التوتر: مرض العصر الحديث

هي: جمانة الصباغ
 
إينما توجهت ومع من تكلمت، تجد أنه الموضوع الأكثر حديثاً وإيلاماً في وقتنا هذا.
 
الكل يعاني منه، وإليه تُنسب كل الأمراض الظاهر منها والباطن، فكأنما لا بلاء إلا منه ولا شفاء لأي مرض إلا بالشفاء منه.
 
التوتر.. مرض العصر الحديث، وسمة كل متعب ومرهق في الحياة السريعة التي نعيشها.
 
من الصداع إلى تشنج العضلات إلى آلام الأسنان وسقوط الشعر، كل هذه الأمراض وغيرها مرتبطةٌ بشكل كبير بالتوتر وتأثيره على صحتنا. ناهيك عن العصبية والإنهيار العصبي والمشاكل النفسية التي بتنا أسرى لها دون أن نعرف.
 
أو ربما كنا نعرف، لكن تراكم التوتر والمشاكل والتعب في داخلنا يوصلنا جميعاً إلى حافة الإنهيار. وهو ما يعيشه معظم الناس في عصرنا هذا. معظمنا يشكو من الآلام فيعزوها الطبيب بمعظمها للتوتر الذي نعيشه ويسيطر علينا.
 
ولا يبدو ان لأحد مناعة من فتك هذا الداء، ما عدا ربما الأطفال الصغار الذين لم تأخذهم دوامة الحياة بعد، أو المرضى العقليين والنفسيين الذين لا يدركون شيئاً. وحدهم الأصحاء والكادحون في الحياة هم ضحايا هذا المرض الذي يبدو أنه السمة الأوضح لعصرنا الحديث.
 
عندما نسأل أهلنا عن عصرهم وهل كان لديهم تحديات ومشاكل كالتي نمرَ بها اليوم، يضحكون ويقولون أبداً. فالحياة قديماً بالرغم من شظفها وقلة مواردها كما هي اليوم، كانت أفضل وأكثر هدوءاً وسكينةً عما هي عليه اليوم. كانت الحياة بسيطة، وكان الناس يعرفون كيف يستمتعون بها. كان لكل شيء قيمة كبيرة، من تقدير الوقت إلى أهمية الراحة إلى القناعة وغيرها من ميزات إندحرت مع تقدم العصر والتكنولوجيا التي أمَنت لنا الكثير من الميزات لكنها حرمتنا نعمة الراحة، راحة البال والنفس، الطمأنينة والقناعة، العيش بشغف الحياة والتمتع بكل لحظة فيها.
 
يسيطر التوتر والقلق على معظم خلق هذا الكون، لأنهم يلهثون وراء تحقيق الأفضل والتنافس على اقتناص المكاسب والمناصب الأعلى ما جعلنا في حال سباق دائم مع ذواتنا ومع الآخرين، ولا يبدو أننا سنقتنع بما نملكه بل سنسعى دوماً لكسب المزيد. لماذا؟ لأن النفس البشرية في زمننا لا تتوقف أبداً عن السعي وراء الأفضل، من مال وسلطة ومناصب. وهو ما يجعلنا دوماً فريسة للتوتر في حال لم نحقق أياَ من هذه المكاسب، أو في حال قلق خوفاً من فقدان ما كسبناه.
 
يعالجنا الأطباء والمختصون بالعقاقير لتخفيف التوتر، لكن ينسى بعضهم أن التوتر باتَ جزءاً من يوميات حياتنا وأن لا أمل بالتخلص منه بالطرق الطبية فقط، بل بتحفيز الذات على تقليص التوتر والتشنج وتقبل الأمور كما هي لا السعي الحثيث وراء تحقيق أشياء مستحيلة لنا. ويبدو أن الطب الحديث بات يتجه كثيراً إلى هذه الطرق الجديدة في العلاج، ويبقى على كل واحد فينا أن يؤمن حصانته الذاتية من خلال تعويد النفس على تخفيف الشعور بالتوتر والقلق، والإقتناع بما لديه وعدم الركض وراء طموحات صعبة لا يمكن تحقيقها.
 
فلنستفد من التطور لا أن نصبح أسرى له، ولنستفد من أمور كثيرة تعيد الطمأنينة إلى حياتنا وتبعد عنا التوتر. بالرغم من كل الإنشغالات والمعارك اليومية التي نخوضها يومياً، فلنتعلم أن لا بد من الترجل قليلاً عن صهوة العدو والراحة قليلاً، وإلا فإن التوتر سيقضي علينا لا محالة.