التشكيلية السعودية وداد البكر لـ"هي": تحديات كثيرة أكسبت المرأة السعودية القوة

الفنانة التشكيلية السعودية وداد البكر شخصية تنبض بحب الحياة وعشق الألوان، شعورها القوي بذاتها وبمن حولها جعلها تبدع في عالم الفن التشكيلي منذ نعومة أظفارها. تؤمن بأن التحديات تصقل شخصية الإنسان وتجعله أقوى، ولذا فهي في تحدٍّ دائم مع نفسها لكي تظهر أفضل ما لديها. وداد البكر عاشقة للخليج العربي وتراثه وحضارته والمواهب الزاخرة فيه؛ كما أنها على تواصل وجداني فاعل مع العالم الكبير والقضايا الإنسانية من حولها. تعرفوا إلى وداد البكر من خلال لقائنا معها عبر صفحات مجلة "هي".

- كيف بدأت علاقتك بعالم الفن التشكيلي؟

بدأت علاقتي بالفن التشكيلي منذ صغري، فقد كنت أرسم البيوت التراثية باللون الأزرق وتدرجاته بدلا من اللون البني، فخالفت بذلك الواقع والمألوف، وحدها معلمة الرسم من احتفى بزرقة بيوتي الصغيرة، فكفاني ذاك التشجيع عن انتقادات الغير. ومن بيوتي الزرقاء استمددت ثقتي باختلافي. وعلى الرغم من أني تخصصت في اللغة العربية وآدابها وبالتربية، وأكملت ساعات الماجستير في الشعر العربي، إلا أني اتبعت شغفي ودرست الفن لمدة ثلاث سنوات، وحصلت على دبلوم في التصميم والألوان الزيتية من إنجلترا، فكانت البداية.

- كيف يعبر الرسم عن أفكارك ومشاعرك؟

نحن دائما نعبر عن أفكارنا ومشاعرنا حين نُبدع بأي مجال فني، فالإبداع بكل أشكاله حالة متواصلة ومستمرة في التعبير عن أحاسيسنا وتجاربنا. الفن هو نتاج تجرية شخصية فريدة، شيء منك، من روحك قد يصل إلى المتلقي بقوة، وقد لا يُقرأ أو يفهم، فهو غير مطالب بالتبرير. الفن مجمله حب، وقد يكون بحثا عن الحب، نحب الله، نحب خلق الله سبحانه وتعالى، نحب الجمال في كل شيء، هي حالة نعيشها جميعا ونتوق إليها، الفن أحد أنوار الحب، قوته تكمن في أنه يحوّل الخيال إلى حقيقة.

-  كيف تصنفين المشهد الفني التشكيلي في الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص؟

يشهد المشهد الفني التشكيلي طفرة فنية متسارعة في ظل مواقع التواصل الاجتماعي التي تقرب البعيد وتسهم في نشر الخبرات والثقافات المختلفة، ولكن ليس كل ما نراه قويا ويستحق التوقف عنده، إلا أننا ومن خلال ذلك استطعنا التواصل مع الفنانين والفنانات من مختلف أرجاء العالم، وليس من محيطنا العربي فحسب. أما المشهد التشكيلي الفني في الخليج العربي، فيشهد خطوات واثقة سريعة، والأمثلة على ذلك كثيرة. أقدم التحية للكثير من الفنانين والفنانات من خليجنا العربي الحبيب الذين عبروا عن حبهم وفخرهم بتراثهم وحضارتهم عم طريق الفنون الجميلة، لأنني أؤمن بأن الفن هو من أهم طرق التواصل ونقطة مركزية لتعريف العالم بنا وبجمال ثقافاتنا والتي تعكر صفوها بالنظرة العالمية السائدة عنا. فالفن هو نتاج موروث اجتماعي وحضاري تتجسد عن طريقه الهوية الثقافية لأي مجتمع.

-  برأيك ما المشكلات المجتمعية التي تخاطبها لوحاتك الفنية وتحاول معالجتها؟

من منا لا يحزنه الظلم بأي شكل! أنا منحازة للقضايا العادلة، للحب والسلام؛ رسمت عن فلسطين، العراق وأفغانستان سابقا، في مرسمي، كنت أصور أملا وأرسم نوافذ لغد أجمل. أطمح إلى المزيد من الوعي بأهمية الفن في مجتمعاتنا، لأن ذلك من شأنه أن يرسخ ثقافة احترام وتقدير الاختلافات من حولنا ورفض التطرف والتعصب.

- تتنوع مواد الرسم التي تستخدمينها في أعمالك، ما مواد الرسم الأقرب إلى قلبك؟

الأقرب إلى قلبي الرسم بأوراق الذهب والرسم بالفحم إلى جانب الأكريلك، وآخر أعمالي كانت تجربة جديدة سعدت بها، فقد رسمت على الزجاج للمرة الأولى، وقد عُرضت تجربتي في متحف البحرين الوطني منذ شهرين في إطار النشاطات الثقافية المتجدده هناك.

- ما الذي تحتاج إليه الفنانة التشكيلية السعودية حسب تجربتك ليكون حضورها أقوى؟

منذ سنوات كثيرة والضوء مسلط على المرأة السعودية عالميا، فحضورها قوي شاءت أم أبت، أسئلة كثيرة تدور حولها ؛ هل تبدع؟ هل ترسم؟ هل تقود؟ هل تعمل؟ من هي؟ هل لها صوت؟ وغيرها ذلك. وهناك من الكتاب والمفكرين من انشغل بقضايا المرأة بحثا عن الشهرة فقط. تحديات كثيرة أكسبت المرأة السعودية القوة، فأبدعت في كل المجالات، مشت عكس التيار بخطى موزونة وثابتة لكن بطيئة، فأثبتت تميزها وقدراتها في مجالات كثيرة فنافست نساء العالم.

ما الذي تحتاج إليه ليكون حضورها قويا في الساحة الفنية التشكيلية؟

لا أرى أن الهدف من الفن هوالحضور القوي أو الشهرة فقط. برأيي، حضور المرأة لا بد أن يكون قويا أمام نفسها وموهبتها وتجربتها، حضورها قوي أمام شغفها وأهدافها دون الحاجة إلى إثبات ذلك للناس أو لإعطائها تصريح حضور واعتراف بموهبتها، فإذا آمنت بنفسها حضرت بقوة من دون تعمد ذلك. نعم، شعورنا بالنجاح والإنجاز والعطاء يدعم إنسانيتنا، وسماعنا لكلمات الدعم والتشجيع يطرب قلوبنا ويحفزنا لمزيد من الإنجاز، لكن إذا لم يكن هناك صبر على التحديات ورغبة في المثابرة، وإذا لم ينبع الشغف والتشجيع من قلبك وفكرك ليصل إليك لا يمكن لأحد أن يعطيك إياه، إيمانك بقدراتك ومواهبك سينعكس على الآخرين، هذا هو النجاح.

-  كيف تصفين رحلتك الطويلة في عالم الفن التشكيلي واستكشاف ذاتك منذ انطلاقتك حتى الآن؟

بجملة واحدة: "هكذا نحب فنبدع". من خلال الفن شغفت، تخيلت، فابتكرت، وتواصلي الدائم مع خيالي وأحلامي وأهدافي، فتح لي أبواب العطاء والتعاون والتعارف وتبادل الخبرات عالميا وفي الخليج العربي. الفن تأمّل يقربنا من ذواتنا، وهو شغف، وعطاء وإنجاز. أنا ممتنة لهذه الموهبة التي وهبها لي ربي، فهي بحب الله وبركاته ولطفه تحيطني.

-  كيف عملت على تطوير موهبتك في الرسم؟ وما التحديات التي واجهتك؟

درست، قرأت، التحقت بورش فنية عديدة في أمريكا وكندا، جرّبت، وما زلت أبحث وأتعلم، ولله الحمد والثناء الحسن. يخرج الفن والإبداع من حالة تحرر، أو تحدٍّ أو خوف أو حب، هو تحدٍّ لأنك حين ترسمين فأنت تترجمين خيالك المتفرد الذي يخصك إلى حقيقة، وهذا بحد ذاته تحدٍّ وشجاعة. كذلك الارتباط بزمن معين للإنجاز فيه تحدٍّ، كل هذا تحدٍّ لذيذ يحفز على السير بشجاعة والاستمتاع بالرحلة. من التحديات التي واجهتني أنه لم يكن المشهد الفني ذا حضور قوي ما بين ٢٠٠٠ و ٢٠١٠، لاقت الفنانات التشكيليات آنذاك صعوبة في تقبل المجتمع لظهور المرأة أمام إبداعها، وخاصة أننا في مجتمع ذكوري، آمنّا بقدراتنا بروح الاستمرارية، وسرنا على أمل التغيير والاحتفاء بالفنون والثقافة. وبوادر هذا التغيير أصبحت ملموسة الآن، ولله الحمد.

-  من أين تستلهمين مواضيع لوحاتك؟

من تجارب أو مواقف أثرت فيَّ، وأحيانا أرسم من دون هدف مسبق فتروق لي النتيجة. ما زلت في مرحلة تجريب واكتشاف أبحث عن الجمال في أبسط الأشياء، وما زال قلبي يطرب لشعور أو قصيدة أو موسيقي فأترجم إحساسي على القماش، وهذا بفضل الله وبركاته.

- مَن المبدعون العالميون أو المحليون من مختلف المجالات الذين تلامس أعمالهم قلبك؟

يشدني صدق العمل وقوته أيا كان مبدعه، حين يحاكي العمل قلبك وتشعرين به تلتقي تجربتك أيّا كانت مع تجربة الفنان وإحساسه، فيجري حوار صامت بينك وبين اللوحة، فيحدث التواصل. لا يوجد رسامون يحضرون في أعمالي، وهذا ليس غرورا، فحين أرسم أبتكر من ذاتي لذاتي وأحتفي بالتجربة. لقد أثرى تخصصي في الأدب العربي والشعر تجربتي الفنية، ففي كثير من الأحيان أرسم بناء على بيت شعر أو قصيدة أحببتها، مثال على ذلك مجموعة "لا عرش لي إلا الهوامش" كانت بناء على بيت للشاعر محمود درويش.

- برأيك ما العناصر الأهم لدعم المواهب الشابة في عالم الفن التشكيلي في الخليج العربي؟

إذا أردنا أجيالا مبدعة، مفكرة، وطموحة وليس فقط أدوات وأبواقا لحفظ المعلومات ونسيانها فيما بعد علينا أن ندعم الفنون بكل أشكالها، وندعم الكتابة والخطابة كذلك، ونعزز حضور الفنون الجميلة في المناهج الدراسية في المراحل الدراسية المختلفة .لا بد أن نثري معرفتهم، نثق بهم، نطري ونحتفي بإنجازاتهم، نصحح أخطاءهم بحب واهتمام ونؤمن بأنهم عظماء وقادرون، وهذا التوجه أصبح ملموسا له خطى بطيئة ولكن واعدة.

- ما أهمية الفن التشكيلي في عالمنا الكبير ومجتمعاتنا الصغيرة؟

سؤال كنت أنتظره .منذ سنتين توجهت إلى دعم السلام عن طريق الفنون، وأول مشروع لي بهذا الخصوص كان في الإمارات العربية المتحدة عام ٢٠١٦ برعاية (نادي الابتكار والبحث العلمي) وبالتزامن مع المبادرة العالمية للتسامح التي دشنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لحق ذلك مبادرتي وتنظيمي لمعرض فني في معهد السلام الدولي الذي يعمل عبر الشراكة مع الأمم المتحدة، حيث اخترت مجموعة مبدعة من الخليج والوطن العربي تبرعوا بأعمالهم الفنية للمعهد من أجل السلام. وأنا بصدد المزيد من مشاريع الفن من أجل السلام إن شاء الله بوصفي أول فنانة تشكيلية من الممكلة العربية السعودية ومن دول الخليج العربي الحبيبة تبادر بهذا التوجه النبيل، وكلي فخر ولله الحمد. يقرب الفن وجهات النظر ويفتح المجال للتواصل في مجتمعاتنا الصغيرة، ويسهم في مد جسور التواصل مع العالم.

- ما هوايتك في أوقات الفراغ؟ وكيف تقتطعين لنفسك وقتا وسط خضم التزامات الحياة العملية؟

أحب القراءة والكتابة أحيانا، عملي في مرسمي، حيث أعمل بالتدريس واستضافة فنانين عالميين لإعطاء ورش عمل. ويبقى لفني نصيب الحب والوفرة من وقتي. المرأة عموما لها قدرة جميلة على الموازنة بين جميع مجالات حياتها والتزاماتها، فتبدع وتنجح بفضل الله. من دون ثقافة لا يوجد مجتمع، ومن دون فنون لا توجد ثقافة ولا تواصل بين الحضارات المختلفة، ولن يوجد حتى هذا اللقاء الذي نجريه الآن. الفن لا موطن له ولا لغة ولا دين، موطنه القلب ولغته الشغف والحب.