Olivier Baussan لـ هي: هدفنا إحياء التراث لئلا نتحول إلى أساطير منسية
فرنسا الـ"بروفانس": معالي الغمري MaalyElghamry
"بروفانس" Provence جنوب فرنسا أرض الجمال الطبيعي حيث تمتد السهول والهضاب الخضراء على مدى البصر وتتناثر أشجار الزيتون الفضية وتترامي حقول اللافندر البنفسجية، ويفوح الجو بالنفحات الساحرة لروائح النباتات العطرية، ومنذ سنوات وفي وسط هذه الطبيعة التي تنقلك بعجائب جمالها إلى عالم من الهدوء النفسي والصفاء والنقاء، أنشأ "أوليفيه بوسان" Olivier Baussan مستمدا من ثرائها وغناها، أول شركة لتصنيع منتجات الجمال من مواد طبيعية نقية تماما يدوم أثرها الفعال طويلا وتحمل الروح الحقيقية لهذه المنطقة الساحرة على ضفاف البحر المتوسط.
وهناك وبدعوة من شركته "لاكستان" L’OCCITANE، قابلته في إحدى القرى التي تتميز المنطقة بتناثرها منذ مئات السنين على جانب منحدرات الجبال الخضراء، وكان بيننا حديث طويل حول سبب إختياره لل"بروفنس"، ومنتجاته التي ولدت من ثراء الطبيعة الغنية، وسبب إهتمامه الشديد وتكريس حياته لحماية الطبيعة ومساندة القضايا الإجتماعية.
عندما ذهبت لمقابلة "أوليفييه" الرئيس الفني لـ"لاكستان" L’ OCCITANE، وهو أيضا الرئيس الفني المسئول عن الإبتكار والتصميم، كان يجلس بجوار نافورة أثرية في الميدان الذي يتوسط قرية "ريفيست دي برووس" التاريخية القديمة، وتحت أشعة الشمس الغاربة ووسط أصوات خرير المياه وزقزقة الطيور، إستمتعت إلى حديث مؤسس "لاكسيتان" وأنا أحاول جاهدة مقاومة تأثير الرائحة المخدرة للجو المليء بنسمات روائح النباتات العطرية الطبيعية والهدوء المريح للنفس المخيم على القرية، ولكن قبل أن أبدأ الحديث جاءت قروية عجوز ووجدتها تشكره في بشاشة وألفة، فكان من الطبيعي أن أبدأ الحوار بسؤاله عن علاقته بها. قال وهو يضحك:
-لا أعرفها هي من سكان القرية وتشكرني على مساهمتي في إعادة تشغيل النافورة، فهي قديمة جدا وتاريخية، كان يمدها أصلا بالمياه نبع قديم جفت مياهه فقمنا بتوصيلها بمصدر مياه مختلف أعاد لها الحياة، وهذه القرية مثل قرى كثيرة على جانب الجبال في مقاطعة البروفانس تدور حياتها حول الينابيع.
-وما الذي جعلك تهتم بإعادة المياه إليها؟
-هذه واحدة من الأعمال الإجتماعية التي تقوم بها "لاكسيتان". أردت دائما إعادة إحياء العادات القديمة العريقة والمحافظة عليها قبل أن تموت وتندثر، والقصص كثيرة عن هذا التفاعل بيننا وبين المجتمع والبيئة، وكل منتجاتنا ومبتكراتنا من إلهام الطبيعة ووحي البيئة، فأنا لست أنف أي أنني لا أبتكر تركيبة العطر مثلا ولكنني أختار النباتات والروائح من الطبيعة وأستلهم تصميم العبوات والزجاجات من الأشياء الطبيعية حولي سواء في فرنسا أو العالم، وأحاول إدخال روح الشيء الحقيقي في المنتج. فمجموعة العطور الثلاثة الجديدة وهي عبارة عن مياه للكولونيا بإسم "يونيفرسال أو رافيسانت" Universelle Eau Ravissante إستلهمتها من وحي الروائح الطبيعية المنعشة في مقاطعة البروفانس، وألهمتني النافورة التاريخية التي أعدنا لها المياه تصميم زجاجاتها. وهي بالمناسبة تم طرحها في الشرق الأوسط خلال شهر أغسطس.
-تساهم الشركة في الكثير من الأعمال الإجتماعية كما سمعت فما هي؟ ولماذا؟
-أحاول الحفاظ على وجود رابط قوي بين الشركة والمجتمع. ولهذا ننسج علاقة قوية مع المزارعين المنتجين للمواد التي تستخدم في تصنيع منتجات الشركة مثل المساعدة في حل مشاكل أصحاب حقول الزيتون واللوز، وحاليا يمر محصول اللافندر بمشكلة تهدد بالقضاء عليه خلال سنوات قليلة بسبب ظهور حشرة تلتهمه، ونقوم بمساعدة المزارعين بتمويل الأبحاث العلمية للعثور على وسيلة طبيعية للقضاء عليها لأننا في المنطقة لا نستعمل الكيماويات الصناعية، وإهتمامي بإحياء التاريخ العريق والتقاليد القديمة لا ينحصر في فرنسا فقط وإنما في العالم أيضا، ففي جزيرة "كورسيكا" كان يوجد رجل عجوز هو الوحيد المتبقي ممن يزرعون نبات ال"إيمورتيل" ويستخلص منه الزيوت.
وهذا النبات يرتبط بقصص تاريخية تشيد بأثره الساحر في إستعادة الحيوية والمحافظة على الشباب الدائم كما يتضح من معنى إسمه الذي يعني "الحياة الدائمة". فقررنا إحياء هذه الصناعة والزراعة القديمة قبل إختفائها واليوم الآلاف يعيشون من نتاج زراعة هذا النبات على أكثر من 50 هكتار، ونساهم في مساندتهم ثم شراء المحاصيل منهم وإستفدنا بزيوت هذا النبات في إنتاج مجموعة كريمات العناية بالبشرة "إيمورتيل" Emortelle. ونبات آخر إسمه "أنجليكا" تعرفت عليه من خلال شاب ورث مهنة زراعته عن أبيه وجده، وكان يستخدم قديما مما له من فوائد صحية وجمالية لا تحصى في كل جزء منه، فحتي ساق النبات تجفف وتسكر وتؤكل كالحلوى وتزين بها كعكة تسمى كيكة الملك تصنع خلال الإحتفال بإحدى المناسبات الدينية، ساعدته الشركة على توسيع زراعة وإستخلاص الزيوت من هذا النبات، وأجرينا العديد من الأبحاث للتعرف على كل فوائده.
وقدمنا للأسواق مجموعة الكريمات ومنتجات العناية بالبشرة من زيت "أنجليكا" Angelica التي قوبلت بنجاح كبير بسبب فعاليها الرائعة، ومن أفريقيا نحرص على شراء 20% من إحتياجاتنا من زبدة الشيا Shea Butter من نساء الفلاحين المنتجات له مباشرة حتى نضمن وصول الدخل لأيديهن مما يساعد على رفع مستوى أسرهن المادي علما بأن أرباحنا تزيد لو إشترينا حبوب النبات وصنعنا الزبدة في فرنسا. وعندما بدأنا التعامل معهن كان عددهن 59 واليوم وصل العدد إلى 14000.
-المساهمة في كل الأعمال الإجتماعية ألا تسبب خسائر مادية ل"لاكسيتان"؟
-لا ننظر إلى المسألة بهذا الشكل، مبدئيا أؤمن بأنني مرتبط بالأرض وبالطبيعة من حولي وبضرورة إحترام الناس لها وللأرض التي يعيشون عليها، وبضرورة العطاء لها بنفس القدر الذي يأخذونه، وإلا سيخسرون كثيرا وربما يقضي على مستقبل البشرية، لابد أن يستفيد الإنسان من الطبيعة بحكمة ودون أن يؤذيها، وهذا ما نفعله في "لاكسيتان"، نهتم بالمحافظة على البيئة ورعايتها والمساهمة في حل مشاكلها الطبيعية والبيئية مثلما نحاول عمله حاليا لحل مشكلة محصول اللافندر. الفائدة متبادلة بين الطرفين، فعندما نساعد النساء المنتجات لزبد الشيا فذلك يعود بالفائدة علينا أيضا فهذه الزبد من أهم وأشهر كريمات اليد التي نصنعها، واللافندر من أهم المواد التي نستخدمها لتصنيع منتجاتنا ولو تركناه يقضى عليه لخسرنا بفقدانه أيضا، ونفس المبدأ ينطبق على محاصيل نباتات الأنجليكا والإيمورتيل واللوز والزيتون وغير ذلك لأننا إذا لم نساعد المزارعين على الكسب والحياة من خلال محاصيلهم سيتوقفون عن زراعتها وتعود الخسارة علينا أيضا، فمنتجاتنا تحمل روح وتاريخ ونفحات ورائحة الطبيعة الخلابة وهدفنا إحياء التراث قبل أن يموت ويتحول إلى أساطير منسية، وهذه قصة "لاكسيتان" وتاريخها خلال 30
عاما، نبحث عن أسرار الطبيعة لنصنع منها منتجات طبيعية نقية، وهذا يفسر سر العلاقة الوطيدة بينها وبين جامعة النباتات الطبيعية للقيام بالبحث عن نباتات ومواد جديدة ودراسة وتحليل فوائدها وتأثيرها.
-وما هو النبات الجديد الذي تبحثونه حاليا لإبتكار مجموعة جديدة للعناية بالبشرة؟
-هذا ما زال سرا ولكن أستطيع أن أقول لك أنه أحد النباتات التي كان يستخدمها المصريون القدماء.
-كل منتجاتكم طبيعية ونقية وناجحة جدا. ولكن ما هو المفضل لديك وما هو الذي ندمت على إنتاجه؟
-كريم زبدة الشيا هو المفضل ليس لي فقط ولكن للعالم أجمع فنجاحه لا مثيل له. أما الذي لم أحبه فكريم من خلاصة الطماطم ولم ينجح كثيرا.