
لعنة الجزيرة.. هل يعود نجوم مسلسل "Lost" بعد 21 عامًا من الضياع؟
في 22 سبتمبر 2004، تحطمت طائرة أوشيانيك 815 على شاشات العالم، نجى العشرات وعاشوا على جزيرة منبوذة ينتظرون الإنقاذ. لكنهم عاشوا سنوات من الصراعات مع غموض المكان وتعقيدات نفوسهم وأسرار ماضيهم، ليولد مسلسل (الضياع) "Lost" الذي أصبح أسطورة تلفزيونية. المسلسل الشهير يظل يلقي بظلاله على أبطاله حتى اليوم. تلك الجزيرة التي جمعت شخصيات من كل الألوان والجنسيات، كانت أكثر من قصة بقاء؛ كانت استعارة للصراعات الداخلية، حيث يتحول الغموض فيها إلى كشف للنفس. أصبحت تلك الجزيرة أيضًا رمزًا للسقوط الجماعي الغير متوقع لنجومه والصعود المهني السريع.
لماذا اشتهروا؟... لماذا فقدوا وهجهم؟
أبطالها، الذين كانوا يومًا وجوهًا تضيء الشاشات كنجوم في سماء هوليوود والعالم، يجدون أنفسهم اليوم في بحر من الفرص المتقلبة. كأن الجزيرة ابتلعتهم بعد حلقة النهاية. قد غرق بعضهم في الظلال، وطفا آخرون بجهد إلى الأضواء، لكن معظمهم تراجع وهجه. ظاهرتهم المثيرة للانتباه تثير تساؤلات مثل: كيف اشتهروا بهذه السرعة؟ وما الذي جعلهم يفقدون بريقهم في لمح البصر؟
عندما عُرض Lost لأول مرة، كان مثل الدخان الأسود الذي يهاجم سكان الجزيرة، يجذب ملايين المشاهدين بغموضه وشخصياته المتنوعة. اشتهر الأبطال بفضل حبكة تعتمد على تنوعهم. كانت الجزيرة استعارة للعالم، تجمع تنوعًا من الجنسيات: أمريكيين، بريطانيين، كوريين، وأستراليين وعراقيًا، كانوا في صراع مشترك مع بعضهم البعض ومع غموض الجزيرة والعالم الخارجي.

كان "Lost" أكثر من مسلسل؛ كان ثورة تلفزيونية. جمع بين الخيال العلمي والدراما النفسية، محولًا ممثليه إلى أيقونات. ماثيو فوكس، بدور جاك شيبارد الطبيب البطل، أصبح رمزًا للقيادة المتعثرة، كأنه مثل أطلس يحمل العالم على كتفيه. إيفانجيلين ليلي، كيت أوستن الفارة من ماضيها، دخلت عالم التمثيل كعاصفة، حسناء إعلانات تلفزيونية حولت دورها الأول إلى بوابة للشهرة. جوش هولواي، سوير الأفاق الساحر، أذاب قلوب الجماهير بابتسامته الساخرة وسخريته من الجميع، بينما تيري أوكوين، جون لوك الغامض، منح شخصيته الكركبة عمقًا فلسفيًا، وفاز بإيمي عن أدائه.

من ذروة الشهرة إلى وادي الظلال
من أسباب الشهرة السريعة أن المسلسل كان ظاهرة ثقافية، حوّلت مجهولين إلى وجوه عالمية، نموذج مصغر من العالم. وشخصيات غير أحادية، داخلها النبل والخطيئة، لا يمكن أن يحكم المشاهد على أي شخصية بسهولة؛ يشبهون النفس البشرية بكل تعقيداتها وغموضها. ولكن مع انتهاء المسلسل في 2010، بدأ تراجع الممثلين، كأن شخصيات المسلسل ابتلعها دخان الجزيرة الأسود، ولم يسمح لهم بالتقدم في مهنة التمثيل بعد ذلك.

ماثيو فوكس، الذي كان جاك الطبيب القائد، اختار الابتعاد عن الأضواء، ظهر في أفلام مثل World War Z (2013) لكن مسيرته انكمشت، وفي 2025 يعيش حياة هادئة بعيدًا عن هوليوود. إيفانجيلين ليلي، كيت، نجحت في The Hobbit (2012-2014) وAnt-Man (2015-2023) لكن بعد تقاعدها في 2023، تراجع حضورها. جوش هولواي، سوير، حاول في Colony (2016-2018) لكن لم يحقق الشهرة ذاتها، وفي 2025 ظهر في أعمال صغيرة. خورجي جارسيا، هيرلي، شارك في Hawaii Five-O (2013-2020) لكن مسيرته بطيئة، مع ظهورات تلفزيونية محدودة. هذا التراجع يعود إلى صعوبة الخروج من ظل Lost، حيث أصبحت الشخصيات أكبر من الممثلين، مما جعل الانتقال إلى أدوار جديدة يشبه مثل الهروب من جزيرة لا تسمح بالخروج.

عالمية الجزيرة
تنوع جنسيات الأبطال كان سر نجاح Lost، حيث جمع أمريكيين مثل فوكس، كنديين مثل ليلي، أستراليين مثل موناهان، كوريين مثل داي كيم، وبريطانيين مثل كوسيك، مما جعل المسلسل مثل لوحة ثقافية عالمية. هذا التنوع عزز الجماهيرية، لكن بعد انتهاء المسلسل، لم يتمكن معظمهم من استثمار هذا التنوع. دانيال داي كيم، الذي جسّد جين، تألق في "Hawaii Five-O" و"New Amsterdam"، وفي 2025 قاد مسلسل الجاسوسية "Butterfly" بنجاح. يونجين كيم، التي لعبت دور صن، تركزت على الأعمال الكورية مثل "Pachinko" (2022)، لكن تأثيرها في هوليوود ظل محدودًا. نافين أندروز، سعيد، ظهر في "Sense8" (2015-2018)، لكن مسيرته تراجعت. هذا التنوع كان ميزة، لكنه لم يحمِ من التراجع.

ما جعل شهرتهم عالمية هو التنوع: خورجي جارسيا كهيرلي الودود، نافين أندروز كسعيد الجندي العراقي، دانيال داي كيم ويونجين كيم كزوجين كوريين يواجهان تحديات اللغة ومصاعب الحب والفوارق الطبقية. هذا التنوع لم يكن مصادفة؛ كان جزءًا من سحر "Lost"، يعكس مثل عالم متعدد الثقافات، مما جعل الممثلين يمثلون أممًا بأكملها. خلال العرض، أصبحوا أشهر الوجوه، يظهرون في مجلات مرموقة، ويحصدون الجوائز. لكن، كما في الملاحم الشعرية، الصعود السريع مهّد لسقوط أسرع، كأن الجزيرة كانت سرابًا يتلاشى مع نهاية العرض.

لماذا خبت النجومية؟
انتهى "Lost" في 2010، تاركًا خلفه فراغًا مثل الدخان الأسود الذي يبتلع كل شيء. لماذا فقد معظم الأبطال وهجهم؟ الإجابة تكمن في طبيعة الصناعة: "Lost" كان قمة فريدة، يجمع بين الإثارة والعمق، لكن ما بعده كان أدوارًا روتينية أو فشلًا في التنويع. ماثيو فوكس، على سبيل المثال، اختار الابتعاد عن الأضواء لسنوات، معلنًا أنه "انتهى من العمل التلفزيوني" بعد الإرهاق. عاد في 2022 بدور في "Last Light" على منصة Peacock، لكنه لم يستعد مجده السابق. جوش هولواي واجه "سبع سنوات صعبة"، من خلال محاولاته في أدوار بـ"Colony" و"Intelligence"، لكنها لم تستمر.
إيفانجيلين ليلي، رغم نجاحها في Marvel، أعلنت في 2024 توقفًا "غير محدد" عن التمثيل. مفضلة حياة هادئة، كأنها كيت تهرب مرة أخرى من الماضي. خورجي جارسيا، هيرلي المحبوب، انتقل إلى "Hawaii Five-0" و"Bookie"، لكنه ظل محصورًا في أدوار ثانوية. نافين أندروز، سعيد خبير الاتصالات الذكي، ظهر في "Sense8" و"The Dropout"، لكنه لم يصل إلى قمة جديدة.
هذا التراجع ليس صدفة؛ بسبب البطولة الجماعية التي اعتمد عليها "Lost"، تلاشى بريق الشخصيات خارج سياقها، فأصبحوا نجومًا هامشيين في مسرحيات أصغر بعد أن كانوا أبطال مسرح الجزيرة العظيم.

الناجون من الضياع
الحقيقة أن لم يغرق الكل في "Lost"؛ بعضهم سبح إلى شواطئ جديدة. دانيال داي كيم، جين الصامت في البداية، تحول إلى منتج وممثل ناجح في "Hawaii Five-0" و"The Good Doctor"، وفي 2025 يقود مسلسل الأكشن والجاسوسية "Butterfly" على شبكة Amazon، محطمًا الصور النمطية للآسيويين. يونجين كيم، صن الذكية، عادت إلى كوريا الجنوبية لنجاحات في أعمال درامية شعبية مثل "Ms. Ma" و"Money Heist: Korea".

مايكل إميرسون، بن لينوس الشرير الذكي، انتقل إلى "Person of Interest" و"Evil". محافظًا على سمعته كممثل شخصيات معقدة. إميلي دي رافين، كلير الضعيفة، نجحت في "Once Upon a Time" بشخصية بيل، لسنوات طويلة. هؤلاء نجحوا لأنهم اختاروا التنوع: داي كيم في الإنتاج، يونجين في السوق الكوري، إميرسون في الأدوار الشريرة. مقارنة بفوكس، الذي اختار الابتعاد ورفض كثيرًا من الأعمال.
هنري إيان كوسيك، الإسكتلندي بدور ديزموند، انتقل إلى "The 100" و"MacGyver"، مستفيدًا من لهجته الفريدة. دومينيك موناجان، البريطاني كتشارلي، تحول إلى وثائقيات مثل "Wild Things"، وبعض الأعمال المستقلة، مختارًا طريقًا غير تقليدي. التنوع كان مثل جسر للبعض، حاجزًا لآخرين؛ في عام 2025، مع زيادة الوعي بالتنوع، ربما يفتح ذلك أبوابًا جديدة للتألق مع شخصيات دؤوبة مثل هارولد بريناو، أحد نجوم الأدوار المساعدة في "Lost"، يتألق بشدة في مسلسل الرعب والخيال العلمي "From"، الذي حقق نجاحًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وما زال مستمرًا.

هل يعودون؟
هارولد بريناو، الذي جسّد شخصية مايكل، الأب اليائس الذي يبحث عن ابنه المخطوف في الجزيرة، عانى تجاهل شركات الإنتاج بعد نهاية دوره في "Lost". بريناو الغاضب طالب بأجر أعلى ومساحة أكبر في الأعمال الدرامية، لكنه نجح بعد سنوات في "Sons of Anarchy"، "Constantine"، و"From" في 2024، محولًا غضبه إلى أداء قوي. ميشيل رودريجيز، أنا لوسيا الشرطية القاسية، واصلت تألقها في أدوار كمحاربة في "Fast & Furious" و"Avatar"، محافظة على وهجها كأيقونة أكشن، لكنها لم تسعَ لتنويع أدوارها.

بينما يكافح البعض بصعوبة لاستعادة الصعود واستكمال مسيرتهم الفنية الضائعة، يظل باب العودة مفتوحًا لنجوم المسلسل رغم مرور السنوات، البعض منهم اكتفى بإرث "Lost" مثل كنز يتجدد مع مشاهدة حلقاته من جديد على المنصات.
الوثائقي "Getting LOST" (2024) أعاد إحياء الجزيرة، مرآةً لصعود نجومها وسقوطهم. يقول دامون ليندلوف أحد كتاب المسلسل: "الجزيرة كانت مرآة النفس، تعكس قوتنا وكسرنا."، هذه الكلمات تربط تنوع الشخصيات بمساراتهم الجديدة، مذكرةً إيانا أن "Lost" لم ينتهِ؛ إرثه يتجدد في الذاكرة الجماعية.
الصور من موقع الفيلم الوثائقي Getting LOST.