رؤية نقدية ـ فيلم US..رسالة جوردان بيل "الإنسانية المرعبة" للعالم

لو كنتم تظنون أن جوردان بييل مخرج فيلم US" "يصنع أفلام رعب لمجرد الإثارة والتشويق وزيادة الأدرينالين في أجسادكم فأنتم واهمون ومخطئون.. هذه مقدمة كانت لابد منها قبل مراجعة وتحليل فيلم الرعب US لجوردان بييل مخرج فيلم GET OUT الذي ترشح لأوسكار أفضل فيلم في 2017.

.

قصة الفيلم 

تبدأ الأحداث في 1986مع طفلة صغيرة " أداليدا - لوبيتا نيونجو" تتنزه في الملاهي مع والديها ، هذه الطفلة تتوه من والديها وتدخل بيت يشبه بيوت الرعب في الملاهي، هذا البيت مكتوب عليه من الخارج " غابة مارلين " اكتشفوا أنفسكم " وفجأة ترى الفتاة في داخل البيت أخرى تشبهها وكأنها نسخة طبق الأصل.. 

بعد ذلك تكبر الطفلة ويتحول زمن الفيلم للوقت الحاضر، لنرى الفتاة وقد تزوجت ولديها "طفلة وطفلة " .. فجأة تظهر أمام بيت هذه الأسرة " الغنية والثرية " أسرة أخرى هي نسخة طبق الأصل من تلك الأسرة، السيناريو يطلق على هذه الأسرة " الأسرة الخيال " وهي أسرة تعيش في " المجاري والأنفاق"، وطوال الفيلم تحدث مطاردة بين الأسرتين..

سخونة الأحداث أو بمعنى أخر الإثارة والتشويق في الفيلم تبدأ بعد 30 دقيقة وهذا زمن طويل عندما يتعلق الأمر بفيلم رعب أو إثارة وتشويق..، ولكن لأن جوردان بييل من نوعية المخرجين الذين يقدمون رسالة إنسانية أو اجتماعية أو سياسية من قصة مرعبة أو مثيرة ومشوقة فقد احتاج وقت زمني أطول لتقديم فكرته أو قصته، ولكن إذا كان جوردان بييل قد استطاع أن يفعل ذلك في وقت أقصر فالأمر سيكون أفضل بلا تردد، لأن مشاهد أفلام الرعب يريد أن يشعر بالإثارة والتشويق من اللحظة الأولى

رسالة غير مباشرة.. Hands Cross America

بعض المخرجين يعطي للمشاهد رسالة أو معلومة بشكل غير مباشر وقد يفعل ذلك عن طريق مانشيت في جريدة أو صورة فوتوغرافية أو لقطة من حدث ما أو أيا كان وهذا ما حدث في بداية "us".

في بداية الفيلم يظهر على شاشة التلفزيون إعلان عن حركة حدثت في أمريكا سنة ١٩٨٦ اسمها.. hands cross America “ أو أيادي عبر أمريكا".. ستكتشفون هدف هذه الحركة في نهاية المقال.

رسائل جوردان بيل المشفرة

جوردان بيل وضع أكثر من رسالة مشفرة أو رمزية سنحاول معا أن نفك شفرتها.. وفي نفس الوقت لنعرف ماذا يريد جوردان بييل أن يقول من خلال فيلمه، ولكن علينا ان ندرك أن تلك القراءة هي وجهة نظر قد تختلف بشأنها الآراء..

-الجملة المكتوبة على الكوخ أو البيت الخشبي الذي يظهر في أكثر من لقطة "غابة مارلين.. اكتشفوا انفسكم ".. الغابة قد تكون هي الدنيا التي نعيش فيها.. اكتشفوا أنفسكم " إعرفوا حقيقتكم.. أنتم أناس جيدون وطيبون أم لا "، وهذه الرسالة موجهة من جوردان بييل ليس لأبطال الفيلم فقط ولكن لكل شخص يشاهد الفيلم ". 

- في أكثر من لقطة في الفيلم يتكرر رقم 11:11، و جوردان بييل يقصد هنا على الأرجح أن الجميع يجب أن يقف مع بعضه البعض، يساند بعضه البعض، على الغني أن يقف بجانب الفقير، والقوي أن يقف بجانب الضعيف.. أو بمعنى آخر يجب أن تكون هناك مساواة وعدالة بين الجميع لا تفرقة.

-الناس أو الأشخاص الخيالين أو بمعنى أخر الأشخاص الذين يشبهوون الأشخاص الأصليين "، هولاء كانوا يرتدون طوال الفيلم بدل حمراء مثل تلك التي يرتديها المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام، وكأن المخرج يريد أن يقول أن هولاء الناس وكأنهم أيضا محكوم عليهم بالإعدام، لأنهم فقراء مهمشون يعيشون في مجاري وانفاق يعانون من المرض ومرضى ومهمشين

عبارات مُلهِمة في الفيلم

- الاولى.. كانت عبارة عن سؤال تم توجيهه إلى الأم الخيال " من أنتم "، لترد وتقول " نحن أمريكيين "، وكأن السيناريو يريد أن يكمل بكلمات هي " نحن أمريكيون مثلنا مثلكم، من حقنا أن نعيش حياة كريمة، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات، هذه الجملة يمكن أن نقيسها على كل الفقراء في العالم ايا كانت أجناسهم وألوانهم

- الثانية.. جملة أخرى تقولها الأم الخيال للأم الأصلية " كان يمكن أن تأخذيني معك"، تقصد عندما رأتها للمرة الأولى وهي طفلة صغيرة فبدلا من صراخك وهروبك كان يمكن أن تأخذنيني معك وأن تنقذيني من الواقع المؤلم الذي أعيش فيه

جوردان بييل يقول بشكل واضح أن العنصرية ليست عنصرية اللون ولكنها عنصرية الأنانية لأن كل واحد منا لا يفكر سوى في نفسه.. وإن الجوع والفقر هما أكبر خطر يهدد أمريكا والعالم.. وأن المشكلة فينا نحن US" " لأننا كلنا انانيين ولا نفكر في الآخرين

الأداء التمثيلي

الأداء التمثيلي لأغلب الممثلين كان مميزا، خاصة وأن كل واحد منهم قام بتجسيد شخصيتين " الشخصية الأصلية وخيالها ". 

لوبيتا نيونجو.. لم تذهب إلى هوليوود للمزاح

 الأداء المذهل للوبيتا نيونجو التي لعبت شخصيتين مرهقتين نفسيا وجسديا كان مبهرا، وهما دور " الأم والأم والخيال"، فلكل شخصية مشاعر وأحاسيس معينة، وأداء حركي مختلف، وطبقة صوت مختلفة.. 

الأداء الحركي للوبيتا في شخصية الأم الخيال كان مذهلا ، واستخدمت طبقة صوت صعبة جدا، لو كانت طبقة الصوت هذه هي صوتها الحقيقي الحقيقي دون أى مؤثرات.. فمن أين جئتي بها يا لوبيتا؟!

لوبيتا بأدائها المذهل تقدم نفسها في هوليوود كممثلة كبيرة وتقول من خلال US .. ، أنا أملك القدرة على تمثيل أدوار ثقيلة ورئيسية، عليكم أن تعاملوني كما لو أني من نجمات الفئة الأولى، وعلى الأغلب فإن دور لوبيتا نيونجو في US سيكون نقلة مهمة في مشوارها، وسيرشحها لأكثر من جائزة

الطفل الذي لعب دور جيسون ابن لوبيتا " إيفان أليكس "، هو ممثل متمكن، وكذلك زوجها جابي " ونستون ديوك" الذي يتميز بخفة دم وتلقائية في الأداء، وكعادتها ابهرتنا إليزابيث موس بأدائها لشخصيتين .

مشهد المونتاج المتوازي أو المتوالي

هناك خاصية في التقطيع أو المونتاج  هي خاصية " المونتاج المتوازي أو المتوالي "' ويستخدمها المخرجين بأكثر من طريقة، هنا استخدمها جوردان بييل للمقارنة بين كيف تعيش الطفلة الثرية وكيف تعيش الطفلة الفقيرة، كيف يعيش الأغنياء وكيف يعيش الفقراء، هؤلاء يعيشون في أجواء مرفهة تلهيهم وهؤلاء يعيشون في الأسفل في أنفاق ومجاري

اكبر نقطة ضعف في الفيلم

قد تكون أكبر نقطة ضعف في الفيلم والتي قد تؤثر بشكل كبير على نجاحه جماهيريا وتجاريا.. هي عدم نجاح جوردان بييل بشكل كبير في تحقيق تكنيك " التوازن ". 

هنا يجب أن نذكر أن نجاح فيلم GET OUT وهو لنفس المخرج، سببه الأساسي هو قدرة جوردان بييل على تحقيق التوازن بين الرسالة الإنسانية التي يريد توصيلها وبين الاسكريبت الخاص بالرعب والإثارة والتشويق فضلا عن اختلاف الفكرة نفسها

و في US تحققت نقطة اختلاف الفكرة ولكن لم ينجح بييل في تحقيق التوازن المطلوب بين رسالته الإنسانية الرائعة وبين تكنيك الرعب و الإثارة والتشويق على الأقل مثلما فعل في GET OUT .

وفيما يتعلق بالمفاجأة التي تقلب الأحداث في نهاية الفيلم فهي من أكثر العناصر تميزا.. ومفادها أن هناك أناس كثر فقراء لو عاشوا نفس الحياة التي يعيشها الأغنياء سيحققون نفس النجاح ويمكن أكثر

 

الحركة التي تم الحديث عنها في بداية المقال فكان هدفها محاربة الجوع والوقوف مع الفقراء والمشردين.. وهذا هو هدف Us نفسه

بالطبع الهدف الأساسي للسينما هو الترفيه عن الناس وجعلهم أكثر إنسانية.. جوردان بييل يحاول تحقيق ذلك.