فيراري.. أسطورة الحصان الجامح

في لغتنا العربية نطلق نحن وصف "جوهرة التاج" على الشيء المميز، فرغم احتواء التاج على عدد من الجواهر النفيسة، إلا أن هناك جوهرة بعينها في المنتصف، لا تقدر بثمن.. ويبدو الأمر مشابهًا بعض الشيء في عالم السيارات، فبعض الطرازات لو طرحت للنقاش، قد تجد اختلافاً في الأراء حولها، أما تلك السيارة التي  لا تقل أبداً عن قريناتها-إن لم تتتفوق على أغلب منافسيها- هي الفاتنة الإيطالية "فيراري" ، والتي تقوم مقام جوهرة التاج في عالم السيارات ولا يختلف عليها اثنين!

الإصرار وراء البداية

وراء هذه السيارة قصة إصرار عاشها الإيطالي "إنزو فيراري"، حتى نجح أخيرًا في صقل اسمها على القمة بلا نظير، فقد كان عشقه لسباقات السيارات هو ما دفعه للقيام بمحاولات مضنية من أجل الانضمام إلى الشركات المتخصصة فيها، ليكون سائقًا لديهم، حتى عمل مع شركة "CMN" الإيطالية،  ورغم عدم نجاحه في البداية إلا أنه لم ييأس، وانتقل في 1920 ليقود سيارات "ألفا روميو" لتبدأ انطلاقته وينجح في أكثر من سباق، حتى أصبح مدير قسم السباقات لدى الشركة عام 1938..

ولكن طموح إنزو كان أكبر من هذا المنصب بكثير، فأثناء عمله لدى ألفا روميو قام بإنشاء ورشة تصليح خاصة به، أطلق عليها "إسطبل فيراري" أو "Scuderia Ferrari"، ونجح عام 1940 في صنع أول سيارة أطلق عليها "Tipo 815"، إلا أن تعاقده مع ألفا روميو منعه من إعلانها تحت اسم فيراري، كما أن أجواء الحرب العالمية الثانية التي كانت على الأبواب لم تسمح بخلق مناخ للمنافسة القوية،  وكلها عوامل حالت دون نجاح هذه السيارة، التي أُنتج منها نسختان فقط، لم تنجُ سوى واحدة منهما، لتنضم إلى تشكيلة سيارات كلاسيكية في إيطاليا، تظهر في بعض المعارض من وقت لآخر..

ومن جديد لم ييأس إنزو، وقاده إصراره في النهاية إلى النجاح في تقديم أول سيارة فيراري عرفتها الشوارع، لكن بشكل رسمي هذه المرة في عام 1947، وهي "125 S" بمحرك سعة 1.5 لتر، لتبدأ أسطورة الحصان الجامح.

قصة شعار الحصان في فيراري

لا يغفل أحد منا شعار الحصان الذي متحفزاً للقفز بأرجله الأمامية، والذي يظهر ثائرًا في مقدمة سيارات فيراري، ولكن هل تعلم القصة وراء هذا الحصان؟ دعني أرويها لك.. فعقب فوز السائق "إنزو" في أحد السباقات عام 1923، التقى الكونتيسة "بولينا" والدة الطيار الإيطالي الشهير "فرانشيسكو باراكا"، الذي كان بطلاً قوميًا إبان الحرب العالمية الأولى، وطلبت منه أن يضع شعار الحصان على سياراته، كما كان يفعل ابنها على طائراته، ليجلب له الحظ السعيد، وقد كان.

لكن "إنزو" لم يستخدم نفس تصميم حصان "فرانشيسكو"، الذي كان أحمر اللون على خلفية سحابة بيضاء، وبدلاً من ذلك استخدم حصانًا بلون أسود، كإشارة للحزن على وفاة هذا الطيار البطل، ووضع خلفية بلون أصفر يرمز لمدينة "مودينا" مسقط رأسه، يعلوها علم إيطاليا، وفي أسفل الشعار نجد حرفي S و F وهما اختصار "أسطبل فيراري أو "Scuderia Ferrari " إلى جانب بعض الاختلافات البسيطة في شكل الحصان نفسه.

وقد استخدم "إنزو" الحصان الثائر لأول مرة عام 1929، ثم أصبح يوضع على سيارات سباق ألفا روميو التي تخرج من "ورشة فيراري"، ولاحقًا أصبح رمزًا مميزًا لسيارات فيراري نفسها، يتقدمها في مضامير السباقات وعلى الطرق، ليصبح رمزاً للبطولة كما كان يستخدمه البطل الطيار سابقاً.

فيراري تودع إنزو

شهد السيد "إنزو فيراري" عام 1988 إطلاق فيراري F40، التي كانت آخر السيارات التي عاصرها قبل وفاته لاحقًا في العام ذاته، وتعتبر ضمن أفضل السيارات السوبر التي تم صنعها في تاريخ السيارات، وكأن فيراري تشعر بأنها مدينة لإنزو بكل ما فعله من أجلها، وأرادت أن ترد له جزءًا من الجميل، بإهدائه هذه التحفة الأخيرة قبل وفاته.
ولم تكتف بذلك، فصنعت ما بين عامي 2002 و2004 أسرع طرازين لها في ذلك الوقت، وهما:  F50، وF60، كامتداد لشقيقتهما F40، وأطلقت فيراري عليهما اسم "إنزو" تخليدًا لذكراه، وأنتجت منهما 400 سيارة، تبرعت بالنسخة الأخيرة منها إلى الفاتيكان..!!

تحالفات فيراري

هناك قاعدة شهيرة -كنا نتعلمها في المدارس- تقول "الاتحاد قوة"، فمهما بلغت قوتك، يجب ألا تظل وحدك، بل اسعَ إلى عقد التحالفات والصداقات.. وهذا ما فعلته فيراري، عندما تحالفت مع مواطنتها "فيات"، التي اشترت 50% من أسهمها في 1969، ثم ارتفعت هذه النسبة إلى 85% عام 2008، لتنضم تحت مظلة مجموعة فيات العملاقة، ولم لا؟ طالما أنها ستحتفظ باسمها وشخصيتها الخلابة بالنسبة لمعجبيها.

كما عقدت فيراري شراكة طويلة مع شركة "شل للزيوت- Shell Oil" لاختبار زيوت المحركات، وإمدادها لفرق السباقات، بالإضافة إلى تحالفها الخاص مع مواطنتها الأخرى "دوكاتي- Ducati" للدراجات النارية الشهيرة، وكأنها تتمسك بولائها لوطنها..

وقد نجحت فيراري على مدار كل هذه الأعوام في بيع أكثر من 130 ألف سيارة، ما بين سيارات سوبر تنطلق على الطريق، أو أخرى مخصصة للسباقات، ورغم أن العدد يبدو ضئيلاً مقارنةً بطول الفترة الزمنية، إلا أنه يرجع إلى إيمانها بالكيف لا بالكم، فتحرص دائمًا على أن تنتج سلسلة حصرية بعدد محدود من النسخ، حتى تظل مميزة، ولا يقدر على دفع مهرها إلا المميزون، لتكون السيارة الوحيدة التي تختار مالكها قبل أن يختارها.