مسلسل Under a Dark Sun

مسلسل "Under a Dark Sun"..  دراما فرنسية واعدة قتلتها جرعة زائدة من الـ"تويستات"

إيهاب التركي
14 أغسطس 2025

مسلسل (تحت سماء قاتمة) (Under a Dark Sun) المعروف أيضًا بـ (Qui sème le vent) حمل للمشاهدين وعود التشويق كواحد من أعمال الدراما والجريمة والغموض الأخيرة، محمَّلًا بالعبق الفرنسي الذي لطالما جذب عشاق الدراما الأوروبية. المسلسل القصير (6 حلقات) بدأ عرضه على منصة نتفليكس وحَظِي بنسبة مشاهدات عالية، وتبدأ قصته في حقول الورد الواسعة بمنطقة بروفانس الجنوبية، حيث تتسلل ألبا مازييه (أفا بايا)، أم عزباء تبحث عن بداية جديدة، إلى عالم عائلة لاسير الثرية المشحون بالأسرار. المشهد الأول، حيث نراها تهرب مع ابنها ليو في ليلة مظلمة، يحمل إحساسًا بالتوتر. كنت أتوقع رحلة درامية تنافس أعمالًا مثل مسلسل (القتل) (The Killing)  الدنماركي في عمقه النفسي.

التشويق والفوضى

تبدأ الحبكة بشكل جذاب، حيث نجد ألبا تتسلم وظيفة في مزرعة الأزهار، فقط لتجد نفسها مشتبهًا بها في جريمة قتل المدير آرنو لاسير الذي يُكتشف لاحقًا أنه والدها البيولوجي. الفكرة الأساسية، التي تدور حول الوراثة والخيانة في عائلة غنية، تحمل إمكانيات كبيرة لخلق دراما نفسية معقدة. في الحلقات الأولى، ينجح المسلسل في بناء الغموض وزرع الأسئلة: من الجاني؟ هل ألبا ضحية أم متورطة؟ لكن سرعان ما تتحول القصة إلى سلسلة من التويستات المبالغ فيها التي تبدو كأنها مُلقاةً عشوائيًا لملء الفراغات. على سبيل المثال، ظهور شخصيات مثل فالنتين، الذي يكشف عن أسرار مريبة ثم يُقتل بسرعة، يشعر وكأنه محاولة يائسة للحفاظ على الاهتمام دون بناء منطقي.

مع تقدم الحلقات، يغرق السيناريو في تفاصيل مفككة، مثل علاقات عائلية معقدة تفتقر إلى السياق، وخيانات قديمة لا تضيف شيئًا جوهريًا للقصة. النهاية، التي تحاول ربط كل الخيوط في عقدة درامية، تبدو سطحية وغير مقنعة، حيث يتضح أن الجاني لم يكن شخصية مركزية، مما يترك المشاهد في حيرة من أمره. هذا النهج يشبه أعمال الرعب الرخيصة التي تعتمد على المفاجآت العابرة بدلًا من السرد العميق، وهو ما يجعل المسلسل يفقد بريقه بعد الحلقة الثالثة. المشكلة الأساسية تكمن في غياب رؤية واضحة؛ فالسيناريو، المكتوب من قبل نيلز-أنطوان سامبوك، يبدو وكأنه حاول الجمع بين دراما عائلية وغموض جنائي دون إتقان أي منهما، مما يؤدي إلى تجربة مشتتة.

مسلسل (تحت سماء قاتمة Under a Dark Sun) تسيطر عليه الإثارة والغموض
مسلسل (تحت سماء قاتمة Under a Dark Sun) تسيطر عليه الإثارة والغموض

أناقة إيزابيل أدجاني

التمثيل في (Under a Dark Sun) يمثل مزيجًا من الإيجابيات والسلبيات، يعكس تقلبات المسلسل نفسه. أفا بايا، التي تلعب دور ألبا، تبدأ بأداء قوي يعكس الصراع الداخلي لأم تحاول حماية ابنها، لكن مع زيادة تعقيد القصة، تبدو أحيانًا كأنها تائهة وسط الأحداث المبالغ فيها. مشاهد التوتر، مثل محاولتها الهروب بعد اكتشاف جثة آرنو، تحمل طابعًا عاطفيًا صادقًا، لكن ردود أفعالها في المواقف اللاحقة تصبح متكررة وغير متناسقة، مما يقلل من تأثيرها.

إيزابيل أدجاني، نجمة سينما فرنسية بتاريخ طويل، تضيف لمسة من الأناقة كـ«بياتريس»، زوجة آرنو، مع أداء يمزج بين البرود ولمسات من التهكم والكوميديا السوداء، مثل اختيارها للبدلة الوردية في الجنازة. لكن حتى أداؤها، الذي كان متوقعًا أن يكون محورًا، يضيع وسط حبكة السيناريو الضعيف، حيث تبدو بعض حواراتها مفتعلة وغير مقنعة. الشباب مثل ماكس هارتر (ليو)، يقدّم أداءً ناضجًا، لكنه يفتقر إلى التنوع العاطفي الذي يمكن أن يعزز شخصيته. باقي الممثلين، مثل جوي گوكس ولويز كولديفي، يقدمون أداءً جيدًا في المشاهد البسيطة، لكنهم يعانون من ضعف التطوير الدرامي لشخصياتهم، مما يجعل التمثيل ككل متذبذبًا. مقارنة بمسلسلات فرنسية ناجحة مثل (العائدون) (Les Revenants)، حيث كان التمثيل متناغمًا مع القصة، يبدو أن (Under a Dark Sun) يعاني من انفصال بين الأداء والسيناريو.

النجمة إيزابيل أدجاني أضافت زخم لمسلسل
النجمة إيزابيل أدجاني أضافت زخم لمسلسل

الإخراج يبحث عن رؤية

الإخراج، الذي قاده ماري جارديلييه وإدوارد سالييه، بدأ بمساحة طموحة للإبداع، مع تصوير بانورامي لمناظر بروفانس الخلابة، حيث تتألق الشمس فوق حقول الورد في تناقض مع أجواء القصة القاتمة. المشاهد الأولى، التي ركزت على حركة الكاميرا البطيئة لإبراز التوتر، كانت تجربة بصرية ممتعة، خاصة في استخدام الإضاءة المنخفضة لخلق أجواء غامضة. لكن مع تقدم الحلقات، يُصبح التقطيعُ السريعُ للمشاهد محاولةً يائسةً لإخفاء الثغرات السردية.

التوازن بين الإيقاع البطيء في البداية والسرعة المفرطة في النهاية يعكس رؤية غير متماسكة، حيث يبدو أن الإخراج حاول مواكبة التويستات المتلاحقة دون وضع خطة واضحة. مقارنة بأعمال جريمة درامية مثل (Broadchurch) البريطانية، التي نجحت في الحفاظ على التوتر من خلال الإخراج المتقن، يفتقر (Under a Dark Sun) إلى الانسجام، مما يجعل التجربة تبدو كأنها مجموعة مشاهد متفرقة بدلًا من قصة مترابطة. هذا الضعف في الإخراج يعزز الانطباع بأن المسلسل بدأ بطموح كبير لكنه انهار تحت ضغط السيناريو المفكك.

جمال تحت سماء بروفانس

من الناحية الفنية، يتميز المسلسل بتصوير سينمائي رائع، حيث استغل المصورون جمال الطبيعة الفرنسية في مقاطعة بروفانس لخلق خلفية تضفي طابعًا شعريًا على القصة. استخدام الألوان الدافئة في البداية مثل الذهبي والأخضر يتناقض بشكل جميل مع الظلال الداكنة التي تهيمن لاحقًا، مما يعكس التحول النفسي للشخصيات. الموسيقى التصويرية، التي تعتمد على نغمات منخفضة مع إيقاعات متسارعة، كانت فعالة في تعزيز التشويق في الحلقات الأولى، لكنها أصبحت متكررة وغير متناسقة مع تطور القصة.
تعاني العناصر الفنية من مشكلة كبيرة في التناسق؛ فالصوت في المشاهد الخارجية، على سبيل المثال، يعاني من مشاكل في الوضوح. الديكورات، مثل مزرعة الأزهار والبيوت الفاخرة، كانت مصممة بعناية، لكنها لم تُستَغلّ لتعزيز الجو الدرامي، بل بدت كخلفية ثانوية سطحية. يبدو أن (Under a Dark Sun) فشل في تحقيق هذا الاندماج، مما جعل الخلفية تبدو لوحة جميلة عشوائية لم تُوظف جيدًا في صميم العمل الدرامي.

المسلسل  تميز بتصوير سينمائي رائع
المسلسل  تميز بتصوير سينمائي رائع

سيناريو غير مدروس

يمكن اعتبار (Under a Dark Sun) محاولة طموحة لخلق دراما فرنسية تنافس الإنتاجات الأوروبية الناجحة، لكنه ينهار تحت وطأة سيناريو غير مدروس. البداية القوية، التي تعتمد على الغموض والشخصيات المعقدة، كانت وعدًا بمسلسل يمكن أن يترك بصمة، لكن النهاية الضعيفة، التي تعج بالتويستات المفرطة غير المقنعة، تحولت إلى خيبة أمل. هذا التناقض يعكس مشكلة أعمق في صناعة المحتوى الحديثة، حيث تهتم المنصات مثل نتفليكس بالسرعة والكمية على حساب الجودة.
السيناريو، الذي حاول دمج دراما عائلية وغموض جنائي، فشل في تقديم حبكة مترابطة، مما يجعل المشاهد يشعر بالإرهاق بدلًا من الإثارة. التمثيل، رغم وجود لمسات مشوقة من أدجاني وبايا، والحبكة تعاني من ضعف التطوير، بينما الإخراج والعناصر الفنية، على الرغم من جودتها البصرية، لم تساعد في إنقاذ المسلسل من فوضاه. مقارنة بأعمال مثل (Broadchurch) أو (Les Revenants)، التي نجحت في الجمع بين التشويق والعمق، يبدو (Under a Dark Sun) كتجربة غير ناضجة تحتاج إلى مراجعة شاملة.

الطموح المفقود

 (Under a Dark Sun) يمثل محاولة جادة لكنها غير ناجحة في تحقيق إمكانياتها. البداية المشوقة التي وعدت بقصة نفسية عميقة تحولت إلى نهاية ضعيفة مليئة بالمبالغات والفوضى. السيناريو المفكك، التمثيل المتذبذب، والإخراج التائه، كلها أسهمت في جعل هذا المسلسل تجربة ناقصة. ربما كان من الأفضل لو خُصِّص وقتٌ أطول لتطوير الشخصيات والحبكة بدلًا من الاعتماد على التويستات العشوائية. بالنسبة لعشاق الغموض، قد يكون هناك بعض المتعة في الحلقات الأولى، لكن الرحلة العامة تبقى درسًا في كيف يمكن للطموح أن يضيع إذا لم يكن مدعومًا برؤية واضحة.

الصور من حساب نتفليكس.