المبدعة السعودية دانية الصالح لـ"هي": الأبجدية العربية قادرة على التعبير عن مؤلفات أدبية معقدة

دبي: لمى الشتري Lama ALShtery

تصوير: "آندرو هايلز" Andrew Hile

دانية الصالح فنانة سعودية موهوبة حازت جائزة إثراء للفنون هذا العام في دورتها الثانية. وهي مباردة أطلقها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي بالشراكة مع آرت دبي لدعم وتحفيز المواهب السعودية الشابة في مجال الفنون المعاصرة، وتوفير منصة للمجتمع الفني السعودي، لإيصال إبداعاته إلى المحافل العالمية. كان لنا هذا اللقاء الممتع مع دانية الصالح خلال فعاليات آرت دبي 2019.

حدثينا عن العمل الفني الذي نال جائزة مركز إثراء، وشاركت فيه ضمن معرض آرت دبي؟
أطلقت على هذا العمل الفني اسم "صوتم"، وهو لفظ يرمز إلى أصوات الأحرف ومخارجها من الحنجرة. يدور هذا العمل حول الحروف الأبجدية في اللغة العربية، والتي نستخدمها يوميا وبشكل عفوي للتواصل والنقاش والتفاهم والخلاف من دون أن نعي أصلها. أصل هذه الحروف هو مخارج 28 حرفا فقط لا غير، هذه المخارج المحدودة لديها القوة الكافية لكي تعزز التواصل بين البشر، وتكوّن مؤلفات الأدب العربي الذي صدرت والذي لم تصدر حتى الآن. لذا، أعدت عبر هذا العمل الأحرف إلى أصولها لكي أبين أنها على الرغم من بساطتها قادرة على التعبير عن مؤلفات أدبية معقدة.
كيف كان الدمج في عملك الفني بين أصالة حروف اللغة العربية والأسلوب العصري في تصميمه؟
استخدمت البرمجة في إنتاج هذا العمل. صممت برنامجا بسيطا لإنتاج هذه الأشكال العبثية من الخطوط والتي تتمثل في 28 خطا مضاعفة. ومن ثم عمدت إلى تسجيل صوتي لكل مخرج حرف، وبعد ذلك لجأت إلى دمجها مع البرنامج. لا ننسى طبعا أن الأحرف الأبجدية تعتمد كثيرا في صوتها ونطقها على التشكيل. استخدمت من التشكيل الفتحة التي هي أصل الكلم (فَعَلَ)، أي أن الأصوات التي اخترتها كانت (أَ) (بَ) (تَ) وهكذا. تظهر هذه الخطوط في دوران مستمر، ولا تهتز إلا بالصوت. أقرب تشبيه لفكرة العمل هي "أجراس الرياح" Wind Chimes التي تهتز لتطلق أصواتها عند تعرضها للهواء.
كيف دخلت عالم الفنون؟
تخرجت في جامعة الملك سعود بالرياض قسم تطبيقات الحاسب الآلي، وذلك بحكم دراستي العلمية في المرحلة الثانوية. أما القصة المعهودة التي قد يرويها لك أي فنان، فهي وجود الميول الفنية منذ الصغر. كان لدي اهتمام بالرسم والخربشة، إلا أن نقطة التحول كانت عندما انتقلت إلى جدة؛ حيث التحقت بدار صفية بن زقر، وحرصت على الانضمام إلى دورات عديدة ومكثفة في الرسم. هذه الدروس فتحت لي أبوابا متفرقة في عالم الخيال. وجدت نفسي في هذا المجال، ولم أعد أرغب في أي شيء عدا الرسم؛ شعرت بمتعة كبيرة في استخدام يدي بالعمل وصنع الأشياء. كنت أيضا أمارس الرسم على البورسلان. وبعد سنوات عديدة من تلقي الدورس والدورات في الرسم داخل المملكة وخارجها، بدأت تنفيذ أعمال فنية صغيرة ومنوعة خاصة بي، عُرضت في مكان ما في جدة، ونالت استحسانا وإقبالا من الزوار ومتذوقي الفنون. ومن ثم تكررت تجربة عرض الأعمال ولاقت رواجا أكبر. كنت من أوائل المشاركين في مبادرة فن جدة 21،39 منذ النسخة الأولى لها. ومن هناك كانت الانطلاقة الحقيقية، حيث قررت أن أتفرغ للفنون بشكل كامل لتكون مهنتي.

كيف عملتِ على صقل إمكانياتك في عالم الفن لكي تنتجي عملا فنيا بمثل هذا المفهوم المتطور الذي نراه اليوم؟
بعد أن اتخذت قرار التفرغ بشكل لصنع الأعمال الفنية، انتقلت إلى لندن، وأسست هناك استديو فنون الخاص بي. أما النقلة النوعية في الفنون من الرسم على الورق والألوان والبورسلان إلى أعمال تقنية متطورة، فقد كانت نتيجة التحاقي بدراسة الماجستير في تخصص الفنون الحاسوبية Computational Art والذي ما زلت أدرسه في Goldsmiths, University of London . هذا التخصص مصمم للفنانين من جميع الفئات، سواء في مجال الموسيقى أو التمثيل أو الرسم لتعليمهم حرفة البرمجة Coding وكيفية تطويعها لدعم الفنون عبر دمجها مع الأفكار الإبداعية من وجهة نظر الفنان. هي دراسة تتحول فيها فرشاة الرسم إلى أدوات برمجية واللوحة القماشية إلى شاشة حاسوب.
أين ترين نفسك في المستقبل؟
بتوفيق من الله ومن ثم الدعم الرهيب من الأهل والأصدقاء أتمتع اليوم بحمد الله بوجودي في مكانة جيدة في عالم الفن. لدي الكثير من المشاريع في الأفق بمشيئة الله.
كيف أسهم السفر وانتقالك من الرياض إلى جدة ومن ثم لندن في تكوين هويتك الفنية؟
الحقيقة هي أن الانتقال بحد ذاته مرحلة تتضمن الكثير من التحديات والصعوبات. ولو كان هذا السؤال قد طُرح عليّ حينها لكان ردي بأني نادمة على القرار! ولكني أدرك الآن تماما بأن التغيير لا يأتي بشكل سهل على الإطلاق. وإذا أراد الإنسان أن يتطور نحو الأفضل فلا بد له أن يتقبل المرور بالتغيير الصعب لكي يصل إلى هدفه. أكسبتني التحديات مناعة كبيرة ومرونة لمواجهة أي صعوبات تعترض طريقي، كما شكلت دافعا لي للخروج عن منطقة الأمان والراحة التي يميل الإنسان إلى الركود فيها، وهو ما يجعله يفقد إلى حد ما حس المغامرة الممتع. لا بد لنا أن نتحدى قدراتنا بشكل مستمر لكي نتغير ونتطور ونصبح أفضل ما يمكن أن نكون عليه.
كيف تصفين تجربة فوزك بجائزة إثراء للفنون ومشاركتك في معرض آرت دبي؟
تجربة رائعة! أحاول أن أتشبع بتفاصيلها الجميلة، لأنها لن تتكرر مرة أخرى، ولذا نفضت عني التردد والخجل، وقررت أن أخوضها بثقة وأواجهها بصلابة، فأنا على يقين بأن الله سوف يكتب لي الخير أينما كنت.
هل من كلمة أخيرة تودين إضافتها؟
أود أن أشكر "إثراء"، مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي لإتاحة هذه الفرصة الرائعة لمشاركة عملي الفني خلال معرض آرت دبي. أود أيضا أن أشكر أهلى وأصدقائي على دعمم الدائم والمستمر لي.