
المخرجة السعودية مها الساعاتي لـ"هي": عالم سينما المؤلف صنع صوتي الخاص
هي تكتب.. هي تُخرج: سعوديات يقدن موجة سينما المؤلفة

كيف نروي القصة؟ وما سر المتعة الحقيقية على الشاشة؟ من يأخذ زمام الحكي؟ وكيف يعيش المشاهد التجربة كاملة كأنه جزء منها، متى تبدأ لحظة السحر البصرية بين الجمهور وبين ما يراه لدرجة تجعله يرغب في الدخول إلى الكادر ومشاركة الأبطال الاحتفال أو الحيرة أو حتى تجفيف دموعهم بيديه؟ تتزاحم الأسئلة في أذهان محبي السينما ومن يهوون تتبع وتلمس خطوات صناع هذا الفن، فيما المبدعون أنفسهم تكون أفئدتهم وعقولهم أكثر صخبا وتعقيدا، وهم يبحثون عما يجمعهم بالنصوص التي يودون سردها عبر الشريط السينمائي، لكن الأمر يصل ذروته من التشابك والاندماج والإخلاص والأصالة، حين يكون صاحب الحكاية هو مخرجها وقائد منظومتها الكلية. ومن هنا راج مصطلح سينما المؤلف منذ خمسينيات القرن الماضي، بكل ما يحمله من فخامة وارتباط بماهية الفن الخالص، تعبيرا عن نمط رفيع من السينما التي يتولى فيها المخرج كتابة النص وإدارة الفريق حتى تتحول الكلمات إلى فيلم متكامل.

ولطالما ارتبط مصطلح سينما المؤلف عربيا على الأقل، فيما مضى بعالم المخرجين الرجال، وقليلات هن من نجحن في وضع بصمتهن في هذا العالم، لكن اللافت أن أغلبية مخرجات السينما السعوديات يتخذن هذا النمط أسلوبا يميز تجاربهن التي طبعنها بحكايات ذاتية وأخرى خيالية، عبرن من خلالها عن رؤيتهن الفنية والحياتية أيضا، ولهذا وجدت أعمالهن صدى مهمّا في المحافل التي عرضت بها سواء إقليميا أو عالميا، نحاول في هذه السطور من خلال حوارات لقاء خاصة مع المخرجة مها الساعاتي من صانعات الفن السابع الكشف عن عالم سينما المؤلفة في المملكة العربية السعودية.
بالنظر إلى تجربة المخرجة مها الساعاتي على مدى ما يقرب من عشر سنوات في مجال السينما، يُلاحظ أنها تحمل فلسفة خاصة، وأن لديها أسلوبا في التعبير عن هواجس النفس البشرية، سواء بالخيال الجامح والفانتازيا أو بالاقتراب من الواقع والاشتباك مع حقبة زمنية حاضرة في الأذهان، مثلما حدث في فيلمها البارز "شريط فيديو تبدل"، الذي نال نجاحا جماهيريا ونقديا، وكرم في مهرجانات عدة عربية وعالمية، وبينها جائزة الجمهور بمهرجان فلوريدا السينمائي وأسوان لسينما المرأة، وتنويه تشريفي في مهرجان فنتاستك فست.

امتزجت قصص مها الساعاتي مع الطبيعة والحيوان، وعززتها حصيلتها البصرية من المشاهدات والاطلاع والاحتكاك بثقافات مختلفة، وهي أيضا أستاذة جامعية تُدرس الميديا والصور المتحركة على مستوى جامعي، وباتت أعمالها ضيفة دائمة في المحافل السينمائية ذائعة الصيت، ما بين العروض والجوائز، ومنها مهرجان سلامدانس، وبالم سبرينغز، والبحر الأحمر، وهي تستعد أيضا لعملها الروائي الطويل الأول "داروين في الطائف".
ترتبط أعمال مها الساعاتي بنموذج "سينما المؤلف"، حيث تكون مؤلفة السيناريو ومخرجته. في حين كانت أفلام مثل "عش إيلو"، و"الخوف: صوتيا"، و"شعر: قصة عشب" ثم "دورة التفاح"، من أوائل الأفلام التي لفتت إليها الأنظار بأسلوبها الغرائبي. فهل شكلت تجربتها كمخرجة ومؤلفة في الوقت نفسه عوائق أمامها؟
تقول الساعاتي: إن إخراجها لأعمالها جعلها تندمج في عدة أدوار كمؤلف ومخرج ومنتج وممنتج ومصمم صوت للعمل، وقد كان ذلك بالبداية نابع من جانب اقتصادي، حيث إن أفلامها القصيرة بالبدايات لم تحظَ بدعم مادي، ولكنها حظيت بمساعدة الأصدقاء كفريق عمل متفانٍ تشعر تجاهه بالمسؤولية لإنجاح العمل تقديرا لجهودهم.

ولأنها بدأت في حقبة ما قبل افتتاح السينما، فقد كان المكان الوحيد للعرض هو المهرجانات الدولية، وهو ما أتاح مساحة للتجريب. ومع بدايات الانفتاح السينمائي بالمملكة، وزيادة اهتمام الجمهور المحلي بالأفلام المحلية صارت مها تهتم أكثر بتشكيل تجربة أفلامها بطريقة تشعر الجمهور بالانتماء، مؤكدة ضرورة الاهتمام بذكاء الجمهور وذائقته بدلا من الغرق في الرمزيات السينمائية.
مع عملها في إطار سينما المؤلف، فإن مها الساعاتي تهتم كذلك بالجانب الجماهيري بحيث توازن العمل، فلا يصبح تجاريا بحتا فيفقد سماته الفنية والشخصية وصوت المخرج الخاص، وهو ما يجعل لأعماله إحساسا مختلفا يلمسه المتلقي.