا وتفكيرنا، وبما يساعدنا على الإحتفاظ بذكريات الزمن الذي نحياه ليدرك أولادنا من بعدنا كم كان ماضينا جميلاً كماضي من سبقونا.