رؤية نقدية .. هروب اضطرارى ينافس سينما الترسو

محاولات انعاش السينما المصرية مازالت مستمرة، فترة الركود وتراجع الإنتاج وغياب التنوع فيما يقدم اصبح سمه رئيسية توصف بها السينما المصرية في السنوات الأخيرة.

لكن محاولات تغيير هذه السمه والعودة للإنتاج المتنوع بين الصبغة التجارية والفنية من جانب، وبين الأنواع المختلفة من جانب اخر يحدث الأن بشكل اكبر من سنوات بداية الألفية الجديدة وحتى نهاية عقدها الأول والذى أنحصر معظم الإنتاج فيه على أفلام كوميديا الفارص وأفلام السينما النظيفة.

فيلم "هروب اضطرارى" أحد المحاولات المهمة للخروج من أزمات السينما المصرية في الوقت الحالي، والذى يسعى لأن يكون ظاهرة وشكل يتكرر -استنادًا لجودة صناعته ونجاحه- ويتحول لحجر أساس للتجديد في تقديم أفلام الأكشن المصرية  في كل جوانب صناعتها، لكن هذه المحاولة المهمة على هذا القدر من ستكون بالفعل نقطة تحول؟.

يحاول الفيلم الهروب من شكل أفلام الأكشن –موضة الفترة الأخيرة كبديل عن الكوميديا- المحببة لقلب الجمهور المصري والمتمثلة فيما يقدمه محمد رمضان مؤخرًا وما كان يقدمه الراحلان محسن سرحان ثم فريد شوقي من بعده مرورًا بكثيرين في الطريق قدموا أكشن بنسخه شعبية يميل للوعظ والعقاب الإلهي، سينما الترسو هى الذائقة التي تجد طريقها دائما عند الجمهور، لكن بطل "هروب اضطراري" أحمد السقا بعيد كل البعد عن هذا الشكل ويعمل تحت مظلة "السينما النظيفة" والتي تجنح بمنتهى التشدد إلى بسترة الأعمال الفنية لنسخه أخلاقية حسب رؤيته هو برقابته الذاتية وهو ما انعكس تماما على فيلمه الأخير الذى يعد محاولة لمنافسه رمضان وما يقدمه بشكل واضح.

 

بالطبع خرج الفيلم حسب الكود الأخلاقي الذى يفضله السقا  وهو شيء يراه البعض جيدًا ويفضله قطاع لا يستهان به من الجمهور، وعلى المستوي الفني أيضًا الفيلم متفوق شكليًا من حيث العناصر تنفيذ الخدع ومشاهد المطاردات، وكذلك عنصر التمثيل وفى المقدمة فتحي عبد الوهاب وامير كراره، لكن ليس على مستوي السيناريو والحوار، ولا على مستوى طبيعة الفيلم.

وهو ما يقود لإجابة السؤال.. أن الفيلم لن يستطيع ان يكون نقطة التحول المرجوة وذلك لأنه على الرغم من جودته الا انه يستلهم شكل الأكشن في الأفلام الهوليودية، والتي تتناسب لحد كبير من طبيعتها كدولة لها مكونات ثقافية واجتماعية مختلفة تمامًا عن دولة مثل مصر، فعلى الرغم من تنفيذ مشاهد المطاردات سواء بالسيارات او على الاقدام ومعارك الأسلحة النارية والبيضاء ووجود عدد كبير من النجوم في فيلم واحد وكلها من سمات أفلام الاكشن الهوليوودية الا أن كل هذا على جودته يصنع حاجز ضخم بين المشاهد والفيلم.

 أماكن التصوير بالفعل من مصر لكن الشخصيات من الولايات المتحدة، فلا شرير مثل جمال (باسم سمرة) بطريقته ولا قرارته، ولا ضابط مباحث مثل عصام (فتحي عبد الوهاب) في قرارته  أو طريقة تعامله مع القانون كما الحال في الفيلم، الشخصيات مرسومه بمبالغة من قبل السيناريست محمد سيد بشير وعلى الطراز الأمريكي وترجمتها بصريًا من قبل المخرج أحمد خالد موسي تحمل نفس المبالغة أيضًا، وكلاهما فشلا تماما في صناعة بطلين شعبيين من مصطفي (امير كراره) ويوسف (مصطفي خاطر) وفشلا في أن يجعلا من شهامة وأخلاق أدهم (أحمد السقا) عوامل مؤثرة تجعل الشخصية قريبه من المشاهد وذلك بالطبع لأنها مثالية أكثر من اللازم وستايل الشكل والملابس لا يتناسبان مع مفردات الشخصية وتفاصيلها.

بمعنى أكثر دقة لم يهتم المؤلف او المخرج أو أيا من الصناع بخلق اى تواصل بين المشاهد والشخصيات التي تعتبر تقريبًا بلا تاريخ ولا مواقف مؤثرة فقط مواقف مبهرة مصممه ومصورة لتبدو جيده جدًا على الشاشة يظهر بها الصناع عضلاتهم دون ان يكون لها تأثير حقيقي ودون اصالة أو تحمل لمحات من الطبيعة والبيئة المصرية، لذلك من الصعب ان يكون هذا الفيلم التطور الطبيعى لأفلام الأكشن وعلى الرغم من تفوقه وتصدره لشباك التذاكر –حسب التقارير الغير مؤكدة- الا انه لن يستمر في الذاكر طويلا.