حين لا ينتهي النور: تنوير يترك أثره ويفتح أفق 2026

حين لا ينتهي النور: تنوير يترك أثره ويفتح أفق 2026

خبر صحفي
24 ديسمبر 2025

في صحراء مليحة، حيث احتضنت الرمال دورة استثنائية من مهرجان «تنوير» 2025، لم يكن الختام مجرد إسدال ستار، بل بداية لحوار ممتد حول تجربة ثقافية تجاوزت حدود الزمان والمكان. فبعد أن انطفأت الأضواء وعاد الأفق إلى صمته المهيب، بقي صدى التجربة حاضرًا في ذاكرة الحضور ووجدانهم، ليؤكد أن ما حدث هنا لا يُختزل في ثلاثة أيام، بل يمتد ليترك أثرًا إنسانيًا عميقًا في الوعي والانتظار.

حين لا ينتهي النور: تنوير يترك أثره ويفتح أفق 2026

مساحة للتأمل والحوار

على مدى دورته الثانية، قدّم مهرجان «تنوير» نموذجًا لمساحة ثقافية لا تكتفي بعرض الموسيقى أو الفن، بل تفتح آفاقًا للتأمل والتلاقي والحوار. تحت سماء واحدة "سماء صحراء مليحة" المبهرة ، اجتمع جمهور متنوع من خلفيات وثقافات مختلفة، لا بوصفهم متفرجين فحسب، بل مشاركين في تجربة حسية وفكرية أعادت تعريف العلاقة بين الإنسان والفن والطبيعة. وفي قلب هذه التجربة، لم تكن الصحراء مجرد مسرح أو خلفية مشهدية، بل عنصرًا حيًّا شكّل جزءًا من السرد، ومنح اللحظات عمقها وصدقها.

 

ما ميّز «تنوير» هذا العام لم يكن فقط تعدّد العروض والفنانين أو ثراء البرنامج، بل ذلك الشعور المشترك بالانتماء إلى لحظة إنسانية نادرة. هنا، تلاقت الأصوات العالمية مع الجذور المحلية، وأصبح التنوّع مساحة انسجام بلا حدود. أسماء فنية مرموقة من مختلف أنحاء العالم التقت مع جمهور المنطقة في حوار مفتوح لا يقوم على الاستعراض، بل على التفاعل والإنصات المتبادل، ليتحوّل الفن والثقافة والموسيقى إلى لغة وجدانية مشتركة تتخطى الحدود الجغرافية واللغوية.

حين لا ينتهي النور: تنوير يترك أثره ويفتح أفق 2026

من محطة محلية إلى ملتقى دولي

رسّخ «تنوير» مكانته كحدث ثقافي يتجاوز التصنيفات التقليدية، فلم يَعُد مهرجانًا محليًا فحسب، ولا مجرد محطة إقليمية، بل أصبح ملتقًى دوليًّا يجد فيه الفنانون والجمهور مساحة حرة للتعبير والتجربة. وجاء حضور الأسماء العالمية منسجمًا مع روح المهرجان، وكأنه امتداد طبيعي لرؤية تؤمن بأن الفن لغة إنسانية واحدة، مهما اختلفت المسافات، وأن الحوار الثقافي لا يحتاج إلى ترجمة بقدر ما يحتاج إلى صدق التجربة.

 

ولعلّ ما يميّز تجربة «تنوير» أيضًا هو قدرته على بناء مجتمع ثقافي عابر للزمان والمكان، مجتمع تَشكَّل خلال أيام المهرجان واستمر بعدها في الذاكرة والتواصل. فالكثير من الحضور لم يغادروا التجربة عند بوابات الخروج، بل حملوها معهم في حواراتهم وتأملاتهم، وفي إحساس بأنهم كانوا جزءًا من لحظة صادقة. هذا التراكم الوجداني هو ما يمنح المهرجان فرادته، ويحوّله من فعالية ثقافية موسمية إلى مساحة انتماء، ومن تجربة عابرة إلى أثر يرسّخ حضوره عامًا بعد عام.

حين لا ينتهي النور: تنوير يترك أثره ويفتح أفق 2026

رؤية ثقافية مستدامة

تقف خلف هذه المسيرة رؤية ثقافية واضحة لمؤسِّسة المهرجان سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، التي تنطلق من إيمان عميق بدور الثقافة في بناء الوعي وتعزيز الحوار الإنساني. فمهرجان «تنوير» ليس مشروعًا موسميًا، بل مسارًا ثقافيًا مستدامًا يراكم التجربة ويستثمر في الإنسان بوصفه جوهر العملية الإبداعية. من هنا، يأتي المهرجان كمنصة توازن بين الأصالة والابتكار، وبين الاحتفاء بالتراث والانفتاح على الآفاق المعاصرة.

 

أفق 2026

مع انتهاء دورة 2025، برز سؤال يتردد بهدوء في الأحاديث والانطباعات: ماذا سيحمل «تنوير» في دورته المقبلة؟ لم يكن السؤال نابعًا من فضول عابر، بل من شعور بأن التجربة لم تكتمل بعد، وأن فصولًا أخرى تنتظر أن تُكتب. فالأثر الذي تركه المهرجان تحوّل إلى حالة ترقّب، وإلى رغبة في العودة إلى تلك المساحة التي جمعت بين الجمال والمعنى.

 

هكذا، يواصل «تنوير» حضوره بعد الختام، كذكرى حيّة وكوعد مفتوح بما هو آتٍ. إنه مهرجان لا ينتهي بانتهاء فعالياته، بل يبدأ من هناك: في الأسئلة التي يثيرها، والأثر الذي يتركه، والأفق الذي يفتحه أمام المشهد الفني والثقافي والموسيقي في المنطقة.

 

وبين صحراء احتضنت الضوء، وجمهور حمله معه، يظلّ مهرجان «تنوير» شاهدًا على أن بعض التجارب لا تَغيب، بل تبقى مضيئة.. تبحث عنّا، كما كنّا نبحث عنها.