
العود بروح Hermès ..تحية شعرية من "كريستين ناجل" إلى الشرق
في عالم العطور، تتلألأ فيه دارHermès كمنارة للتميز والإبداع الحسي، ومن بين رموزها المعاصرين تبرز Christine Nagel، مديرة الإبداع العطري لتكون واحدة من القلائل القادرات على تقطير العاطفة والتراث والمادة الخام في نفحة واحدة. لا تتعامل "ناجل" مع العطر كمنتج، بل كفن ينطق بلغة الحواس، يروي قصصا تتجاوز حدود الزمان والمكان.
واليوم، تضيف "ناجل" فصلا جديدا إلى حكايةHermessence مع إطلاق Oud Esma، عطر الدار الجديد لعام 2025. عطر غني، حميمي ومفعم بأبعاد رمزية وروحية، يشكل تحية راقية لخشب العود "خشب الملوك"، وتجسيدا شاعريا لهذا المكون النبيل برؤية معاصرة تمزج بين الابتكار الجريء والوفاء العميق للأصالة.
بمناسبة الإطلاق الحصري المرتقب في دبي، كان لمجلة "هي" هذا اللقاء الخاص مع "ناجل"، التي فتحت لنا أبواب مختبرها الإبداعي، وشاركتنا رحلتها الشخصية في صياغة Oud Esma ليس كمجرد عطر، بل كتجربة حسية تنبض بالرمزية، وتعيد صياغة طقوس التجمّل بصفتها مرآة للهُوية والثقافة المتوارثة.
حوار: "ماري الديب" Mari Aldib
- كيف شكل مسارك الفريد لغتك العطرية في دار "هيرمس" اليوم؟
مساري لم يكن تقليديا، وهذا ما شكل فرادته. بدأت خطواتي الأولى من عالم الكيمياء، بعيدا عن المسارات الكلاسيكية لصناعة العطور، إذ لم ألتحق بمدارس العطور التقليدية. لسنوات طويلة، كنت أتحفظ في الحديث عن خلفيتي هذه، إلى أن أدركت لاحقا أن هذا التكوين غير النمطي منحني أساسا علميا متينا، وفتح أمامي آفاقا مختلفة للتفكير والإبداع. وعندما انضممت إلى Hermès، واكتشفت هذا التقدير العميق للحرفيين داخل الدار، شعرت بأن خلفيتي الحرفية، القائمة على دقة العلم وشغف الاكتشاف، منحتني ثقة داخلية ومساحة حرّة للتعبير. وهو الآن ما يغذي ابتكاراتي ويشكل لغتي العطرية الخاصة.

- كما ذكرت، تعرف دار "هيرمس" بالحرفية العالية والتصميم الخالد. كيف تترجمين هذه القيم إلى عطر؟
ابتكار العطر بالنسبة لي ليس مجرد وظيفة، بل هو مسؤولية ورسالة. أرى أن جوهر عملي هو ترجمة قيم Hermès العميقة إلى لغة عطرية حسية. وحين نتحدث عن Hermès، فنحن نتحدث عن دقة لا هوادة فيها، ربما الأكثر تشددا في عالم الرفاهية. هذه المعايير الصارمة تبنيتها كجزء من فلسفتي في الابتكار، سواء في اختيار المواد الخام أو في مزجها بتناغم فريد. فالمواد الخام هي جوهر كل شيء لدى الدار، من الجلود إلى العطور، وهي التي تمنحني الحرية المطلقة في الانتقاء، من أي مكان في العالم، لأصوغها وفق رؤيتي. لكن ما يميز Hermès فعلا، هو الثقة الكاملة التي تمنحها لحرفيها، لا أحد يملي علي ما يجب أن أبتكره. لا تعليمات، لا حدود، فقط مساحة مفتوحة للإبداع. عندما يطلب مني ابتكار كولونيا، لا يقال لي كيف أو بمَ أبدأ، يتركون لي الحرية في اختيار الفكرة، في رسم الملامح، وفي تحديد متى تصبح جاهزة. الإيقاع الذي أعمل به شخصي تماما، لأنه في Hermès، الوقت ليس عنصر ضغط، بل هو مكون من مكونات الجودة. ولا أقدم عطري إلا حين أشعر بأنه بلغ حده الأقصى من النضج. وأضيف أخيرا: هذا التاريخ العريق للدار، الذي يشكل خلفية كل ما فيها، هو ما يلهمني ويغذّي رؤيتي في كل قطرة من عطوري.
- ذكرت سابقا حبك لكل من المواد الطبيعية والاصطناعية. كيف تجدين التوازن بينهما، وخاصة عند العمل مع مادة معقدة عاطفيا مثل العود؟
بالنسبة لي، من الضروري العمل بكلا النوعين. يجب أن نتخلى عن الأحكام المسبقة التي تقول إن الطبيعي أفضل والاصطناعي سيئ. فهناك مواد طبيعية ليست باهظة الثمن، وأخرى قد تكلف مئة أو حتى ألف ضعف، لذا فالمسألة لا تتعلق بالسعر، بل بجودة النتيجة. غالبا ما أُشبه الأمر بعالم الأزياء، إذا قال مصمم إنه لا يريد سوى العمل بالحرير أو القطن أو الكتان، فلن يتمكن من الوصول إلى تلك الأحجام والتفاصيل التي تتيحها الألياف الاصطناعية. الأمر نفسه ينطبق على العطور. المواد الطبيعية تحتوي عادة على ما بين 30 إلى 50 جزيئا عطريا، مثل الورد. وإذا أضفت البرغموت، تضاف معه 20 أو 30 جزيئا آخر. أما المواد الاصطناعية، فهي تتكون من جزيء عطري واحد يمنح دقة بالغة في التكوين، وهو ما أقدره وأستمتع بالعمل به تماما كما أستمتع بالمواد الطبيعية.
- مع "عود أسما"، تستكشفين "خشب الملوك" بطريقة تكرم جذوره الثقافية العميقة، وخاصة في الشرق الأوسط. ما كانت نقطة الانطلاق في هذا الابتكار؟
بدأت علاقتي بالعود منذ سنوات، ومع ذلك، يجب أن تعلمي أنني كنت أخاف الخيول بشدة. في إحدى زياراتي لإسطبلات "صول هيرمس"، لم تبال بي أي من الخيول، إلا الحصان الأخير الذي مدّ رأسه، ووضع خده برقة على خدي. دخلت الحظيرة ولمست عنقه، ولم يكن الأمر متعلقا برائحة الحصان فقط، بل بالإحساس العميق والقوي الذي غمرني. حينها قلت لنفسي: "يوما ما سأعيد ابتكار هذا الشعور في عطر". بعد عدة أشهر، جاءني أحد الموردين محملا بعينة، وعندما استنشقتها، شعرت بنفس الإحساس الذي مررت به مع الحصان. كانت عينة عود استثنائية من "بنغلاديش". على الرغم من أنني لم أكن من محبي العود سابقا، إلا أن هذا العود لمسني عاطفيا بعمق. من هنا بدأ استخدامي للعود في Oud Alezan ضمن مجموعة Hermessence، ومنذ ذلك الحين بدأت أتعمق في التعامل مع العود، وقررت أن أخلق عودا مهيبا وفخما.
بالطبع، الأمر لا يقتصر على مجرد وضع العود في زجاجة، بل مزجته مع نوتات المسك، وسعيت لإعادة خلق تلك "الاضطرابات العاطفية" التي شعرت بها عند استنشاق العينة الأولى. ومن مجرد كوني لم أحب العود، تحولت إلى عاشقة له بكل جوارحي.
- يوصف "عود أسما" بأنه غامض وغامر، أشبه ببشرة ثانية. كيف عملت على إضفاء الأناقة والنعومة على العود مع الحفاظ على هيبته؟
في المقام الأول، ينبع عملي من احترام عميق لثقافة لست خبيرة بها بعد، لكنني منفتحة ومستعدة للتعلم والتعمق فيها.
عندما بدأت رحلتي مع مجموعة Hermessence، كان هدفي استكشاف أصول المواد العطرية التقليدية، وكان من الطبيعي أن يتجه هذا البحث إلى الشرق الأوسط. بادرت دار "هيرمس" بتنظيم عدة رحلات لي إلى دبي، وعُمان، والرياض والبحرين، حيث التقيت بعدد كبير من النساء اللاتي عبرن بشغف وحب عن عالم العطور. اكتشفت أن العود ليس مادة واحدة موحدة، بل هناك تنوع كبير في أنواعه، وكل امرأة كانت تحمل قارورة عودها الخاصة، بعضها معطر والبعض الآخر خضع لعمليات تبخير تقليدية. تعلمت الكثير خلال هذه الرحلات، ولا أزال أعتبر نفسي في بداية الطريق، لكنني ممتنة للغاية لكل ما اكتسبته من معرفة وفهم عميق.
- ما الذي يجعل هذا العطر مميزا ضمن مجموعة Hermessence؟
أولا، "عود أسما" هو واحد من 3 عطور ضمن مجموعة Hermessence تأتي بصيغة Essence de Parfum، أي بتركيز عالٍ جدا يمنحها كثافة وعمقا استثنائيين. يُقدّم العطر في زجاجة صغيرة مزودة بقطارة دقيقة وفريدة من نوعها، تتيح استخدامه بأسلوب راقٍ وحميمي. عود أسما" هو عود نقي للغاية، وآمُل أن ينال إعجاب محبي العطور، وأن يعكس القيم العميقة للشرق الأوسط مع التزام دار "هيرمس" بأعلى معايير الجودة والتميز، حيث يلتقي التراث والحداثة بتناغم فريد.
- لقد ذكرت أسلوب التطبيق، باستخدام القطّارة. لماذا كان من المهم بالنسبة لك إعادة هذا الطقس الحميمي؟
العود يجب أن يمتزج مع حرارة البشرة ليُفهم ويُقدَّر حقا. لقد أدركت أن شمّه على عصي التذوق كان خطوة غير مكتملة، لأن تجربة العود الحقيقية تتم عبر تطبيقه على المناطق الحساسة والخفية في الجسم، مثل خلف الأذن، حيث تبرز رقيّ وأناقة هذه الطقوس العطرية بشكل أعمق وأكثر خصوصية.
- بعد هذا المسار المذهل، من أول ابتكار لك حتى اليوم، ما الذي تأملين أن تتركيه كإرث عطري في "هيرمس"؟
من الصعب عليّ الحديث عن نفسي من دون أن أبدو متباهيّة، لكنني أود أن أشاركك كلام "بيير أليكسيس" الرئيس التنفيذي الإبداعي للدار، الذي قاله لي ذات مرة حين سألته: "لماذا اخترتني لأكون صانعة عطور؟ فأنا مختلفة تماما عمن سبقني." فأجابني: "كريستين، صحيح أن من قبلك شكل أسلوبا خاصا بـ "هيرمس"، لكنك تمثلين جانبا آخر من الدار، جانبا أكثر حسية ولمسية."