مسلسل Only Murders in the Building

مسلسل "Only Murders in the Building" الموسم الخامس..روتين الضحك والرعب في جرائم مبنى أركونيا

إيهاب التركي
26 نوفمبر 2025

يهمس مبنى أركونيا بمزيد من الأسرار المنقوشة على جدرانه العتيقة، وتلوّث دماء ضحاياه نقاء مياه نافورة مدخله. وما زالت العمارة المنحوسة تواجه جرائم قتل غامضة يحلها في النهاية ثلاثة من السكان، يحققون في الجريمة ويبثّون ما يتوصلون إليه على مدونة صوتية تحمل عنوان المسلسل نفسه. في الموسم الخامس من «Only Murders in the Building» («فقط جرائم في البناية»)، يعود الثلاثي – تشارلز (ستيف مارتن)، أوليفر بوتنام (مارتن شورت)، وميبل مورا (سيلينا جوميز) – إلى مواجهة الجرائم داخل هذا البناء الحجري العتيق. هناك، الجريمة ليست مجرد لغز تحقيقات، بل مرآة تعكس عالم سكان أركونيا غريبي الأطوار، ومجتمع نيويورك الثري بالقصص والعلاقات المضطربة.

القلب الفاسد للحكاية

هذا الموسم يروي في عشر حلقات حكاية معقدة تجمع بين الكوميديا السوداء والجريمة المرعبة. تتوارى شخصيات الثلاثي وأزماتهم الشخصية خلف تفاصيل وحكايات الشخصيات الجديدة، تكشف ملامح فساد بعض رجال الأعمال والعلاقات المشبوهة مع عصابات الجريمة المنظمة. قد تُعدّ هذه ميزة للتركيز على الجريمة والشخصيات الجديدة، لكنها في الوقت نفسه من سلبيات المواسم الأخيرة؛ إذ يفتقد المشاهد تفاصيل الشخصيات الرئيسية.

الموسم الخامس من Only Murders in the Building
الموسم الخامس من «Only Murders in the Building

في المواسم الأولى كان هدف المسلسل واضحاً: حبكة الجريمة مجرد وسيلة للغوص داخل شخصيات تشارلز وأوليفر وميبل، وربط ماضيهم بحاضرهم، والتعرف على علاقتهم بشخصيات من سكان عمارة أركونيا تزيد من عمق الحكاية.

الحبكة في الموسم الخامس مغرية من الخارج، لكنها تكشف عن قلب فاسد معطوب يفقد بريق الابتكار الذي ميز المواسم الأولى. تبدأ القصة بصدمة درامية – مصرع ليستر، حارس البناية العجوز الوديع الذي كان عموداً صامتاً بعمارة أركونيا، تطفو جثته في نافورة أركونيا، دمه يلون الماء كلوحة مرعبة في فناء مبنى كلاسيكي فاخر. الكل يظن أن موته حادث مأساوي وليس جريمة قتل.

هذه الجريمة الغامضة تفتح باباً درامياً على عالمين متشابكين: اختفاء نيكي كاتشيميلو، رجل المافيا الذي تطلب زوجته صوفيا (تيا ليوني) مساعدة الثلاثي في العثور عليه، ومؤامرة مليارديرات فاسدين يهددون بتحويل الأركونيا إلى كازينو للأثرياء، بقيادة كاميلا وايت (رينيه زيلويجر) ودعم من عمدة نيويورك بو تيلمان (كيجان مايكل كي).

كل حلقة تلقي بتويست جديد، كأنها رميات نرد في لعبة قمار، من سرقة إصبع متعفن في شقة تشارلز إلى فلاشباك يروي تاريخ ليستر كحارس يحمل أسرار البناية كأثقال على كتفيه.

الموسم الجديد يروي في عشر حلقات حكاية معقدة تجمع بين الكوميديا السوداء والجريمة المرعبة
الموسم الجديد يروي في عشر حلقات حكاية معقدة تجمع بين الكوميديا السوداء والجريمة المرعبة

نمطية اللغز

هناك بريق في العودة إلى جذور السلسلة، حيث تصبح عمارة أركونيا شخصية مركزية، كما في أفلام النوار الكلاسيكية حيث تصبح المدينة نفسها هي الجاني. الحلقة الثانية «بعدك» تُقدِّم مونولوجاً من منظور ليستر يستعيد براءة الموسم الأول، مستكشفاً حياة الطبقة العاملة الدنيا في نيويورك؛ حارس العقار المهمش يصبح شاهداً على كل أسرار مجتمع أركونيا.

هي ليست مجرد مبنى، بل نموذج مصغَّر لمدينة يعيش فيها الوحوش والملائكة متجاورين. لكن الحبكة سرعان ما تدور في دوامة لا تنتهي، مما يُثقل خطى الدراما. الخيوط المتعددة – من أرملة ليستر (ديان ويست) إلى الروبوت الشرير حسب تلميحات الثلاثي – تتشتت، مما يجعل اللغز يفقد حدَّته.

على سبيل المثال، في الحلقة الخامسة «لسان مقيد» يُقدَّم تويست عن سرقة دليل حاسم، لكنه يُترك معلقاً لثلاث حلقات، مسبِّباً بطء الإيقاع مما يجعل المتفرج يشعر بالإرهاق بدلاً من التشويق. هذا التقلب في الكتابة يعكس ضعفاً في الذكاء الكوميدي، حيث تصبح الجريمة روتيناً بدلاً من مفاجأة، كأن السيناريو يعتمد على صيغة آلية لم تعد تتطوَّر.

عمارة أركونيا شخصية مركزية كما في أفلام النوار الكلاسيكية
عمارة أركونيا شخصية مركزية كما في أفلام النوار الكلاسيكية

حيوية مارتن وشورت

التمثيل هنا يشبه ثلاثة أصوات في سيمفونية غير متناسقة: مارتن وشورت يعزفان على أوتار مشدودة، بينما جوميز تتمايل ببطء يُثير الشفقة والإحباط، بصوت بطيء أجوف وأخنف يُثير الإزعاج.

ستيف مارتن، كتشارلز، يُجسِّد القلق الداخلي لنجم كل رصيده عمل واحد قديم شهير. في الحلقة الأولى يُصاب بهلاوس تُجعله يتحدث إلى جثة نيكي كاتشيميلو كأنه صديق قديم، مما يشير إلى عزلة تشارلز وأزمته مع الشيخوخة، ثم لا يُتكرر الأمر كأن السيناريو نسي كل شيء عن معاناته.

حيوية مارتن وشورت
حيوية مارتن وشورت في Only Murders in the Building

مارتن شورت، كأوليفر، هو الريح الجامحة، يقفز بين الفوضى والحنان، خاصة بعد زواجه الجديد بلوريتا (ميريل ستريب). في الحلقة السادسة يُقدِّم فلاشباكاً يكشف ماضيه كمخرج فاشل. أداؤه حيوي، يُحيي الكوميديا كأنها نبع لا ينضب، مستلهماً من تقاليد الكوميديا الجسدية في أفلام تشابلن وباستر كيتون حيث يصبح الجسد لغة الروح.

أما سيلينا جوميز، فتظل الإيقاع البطيء في عاصفة الحيوية. صوتها المزعج وإيقاعها المتثاقل يُثقل الديناميكية، تبدو حركاتها كأنها تسبح في مادة لزجة ثقيلة، مقارنة بحيوية شريكيها.

الكيمياء بين مارتن وشورت لا تُقاوَم، كأنها نار تُشعل الشاشة، خاصة في مشاهد الصداقة حيث يتبادلان النظرات ككلمات غير منطوقة. أما ضيوف الشرف، من تيا ليوني وكريستوف والتز وديان ويست ورينيه زيلويجر، فأسماؤهم رنانة لكن إضافتهم تبقى سطحية، حتى ميريل ستريب لا تضيف الكثير لروح المسلسل وأحداثه، رغم بريقهم الخارجي.

هل سيلينا جوميز الإيقاع البطيء في المسلسل؟
هل سيلينا جوميز الإيقاع البطيء في المسلسل؟

ظلال قاتمة في ممرات المبنى

الإخراج يشبه ضوء مصباح يتمايل في ممر مظلم: يُلقي ظلالاً مذهلة. لكنه يترك بعض الزوايا في الظلام. الموسم يعود إلى نيويورك كخلفية حية، جدران الأركونيا تُصوَّر بكاميرا تتجول كشبح، مستخدمة لقطات واسعة في الحلقة الأولى لتُظهر النافورة الدامية كجرح في قلب المدينة الأيقونة.

يتألق إخراج مشاهد الفلاشباك، مثل حلقة ليستر الثانية، حيث تُمزَج الألوان الدافئة بالماضي البارد، مُخلِقاً إيقاعاً يشبه نبض قلب متسارع. مشاهد الكازينو السري في الحلقات الأخيرة، مع إضاءة نيون تتراقص على وجوه المليارديرات، تُضفي طابعاً نوارياً حديثاً، يجعل الإخراج ينبض بالحيوية.

وفي المقابل، يظهر التقلب في الإيقاع، حيث تُصبح بعض المشاهد الممتدة – كحوارات الثلاثي في الشقق – بطيئة كالمشي في رمال صحراء بلا نهاية، خاصة في الحلقة الرابعة حيث يُؤجَّل الكشف عن أسرار يعلمها الروبوت لصالح حوارات جانبية.

تشكل العناصر الفنية – التصوير، التصميم، الموسيقى – لوحة تتدفق فيها الدماء والنكات كألوان متضادة. التصوير السينمائي يستخدم لقطات قريبة على وجوه الثلاثي أثناء التسجيلات، بينما التصميم يُعيد بناء الأركونيا كمتاهة أسطورية.

متاعب الأكشن والكوميديا

الأكشن هنا ليس انفجارات هوليوودية، بل مطاردات ضاحكة في ممرات الأركونيا؛ لقطات سريعة للثلاثي يهربون من حراس المافيا، أو يتوقفون فجأة عن مطاردة مشتبه به بحجة متاعب في الركب أو عدم ملائمة حذاء ميبل للجري.

في الحلقة السابعة، تصبح المطاردة على السلالم محاولة هروب كوميدية داخل غرفة مظلمة؛ أجساد تتصادم بالجدران ككلمات غاضبة. الإبداع في دمج الأكشن مع الكوميديا هو ما يجعله ممتعاً حقاً، يذكِّر بأكشن الكوميديا في أفلام الثمانينيات حيث يتحول الجسد نفسه إلى أداة للضحك.

مشاهدة كوميدية سيطرت على حلقات مسلسل
المطاردات ومشاهد الهروب الكوميدية تسيطر على Only Murders in the Building

أما الكوميديا، فتشبه أوراقاً تتساقط في حديقة مهملة: جميلة، لكنها ذابلة. النكات تأتي أساساً من تفاعلات أوليفر وتشارلز وباقي الشخصيات، كمحادثات أوليفر مع لوريتا، لكن هذا البريق يخفّ تدريجياً مع تكرار الصيغة.

الموسم الخامس فكرة جيدة لدراما جريمة تروي حكاية إنسانية بأسلوب كوميدي لاذع، لكنها مُجهِدة بسبب التشتت والتنميط اللذين سادا الكتابة. ورغم كل ذلك، يُنقذ أداء ستيف مارتن ومارتن شورت الموسم من الغرق.

مع نهاية تُعد بموسم سادس في لندن، يبقى الأمل في أن يخرج العمل أخيراً من دائرة جرائم أركونيا المحفوظة، ويتنفس هواء لندن الجديد.

مسلسل Only Murders in the Building
مسلسل Only Murders in the Building

الصور من حساب hulu.