رؤية نقدية ـ "كازبلانكا" ‏Vs‏ ‏John Wick 3"‎"‏.. تقارب شكلي وتفاوت فني‏

السينمائيون كالرياضيين، الاستمرار عندهم يعنى التحدي، ومحاولة رفع سقف التحدي دائمًا، كلما وصل أحدهم لمستوي تلقائيًا يرتفع التحدي لمستوي جديد، الرغبة فى التطوير وخوض مساحات جديدة هي الدافع عند الصناع وهي المؤشر على تفردهم، الصدفة وحدها هي ما جمعت عرض فيلمين فى نفس التوقيتـ على اتفاقهما في  الكثير من التفاصيل لكنهما فى الوقت ذاته متباعدين في القيمة الفنية، وجود الفيلمين إلى جانب بعضهما البعض جعل المقارنة بينهما أمر واجب، "كازبلانكا" ومخرجه بيتر ميمي والجزء الثالث من سلسلة أفلام John Wick   الذى يحمل عنوان Parabellum ومخرجه تشاد ستاهلسكي.

فكرة أن تدخل أحد الفيلمين وتخرج من قاعة السينما لأخرى تعرض الثاني هي فكرة قاتلة وستجعل أي مشاهد يتيقن أن صناعة السينما فى مصر مدمرة كل اهتمامها هو نقاء الصورة المعروضة  فقط والاهتمام بالعناصر الأخرى غير موجود، متابعة مسيرة المخرجين تشاد وبيتر –إذا جازت المقارنة- سنجد ان خبرة كلاً منهما قادمة من مجال مختلف، فبينما يأتي تشاد من خلفية فنون القتال ليتحول إلى مؤدي مشاهد خطرة ومخرج معارك بينما يأتي ميمي من خلفية طبية بعد دراسة وممارسة ليتحول إلى مخرج مقلد لأشهر الانتاجات العالمية الحديثة والشهيرة من الأفلام والتي يحرص دائمًا ان يربطها بـ هاش تاج "سنغزو العالم"، أي اننا من البداية أمام مخرج عالمي لا يدعي ذلك ومخرج مقلد يدعي العالمية والاجادة وما بينهما فارق بعرض المحيط الهادي.

تشاد بالطبع صنع النجاح الساحق من العدم، بداية السلسلة مع الجزء الأول لم تكن تتعدي فيلم حركة قصته شديدة التقليدية عن قاتل محترف متقاعد يدفعه شاب أهوج كل مقوماته فى الحياة كونه نجل زعيم عائلة إجرامية إلى لعبة الانتقام ويبيد العصابة بكاملها ومع النجاح الذى حققه الفيلم عالميًا من 30 مليون دولار ميزانية إنتاج إلى إيرادات عالمية بلغت 88 مليون دولار ليبدأ الثلاثي تشاد وصانع السلسلة الآن والسيناريست وقتها في 2014  ديريك كولستاد والبطل كيانو ريفز ومعهم الشركة المنتجة "سوميت" إلى التطوير ليتحول من مجرد فيلم حركة تميزه نابع من كونه " Neo-noir" إلى مشروع ثلاثية تحمل بعدين فلسفي واجتماعي ظاهرين دون أن تفقد حيويتها ولا انتمائها لنوعها الأساسي وهو الحركة.

John Wick

بذل الجميع جهدهم ليتحول الفيلم إلى ثلاثية ثم سلسلة، ريفز تدرب على استعمال الأسلحة والاشتباك بالأيدي لأشهر استعدًادا للتصوير، ومع النجاح الأكبر الذى حققه الجزء الثالث يعلو سقف الثلاثي حيث أن الجزء الرابع من المقرر عرضه عام 2021 مع أفكار طموحة بإنتاج فيلم منفصل قابل للتحول إلى سلسلة بدوره، أحداثه فى نفس العالم لكن الشخصية الرئيسية نسائية، بالإضافة لإمكانية استغلال فيلم آخر مقارب ينتمى للحركة والـ"نيو نوار" بطولة تشارليز ثيرون بعنوان Atomic Blond والفكرة تتلخص فى الجمع بين الشخصيتين فى فيلم واحد بخلاف وجود مشروع لمسلسل يركز على فندق "كونتيننتال" الموجود في السلسلة.

على الجانب الآخر "كازبلانكا" هو فيلم يملك إمكانيات لكن صناعه لا ينظرون إلا تحت أقدامهم فقط، قدرتهم الفعلية على التطوير "صفر" وأي محاولة لاستغلال نجاح الفيلم لن تسير فى طريق مختلف عن ما حدث فى مسلسل "كلبش" المقرر عرض جزئه الرابع العام المقبل بإصرار من الثلاثي ميمي وأمير كراره وباهر دويدار السيناريست، لا يفرق المخرج الطبيب بين استغلال النجاح  واجترار النجاح، كونه يمتلك القدرة الإنتاجية ونجم الشباك والممثلين وخبير المعارك والمطاردات الأجنبي والموسيقار وضيوف الشرف والنجم التركي والتصوير فى المغرب ويخرج فى النهاية فيلم فنيًا ضعيف ويدعي النجاح والعالمية فهو أمر يوضح إلى حد كبير قدراته كمبدع.

فيلم كازبلانكا

مقارنة بفريق عمل John Wick الذى سعي لتطوير وإكساب المشروع وأفلامه ثقل مستمر وممتد، يبحث الثنائي بيتر وأمير عن أقصى استغلال مادي ممكن –فإيرادات شباك التذاكر هي المقياس الوحيد والمعتمد للنجاح عندهما- لشخصية ميمي الرايق التي قدمها الثاني فى مسلسل "طرف تالت" عام 2012 ويُعاد احياءها مرة جديدة فى "كازابلانكا" مرورًا بعده مسلسلات سابقة وشخصية سليم الأنصاري الوجه المقابل للرايق والتي اعيد تدويرها فى "حرب كرموز" عام 2018 ، فقدرات أمير المحدودة كممثل لا تسمح الا بهاذين الطيفين الباهتين للشقى والضابط والسنوات القليلة الماضية أفضل اثبات على ذلك وليس لدي بيتر سوي الإنتاج الهوليوودي الحديث الذى يقلد بدقه تكوينات مشاهده واحداثه.

التعامل مع ضيوف الشرف أو أصحاب الظهور الخاص فى الفيلمين يمكن الاعتماد عليه كمثال لتوضيح الفارق بينهما، كلا الفيلمين يحظى بميزانية ضخمة مقارنة بنوعه لكن رؤية المخرج وصياغته البصرية تغير الكثير من التفاصيل، فى Parabellum تظهر صوفيا (هالي بيري) فى مشاهد متتابعة تمثل جزء من رحلة جون التي بدأت انتقامية فى الجزء الأول وتلقى بظلال على ماهية الإنسان وصراعة مع القدر والمستحيل فى الجزء الثالث الذى تحول كل شيء من خلاله إلى رمز، هناك قواعد يجب ألا تخترق، شرف وتقديس للوعود، الوشوم والسلاسل والعملات لها قوة فى هذا العالم، الكلاب مثلا لا يجوز المساس بها وتقوم الحروب فقط للدفاع عنها، صوفيا  وباوري كينج (لورانس فيشبورن) اصحاب ظهور خاص ما تمثله الأولى هو الصداقة والوفاء بالدين والثاني يمثل القوة اللامحدودة القادمة من العالم السفلى للجريمة، فلو افترضنا أن عالم جون ويك هو عالم موازي يعيش فيه المجرمين بدرجات بالشكل الذى يصور عالم سفلى فى حد ذاته فباوري هو ملك العالم السفلى للعالم السفلى.

أحمد فهمي في "كازبلانكا"

استغلال هاتين الشخصيتين فى الفيلم نموذج للنجاح، هالي يمكن اعتبارها وحدة مستقلة داخل الفيلم، جزء من الرحلة لكنه شبه متكامل له بداية ووسط ونهاية، فيلم قصير مستقل بدأ بمعركة محدودة تدلل على مدي سيطرة صوفيا على منطقتها ثم حوار ثنائي يكشف تاريخ البطل الرئيسي جون مع الشخصية الفرعية ويرسم أبعاد المشكلة الأولى والوصول للحل ثم الثانية والوصول للذروة بمعركة كبيرة تنفيذها لا يمكن وصفه إلا بالمذهل خاصه وأنها تدور فى كازبلانكا أو الدار البيضاء المدينة العامرة والملاذ الآمن، توظيف الصورة الذهنية للمدينة التى كانت تعد واحة تستريح فيها الأطراف المتحاربة اثناء الحرب العالمية الثانية وإضافة لمسة سحر الشرق فى أفريقيا من خلال كون المدينة بوابة للصحراء التى يمثل سير البطل فيها تطهر واختبار قبل مقابلة رؤساء المنظمة، دخلت صوفيا بمنتهى السلاسة وخرجت بمنتهى الزخم وقد قمت الشخصية المطلوبة منها كما الحال فى السناريو ودفعت البطل خطوة للأمام دون أن نشعر انها مقحمة أو حتى وجودها فى اقصي شمال غرب افريقيا مفارقة غريبة.

فيلم John Wick

الصدفة وضعت نيللي كريم من "كازابلانكا" في مقارنة مع هالي بيرى من John Wick، بمبة تعرفنا عليها من خلال حوار جانبي مقتضب بين عمر المر (امير كراره) ورشيد (إياد نصار)، وجودها صدفة غير مبررة بكل تأكيد فى الفيلم، كما الحال مع الحوار بينها وبين عمر الذى جعلها بشكل ما تخاطر بكل شيء بعد جملتين فقط وقبل أن يستطيع اكمالهما، بالطبع لياقة نيللى وأدائها لمشاهد الحركة كانت مقنعة ولا غبار عليها لكن رسم الشخصية فى سياق الأحداث هو السيء وتقديمها أسوأ، وبالطبع المقارنة بين معركة البار فى الفيلمين وعلى وجود كلاهما فى كازابلانكا لا يحتاج إلي شرح ففي الفيلم الذى يحمل اسم المدينة –لا نعرف تحديدًا التسمية سببها المدينة التي تدور بها الأحداث أو السفينة التي تحمل نفس العنوان- لا تظهر ملامحها والحاجه لتواجد الأبطال فيها غير مهمة وغير مبررة ووجودهم فى أي مدينة أخري لن يغير من الأمر فى شيء بينما الفيلم الذى لا يركز على المدينة من قريب أو من بعيد استغل كل تفصيله ليصنع وحدة مستقلة استغل فيها الصورة الذهنية للمدينة عند المشاهد والأجواء الشرقية لدول شمال أفريقيا والغموض النابع من اختلاف الثقافات، بينما صانع الفيلم الأقرب لثقافة المغرب صورها كمدينة بلاستيكية بلا حضارة تبدو وكأنها ديكور معاصر لمدينة نيويورك مصنوع ليوفر على فريق العمل السفر إلى هناك.

بالطبع فيشبورن فى مقارنة مع الخواجة (خالد ارجنتش) كلاهما ملوك للعالم السفلي، فى John Wick تُستغل الشخصية لتكون الجسر الذى يمهد إلى الجزء الرابع بينما ينحصر دور الخواجة  فى كونه الـ "ساند باج" المخصص من أموال إنتاج الفيلم ليضربه ويتفوق عليه أمير كراره، كما كان الحال مع سكوت إدكنز فى "حرب كرموز"، وجود أي شخص غيره ولو كان كومبارس صامت لن يفرق كثيرًا فالشخصية لا تحتاج لكل هذا القدر من الأداء التمثيلي ليحضر لها مخصوص ممثل تركي شهير محترف بالتأكيد سيكون بقدراته التمثيلية اصلح وأكثر اقناعًا فى شخصية عمر المر من كراره نفسه، لا مجال للحديث عن موسيقى أمين بو حافه ولا رؤيته لأنها لم تتواجد فى الفيلم من الأساس كعنصر فني فى مقابل الموسيقى التصويرية المبهرة فى John Wick لتايلر بيتس وجويل ريتشارد وواحد من أفضل الاستخدامات السينمائية لمقطوعة كلاسيكية فى فيلم من خلال توظيف كونشرتو الشتاء لفيفالدي فى المعركة الكبرى قرب نهاية الفيلم، لا مجال طبعًا لذكر أسوأ تعليق صوتي حدث فى فيلم لدرجة أنه يغطي على فشل ياسمين صبري فى تعليقها الصوتي بمسلسل "حكايتى" فإلى جانب كون الصوت بلا أداء من قبل صاحبه "أحمد فهمي" إلا أنه كان ضعيفًا يمكن تميزه بصعوبة وسط طوفان المؤثرات الصوتية.