رؤية نقدية ـ Dumbo‏.. فيلم عن قيمة العائلة والحرية‏

الفيلم الطويل الرابع فى تاريخ شركة ديزني " Dumbo" يصيبه الدور ليتحول من الرسوم المتحركة إلى الصورة الحية بعد 78 عام من طرحه فى دور العرض، ما بين هذه الأعوام وتغير التفاصيل على المستويات المادية والإجتماعية والسياسية، ماديًا تحولت ديزنى لكيان عالمي عملاق على عكس ما كانته وقت إنتاج نفس الفيلم وقتها.

 الآن تمتلك الشركة عالمها الخاص وشركات فرعية تستحوذ على إنتاج مناطق جغرافية واسعة على المستوى التجارى الإنتاجي وعلى مستوى المشاريع السينمائية، الآن تشهد انطلاقة ثانية بمشروع طموح لتحويل أفلام الرسوم المتحركة الخاصة بهم إلى صورة حية بدأتها عام 1994 بفيلم The Jungle Book ثم بعده بعامين 101 Dalmatians الذى انتجت له الشركة جزء جديد عام 2000 بعنوان 102 Dalmatians، ليتوقف المشروع لمدة 8 سنوات قبل العودة بالتحضير لإعادة انتاج شخصية آليس من كتاب الحكايات الشهير "آليس فى بلاد العجائب"، والذى تحول لنسخة تحمل بصمة عالم المخرج تيم بيرتون من هذه النقطة تحول المشروع من مجرد إعادة تحويل لأفلام رسوم متحركة قديمة لما هو أقرب لعصرنة ما قدمته "ديزنى" فى الماضي  بمقاييس العصر وقتها، لذلك تبدو الأفلام الجديدة أكثر نضجًا تعبر عن واقع حالي بمشكلاته وتفاصيله.

المشروع الآن يسير بخطى ثابتة ومواعيد معلنة لمعظم أفلامه المقبلة، عودة  Dumbo  هى الحادية عشر فى مشروع "ديزنى" ويحمل نفس سمات وشكل الأفلام التى بدأ طرحها منذ عام 2010 من حيث مناقشة القضايا التى تثير العالم الآن وعلى رأسها الحريات والبحث عن الأصالة فى مواجهة الحداثة المعتمدة على الإبهار لغرض تضخيم تأثير الأنماط الاستهلاكية، الأمر الذى يتضح بالمقارنة بالفيلم الأصلي الذى سنجد أننا أمام مغامرة موجهه للأطفال بأسلوب تربوى من خلال تصرفات وسلوك الفيل الصغير دامبو بين الخطأ والصواب ومن خلال التفاعل والنتائج المبنية على هذه التصرفات يقيم الأطفال ما فعله دامبو، حتى فى إختيار صديق الفيل وقتها الذى يقوده فى رحلته كان فأرًا، خلافًا للشائع أن الفيلة تخاف من الفئران.

Dumbo

فيلم الأربعينايت على المقاييس الحالية يبدو ساذجًا وحالم ويعيش فى الذاكرة كنوع من الحنين إلى الماضى ليس إلا، لكنه بالتأكيد لا يحمل نفس التأثير الذى حمله وقت عرضه، وبالتالي لم تعد التفاصيل الأساسية موجودة وتحولت أكثر للتعامل مع الترابط الأسري، الحرية، الشغف، العلم وكلها رؤوس لقضايا وإشكاليات برزت بعد مرور هذه السنوات من الفيلم الأول بسبب عجلة التطور التى دارت بسرعة جنونية فى السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية.

مخرج النسخة المعاد إنتاجها من الفيلم هو تيم بيرتون وهو أيضًا من قام بإخراج أول أفلام الإنطلاقة الثانية لمشروع "ديزنى" عن الفتاة أليس التى تخوض مغامراتها فى عالم خيالى مواز للواقع، وربما رؤيته فى أفلامه التى تحمل مسحة سوداوية وفارق الزمن جعلته يعتمد بشكل ضعيف على القصة الأصلية لأليس التى ألفها لويس كارول فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ويقدم هو رؤية مختلفة يبدو فيها الشر أكثر منطقية ويعتمد على أسباب قوية فى حقده وصراعه مع الخير، هذه الرؤية عُممت فى أفلام ديزني التالية التى حملت رؤية مختلفة حتى للشخصيات الشريرة، أبرزها شخصية ملافيسنت الساحرة الشريرة من فيلم Sleeping Beauty التى تبنى الفيلم الذى يحمل اسمها وجهة نظرها من القصة ومن المقرر أن يتبع بجزء ثان فى أكتوبر المقبل.

لقطة من Dumbo

  فيلم Dumbo مختلف قليلاً لا يحمل نفس المسحة السوداوية لكنه بالتأكيد يحمل بصمة عالم بيرتون فى تصميم الإنتاج ورؤيته للواقع التي تحمل ترجمة مختلفة، وكالعادة ابتعد عن الفيلم الأساسي وصنع أشراره وأخياره كما يرى هو، لم يركز على دامبو الفيل الطائر قدر ما ركز على العائلة الصغيرة التي تعمل فى السيرك، الأم والأب بطلان استعراضيان للروديو لكن الحرب من جانب وما يتبعها من فقر بسبب تردى الحالة الاقتصادية من جانب آخر أدت إلى وفاة الأم وعودة الأب هولت (كولين فاريل) من الحرب وذراعه مقطوعه وهو يرى تفوقه فى خلفية الماضى التي تزين حجرته وواقعه أقل مما اعتاد بالإضافة لمسئولية ابنته وابنه، وعلى مستوى أكبر هناك ماكس مديتشى "داني ديفيتو" مالك سيرك الأخوين مديتشى الذى هو فى الحقيقة بلا أخ، بل هو مجرد شخص وحيد والسيرك هو عائلته.

فيلم Dumbo

الرحلة تتضمن إعادة إكتشاف لمفاهيم الحرية، دامبو الذى يفتقد والدته والتى ابتعدت عنه بسبب حمايتها له، صور دامبو فى إعلانات السيرك تبدو وكأنها إعلانات البحث عن المجرمين أو ملصقات الثورات فى أفلام الديستوبيا لما يمثله دامبو باعتباره رمز للحرية، التى تتخطى المفهوم القاصر الذى صدره فيلم الرسوم المتحركة فى أربعينيات القرن الماضي وهو الحبس فى القفص، لذلك نسخة بيرتون لم تعتمد على دامبو فى الأحداث كشخص رئيسى هو عامل محفز، العنصر الأساسى هو العائلة وتكاتفها مع بعضها البعض، لذلك لم تتصدر فكرة الهروب من القفص لنيل الحرية المشاهد فى الفيلم قدر ما كانت الهروب من القفص المعنوي الذي يحيط بحياة البشر. الأمر الذى يضع الأصالة الممثلة فى سيرك الأخوين مديتيشى بكل فوضويته فى مقابل فاندرفير "مايكل كيتون"، صاحب مدينة الملاهى العملاقة التى تعد التطور الأحدث للسيرك والمميكنة بالكامل والمصنوعة بهدف استهلاك زوارها وليس امتاعهم وتسليتهم.

فيلم Dumbo

التحول الأهم فى أفلام ديزني تحديدًا فى مرحلة التحول الثانية التى بدأت بفيلم بيرتون هو اهتمامها بأن تكون الأفلام موجهة للكبار والمراهقين أيضًا، ليس فقط الأطفال، لذلك تحمل الأفلام الأحدث عدة مستويات للقراءة تستطيع التعامل معها ومحاولة تفسيرها على قدر الاستيعاب والمعلومات المتاحة، لا تحمل من الماضى سوى الشخصيات والخطوط الرئيسية لكن طريقة السرد وطبيعة هذه الشخصيات تتحول مع تحول الرؤى واختلاف الواقع وقضاياه.