عبير أحمد

صورة تعيد تشكيل الموضة... ثلاث رؤى سعودية خلف العدسة

رهف القنيبط
6 أغسطس 2025

الصورة لم تعد مجرد انعكاس للواقع، بل غدت مرآة لوعي متحرّك وأداة لرصد التحولات. وفي عالم الموضة، تتجاوز العدسة وظيفتها التوثيقية لتصبح وسيلة لتحليل وإعادة بناء التصوّرات، تسبر ما هو أعمق من مظهر القماش، وتطرح تساؤلات عن الهُوية والذوق والتمثيل. في هذا اللقاء، نسلّط الضوء على من يقفون عادة خلف الكاميرا: ريّان نواوي، عبير أحمد، وعبدالله الخليفة. يجمعهم شغف حقيقي بعالم الموضة، لكن كل منهم يسير بأسلوبه الخاص: من البورتريه القريب، إلى السرد المفاهيمي، وصولا إلى التجريب التقني. نلتقيهم لا للحديث عن عدساتهم ومعداتهم، بل لفهم كيف تصبح الكاميرا موقفا ثقافيا، والجمال رأيا، والموضة وسيلة لرسم صورة جديدة للهُوية.

ريّان نواوي

الهُوية ليست ثابتة وما يهمني هو ما يمكن أن تصبح عليه

ريّان نواوي​​​​
ريّان نواوي​​​​

يعتبر ريّان نواوي أن الصورة ليست هدفا بحد ذاتها، بل هي أداة لبناء خطاب بصري يعكس ملامح سعودية بنَفَس عالمي. لا يبحث عن تقليد أو محاكاة، بل يسعى لصياغة لغة بصرية تمزج الجذر المحلي بنظرة معاصرة. يصف الهُوية السعودية بأنها كيان متحوّل، ويخضعها لمبادئ التصميم العالمية من وضوح الفكرة إلى عمق التأثير.

من أبرز مشاريعه، سلسلة تحريريّة أعاد فيها تشكيل اللباس التقليدي برؤية مستقبلية، مستخدما تقنيات رقمية ومرجعيات غير تقليدية. الهدف لم يكن استعادة التراث بل إعادة تخيّله وتقديمه بلغة الحاضر.

يقود نواوي عبر Nawawi Studio فريقا متعدد التخصصات يعمل على حملات لأسماء كبرى، ويكرس الاستوديو لخلق بيئة تتيح المخاطرة وتدعم التجريب. كما أطلق Last Studio on Earth، وهو مختبر يعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم الرؤية الفنية، لا لاستبدالها. بالنسبة له، التقنية تغيّر كيف ننتج، لكنها لا تغيّر لماذا ننتج.

عبير أحمد

الصورة كسؤال عن الذات والهُوية

عبير أحمد
عبير أحمد

منذ بداياتها عام 2012، اختارت عبير أحمد ألّا تتعامل مع الكاميرا بوصفها عدسة تلتقط المظهر، بل بوصفها نافذة تطرح أسئلة عن الداخل. تقول لـ"هي": "كل تجربة خضتها مع علامة عالمية كانت بمنزلة مرآة جديدة أرى بها الصورة من زاوية مختلفة. في كل مشروع تعلمت أن الموضة ليست مجرد منتج يُعرض، بل هي حوار بصري بين الثقافة والسياق والإنسان. هذه التجارب منحتني أدوات تقنية، لكنها في العمق عمّقت فهمي للصورة باعتبارها وسيلة للتعبير لا تقل أهمية عن الكلمة أو الصوت".

جوهر عمل عبير يتلخّص في سؤال واحد: "من نحن؟". تبدأ كلّ جلسة بهذا الاستفهام، فتبحث في تفاصيل المشروع عن خيط يربط الذاكرة بالانتماء، ثم تعيد بنــاءه بصريّا، حريصة على ألا تُفرغ الجمال من معناه. تقول: "القصة تبدأ دائما من هذا السؤال. أبحث في تفاصيل المشروع عن ملامح تربطنا بالذاكرة أو بالانتماء، ثم أعيد بناءها بصريا بطريقة تحترم الجمال من دون أن تفرغه من المعنى. كل عنصر في الصورة، الضوء، والحركة، الصمت، هو حرف من الحكاية".

التحوّل الثقافي السريع الذي تعيشه السعودية منحها مادة حيّة. لا تكتفي بمراقبته؛ بل ترى نفسها جزءا من صناعته. تقول: "المشهد السعودي اليوم يتحرك بسرعة، لكنه لا يفقد جذوره، وهذا التوازن يلهمني كثيرا. كمصورة، لا أرى نفسي شاهدة فقط على هذا التحول، بل أرى أني جزء منه. العدسة لا تسجل اللحظة فحسب، بل تمنحها معنى، وتعيد صياغتها بلغة تحاكي المستقبل وتحترم الأصل".

هذا الإدراك ينعكس على إدارتها لـ AMG Studio. فهي مديرة إبداعية ومؤسِّسة، تعرف أن الجانب التجاري يؤمّن الاستمرارية، لكنه قد يفتك بالهُوية إذا تُرك منفلتا. تقول: "أحاول دائما أن أجد مساحة مشتركة بين متطلبات العميل ورؤيتي الفنية. الجانب التجاري مهم لضمان استمرارية العمل، لكنني أحرص على ألا يكون ذلك على حساب الجودة أو الهُوية البصرية. التوازن يحدث عندما نُقدم عملا يحقق هدفه التسويقي من دون أن يفقد روحه".

عند تصوير الشخصيات النسائية، تميل عبير إلى ما تسميه "الصدق المجرّد". تقول: "أميل إلى إبراز الجانب الإنساني في الشخصية، سواء في جلسات التصوير الشخصية أو التجارية. لكن في الحملات الإعلانية هناك عناصر إضافية يجب مراعاتها مثل الرسالة التسويقية وطبيعة العلامة، بينما في التصوير الشخصي أجد مساحة أوسع للتجريب والتقارب العاطفي".

وترى عبير أن المصوّر اليوم "لا ينقل الصورة، بل يصنع اللغة التي تُفهم بها الموضة". لذلك تركّز على بناء جيل يقرأ الصورة بمعايير محلية ولهجة كونية. تقول: "في السعودية، نحن أمام فرصة نادرة لصياغة هُوية بصرية نابعة من السياق المحلي، لكنها تتحدث بلغة عالمية. ما أتمنى توثيقه ليس فقط المظهر، بل التحول العميق في كيف يرى الناس أنفسهم، وكيف يريدون أن يراهم العالم". وفي هذا السياق، تشير إلى أهمية أن تكون الصورة السعودية انعكاسا حقيقيا للتنوّع الداخلي، لا مجرّد محاكاة لما هو سائد. وتضيف: "حين نبدأ من الداخل، من القيم والقصص المحلية، يصبح للصورة أثر أطول، وجاذبية أصدق، وقوة سردية تعبر الحدود".

هذا الإيمان العميق بالصورة كوسيلة للطرح لا العرض، يجعل من عبير صوتا فنيا واعيا في مشهد سريع التغير، حيث لا يقتصر دور المصوّر على ضغط زر الكاميرا، بل يتجاوز ذلك إلى خلق سرد جديد يعكس حاضر المجتمع وينبّه لمستقبله.

عبدالله الخليفة

الصورة كأثر شعوري صامت

عبدالله الخليفة
عبدالله الخليفة

يتعامل عبدالله الخليفة مع الصورة بوصفها لغة داخلية، تنبع من الإحساس قبل أن تُبنى بالضوء والظل. في أعماله، لا نجد الاستعراض أو التصنّع، بل نرى مشاهد محمّلة بما يصعب قوله بالكلـمــــات. لا يـــراهــــا انعكاســـا لهـشـاشـــة، بل كما يقول: "هي قراءة واثقة لما يختبئ خلف المظهر".

في هذا الإطار، تلعب التجربة الشخصية دورا خفيا في تشكيـــل رؤيـــته، من دون أن تفرض سطــــوتها. يقول لـ"هي": "التجربة موجودة، لكنها لا تقودني؛ استــخـــدمــــهــــا أداة لــفــهـــم الحـــالـــة، وللــمـــس العمق، وصناعة صورة تعبر عن واقع داخلي بلا تصنّع". ويتــــابــــع: "الـــحـــس الشعــــوري في أعمــــالي مـقــصـــود ومدروس، لكنه لا يتصنّع المشاعر، بل يكشفـــها. الـــصورة هي قــــرار واعٍ يبــــــني عــــلاقــــة صامتة بــيــــن المتلقي وما يراه، ويمنح المتفرّج فرصة التأمل لا الاستهلاك السريع".

في بناء المشهد البصري، يقول عبدالله: "أبدأ دائما بالحالة النفسية، ثم أتنقّل إلى الأزياء والإضاءة وتفاصيل الموقع". ويصف جلسات التصوير بأنها "مشـهد مسرحي داخلي"، ويضيف: "أسأل نفسي: ما الشعور الذي نريد أن نحكيه: الحزن، التوتر، الحنــيــــن، أم التمرّد؟ أخلق بيئة آمنة للعارضة لتتحرّر وتعيش التجربة". ويؤكّد: "خلف الكاميرا أبحث عن لحظة غير متوقعة، عن نظرة سريعة أو حركة غير مثالية لكنها صادقة؛ أثر الإنسان أهمّ من كمال اللقطة".

عن مشاركته في مبادرات مثل "فكر" و"عرض ألف ليلة وليلة من إيلي صعب"، يقول عبدالله: "هذه المشاريع بالنسبة لي تمثل ثقافة حيّة، لا مرجعا جامدا. أتعامل معها كحوار مستمر مع الذاكرة والتاريخ"، مؤكداً رؤيته أن الموضة "لغة ســــرد" تخبــــر حكـــايـــــات المجتـــمــــع، موضحا: "أرى الموضة أداة لنقل مشاعر لا تُقال، وسردا بصريا يعكس طبيعة التحولات المجتمعية، ويعيد تقديم القيم الجمالية في صيغة معاصرة".

ومع اتــــساع أدواته التعبيرية، بــــدأ الخليفة في استــــكشــــاف الحــــركـــــة كامتــــداد لرؤيته البصرية. يـــــوضح: "الصورة تلتقط اللحــظــــة، لكن الفيلم يمنحها تنفّسًا". ويشرح: "هناك مشاعر لا تُختزل في إطار واحد: الصوت، والتوقيت، والحركة كلها أدوات توسّــــع قـــدرتي على التــــعــبــيـــــر عن التــــحـــــولات الداخلية مثل الصراع، والغموض".

ويختم: "الفيلم ليس بديلا للصورة، بل هو امتداد لها؛ يعبّر عــــن الرؤية نفـــســـهــــا بأدوات أوسع زمنا ومساحة". ويتعامل مع الفيلم كامتداد طبيعي للوحة، قائلا: "أنا لا أبتعد عن صناعة الصور، بل أضيف طبقة سردية جديدة تجعلها أكثر حياة".

ومع تطوّر رؤيته واتساع طموحه، بدأ الخليفة في رسم ملامح مشروعه المستقبلي، استديو 1827 الذي لا يكتفي بإنتاج الصورة، بل يعيد التفكير في آليات إنتاجها. يوضح قائلا: "سيكون مساحة تفكير وتجربة جماعية للأفكار التي لا تجد مكانا في السوق التقليدي". ويضيف: "وسط إنتاج بصري سريع ومكرّر، أطمح إلى تقديم محتوى بطيء، دقيق، يُبنى بحسّ، ويمنح المتلقي فرصة التأمل". ويؤكد أن الفجوة التي يسعى لردمها "هي المسافة بين الجمال والصدق، وبين الفن والواقع، وبين الإشباع الفوري والتجربة العميقة".