Mulan.. أميرة "ديزني" التي لا تنتظر فارس الأحلام!

تعود أسطورة "مولان" إلى شاشة السينما في زمن يعلو صوت الحركات النسوية المدافعة عن المرأة. هى واحدة من أميرات "ديزني"، لكنها على عكس الأخريات لا تنتظر فارس الأحلام ليُنقذها؛ فهى الفارسة التي أنقذت وطنها من الغزاة..تُمثل الخلفية الثقافية لشخصية الأميرة الصينية كل ما يثير الضجيج حول حقوق المرأة، وحول اضطهادها بالعادات والتقاليد التي لا ترى الأنثى إلا زوجة تابعة للرجل، ولا مكان لها في ساحة القتال، وفي عالم "مولان" تتعرض المرأة المتمردة على تلك التقاليد إلى القتل، أو النبذ على أقل تقدير. ربما يكون زمن الحدوتة قديماً للغاية، ولكنه بعيون معاصرة ينضم –بقصد أو بدون قصد- إلى الجدل حول حقوق المرأة؛ ففي عدد من الدول تشارك المرأة في القتال داخل صفوف الجيوش؛ ولذا تبدو حكاية "مولان" جزء من فولكلور رجعي بعيون وثقافة هوليوود.

حواديت "ديزني" عن النسوية!

تيمة الفتاة التي تُقاوم التقاليد التي تمنعها من القيام بأعمال يحتكرها الرجال قديمة في الدراما، وقدمتها السينما المصرية الكلاسيكية في أعمال مثل "للرجال فقط"، إنتاج 1964، وفي الفيلم الذي كتبه وأخرجه "عز الدين ذو الفقار" تتنكر "نادية لطفي" و"سعاد حسني" بهيئتى رجلين؛ للعمل وسط مجموعة رجال يعملون في موقع كشف بترولي في الصحراء، ولكن "مولان" تتصدى لعمل أكثر صعوبة، وهو التنكر في هيئة جندي يحارب جيش الغزاة، وتعود أصول حكاية "مولان" إلى قصيدة صينية قديمة، ويُقال أنها حكاية حدثت بالفعل، وتحكى القصيدة عن فتاة تنكرت في زى جندي؛ لتلتحق بالجيش بدلاً من والدها العجوز، وفي روايات أخرى بدلاً من شقيقها الطفل الصغير، وكانت الصين تتعرض لهجمات الغزاة، وطلب الإمبراطور مقاتلاً من كل عائلة، وتبرع "مولان" في القتال حتى يتم كشف هويتها ويطردها قائدها رغم إعجابه بمهارتها وشجاعتها، ولكنه يرى أنها كذبت وتخلت عن صفة أصيلة للمقاتل وهى "الصدق"، لكن "مولان" تعود لتنقذ الإمبراطور من مؤامرة تهدد حياته، وترفض المنصب الكبير الذي عرضه عليها إمتناناً لإنقاذه، وتطلب حصان لتعود به إلى منزلها، وبشكل عام تتفق القصيدة –تقريباً- مع نسخة "ديزني" الأولى، التى قدمتها في فيلم رسوم متحركة عام 1998، وتختلف أيضاً مع النسخة الأخيرة، التي عرضتها مؤخراً في السينما وعلى منصتها؛ فنهاية أسطورة "مولان" في القصيدة مأساوية للغاية؛ فبعد عودتها من الحرب تجد والدها قد مات ووالدتها تزوجت رجل أخر، ويرسل الأمبراطور في طلبها لتكون محظيته، وتزداد الضغوط عليها حتى تقتل نفسها. 

مولان

النسخة الجادة من الحكاية

تقف نسخة "ديزني" الأخيرة للمخرجة "نيكي كارو" في مكان وسط بين قتامة القصيدة ومرح فيلم الأنيمشن، ومعالجة القصة في النسخة الجديدة تميل لنزع أغلب عناصر الكوميديا والخفة التي تميزت بها نسخة الرسوم المتحركة؛ فنحن أمام فيلم أكشن باهظ التكاليف، يعتمد على الإبهار البصري للمعارك التي تدور في الجبال والغابات خارج المدينة، والعمل يفتقر إلي التفاصيل الدرامية الإنسانية العميقة، وربما يفتقد خفة ظل شخصيات التنين الصغير وزملاء "مولان" من فيلم الأنيمشن.

تتركز معاناة "مولان" الرئيسية في أنها تحاول إخفاء مظاهر براعتها في القتال والمبارزة والمطاردة؛ لأن تلك الصفات الذكورية تخصم من أنوثتها، وتصد عنها العرسان، وتجلب لها ولعائلتها المُحافظة العار، حسب التقاليد الصينية القديمة، ولكن "مولان" التي تجسد شخصيتها "ليو يي فاي" تقرر التضحية من أجل الأب، المُقاتل السابق، الذي يُعاني من إصابة حرب في ساقه، وهذا جزء من شخصية "مولان" الشُجاعة، المُستقلة، التي تتخذ قرارات جريئة تُعرضها للخطر؛ فهى ترى نفسها مسؤولة عن أب مريض، وأم طيية تُقدس التقاليد، وشقيقة صغيرة تخاف من العناكب، ولا يُمكن أن نرى ذلك بمعزل عن شخصية "مولان" التي تتصرف كالصبيان، وتكتم رفضها للتقاليد حفاظاً على صورة عائلتها وسط الناس، والمكافاة التى تحصل عليها في النهاية هى اعتراف المجتمع بشجاعتها وبطولتها، وتباهي عائلتها بما فعلته بدلاً من نبذها والتبرؤ منها. 

صُنع في الصين

الفيلم ربما يُخيب آمال عًشاق النسخة الأنيمشن، ولكن هل هذا يعني أن المعالجة الجديدة سيئة تماماً؟ الإجابة ليست سهلة لأن الفيلم كان محاولة لتقديم الحكاية بصورة أكثر جدية وقتامة من النسخة الوردية المرحة، وهذا أمر مشروع، ولكن نتيجته لم تكن مثالية؛ فالعمل الجديد لم يكن بأصالة العمل الأول، ولم يكن أكثر من فيلم أكشن وفنون قتالية مُسلي، ووسائله الدرامية هشة ورسائله الإنسانية مباشرة، ورغم أنه إختار تقديم الحكاية فى إطار ذاتي يًسلط الضوء على أزمة "مولان" مع شخصيتها المختلفة، وصراعها مع حقيقتها وقيود العادات والتقاليد، لكن شخصية "مولان" كانت قوية وتمتلك البراعة القتالية الفائقة منذ طفولتها، ولهذا لم تتطور درامياً كثيراً خلال أحداث الفيلم، وشخصية الساحرة الشريرة التي تقدم الجانب المقابل لشخصية "مولان" الطيبة لم تُضف الكثير للصراع، سوى بعض الصعوبات للبطلة، والنهاية الطفولية الخفيفة أهدرت المعالجة الدرامية الواعدة للشخصية والقصة والصراع بين الخير والشر، وحتى ظهور بطلا الفنون القتالية "جيت لي" و" دوني ين" لم يتم إستغلاله في الفيلم. 

حدوتة "مولان" في نسختها الواقعية أقل جاذبية، والسرد باستثناء الثلث الأول في الفيلم كان مُشتتاً ويفتقد تصوير مشاعر الشخصيات بشكل يصنع علاقة مع المتفرج، وهو رغم جديته كان مُشتتاً وحرص على تقديم معارك عنيفة بلا نقطة دم، وصراع مع تقاليد راسخة ينتهي بحلول مباشرة، ودون مُمانعة تُذكر، وعلى المستوى البصري الفيلم مُخلص لتفاصيل الثقافة الصينية الشعبية القديمة، وقدم شكلاً بصرياً ممتعاً من خلال المؤثرات البصرية والألوان والأزياء والموسيقى ومشاهد المعارك.