
خاص بـ "هي": المصممة "مها السبيعي" ورحلة خاصة في عبق التراث السعودي بأزياء الخيل والأزياء التقليدية
في عالم تتسارع فيه الموضة وتتغيّر الصيحات، تختار المصممة "مها ابراهيم خزيم السبيعي" أن تعود إلى الجذور، فتجعل من التراث السعودي مصدر إلهام دائم، وتصوغ منه تصاميم عصرية تنبض بالأصالة، لتبني رؤيتها الجمالية على التوازن بين الماضي والحاضر.. في هذا الحوار، تأخذنا المصممة مها ابراهيم خزيم السبيعي في جولة داخل عالمها الإبداعي، ابتداء من شغفها بتصميم أزياء الخيل والخيالة مرورا بتصاميمها وقصاتها المستلهمة من العباءة والدقلة وغيرها من الأزياء التقليدية، ووصولا إلى تعاونها مع الحرفيين والمتخصصين في التراث السعودي إيمانًا منها بأن الحفاظ على الأصالة يتطلب العودة إلى منابعها، وذلك بهدف إظهار التراث السعودي الغني والقادر على مواكبة الموضة العالمية دون أن يفقد هويته.. لنتعرف على هذا العالم من خلال هذا الحوار الممتع معها:

كيف بدأت رحلتكِ في عالم تصميم الأزياء؟ وهل كان التراث حاضرًا منذ البداية؟

رحلتي في عالم تصميم الأزياء بدأت منذ الطفولة عندما كنت أستمتع بصنع ملابس للدمى الخاصة بي باستخدام أبسط الخامات التي كانت حولي، مثل قصاصات الأقمشة اللي كانت تحضرها والدتي من الخياط أو محلات القماش.. وعلى الرغم من أنني لم أكن أعرف كيف أستخدم الإبرة إلا إن شغفي بالتصميم جعلني أبتكر وأجرب بطريقتي الخاصة.. وللأمانة لم يكن التراث حاضراً آنذاك ولكن كانت تشدني الأقمشة التراثية.
كيف توازنين بين الحفاظ على الهوية الثقافية ومواكبة الموضة العالمية؟

أؤمن بأن الحفاظ على الهوية الثقافية لا يتعارض مع مواكبة الموضة العالمية بل يمكن أن يكون مصدر إلهام غني ومتفرد، أوازن بينهما من خلال دمج العناصر التراثية في التصاميم الحديثة سواء عبر الأقمشة أو التطريزات أو القصّات التي تعكس روح ثقافتنا مع لمسة عصرية تواكب الاتجاهات العالمية، هذه المقاربة لا تمنح القطعة طابعاً مميزاً فحسب بل تروي أيضاً قصة وتُشعر المرأة بالفخر بتراثها دون أن تتخلى عن أناقتها أو حداثتها، برأيي.. التميز الحقيقي يكمن في القدرة على المزج الذكي بين الأصالة والمعاصرة.
كيف وُلد شغفكِ بتصميم أزياء الخيل والخيالة؟ ما الرسالة التي تودين إيصالها من خلال هذا المجال؟

وُلد شغفي بتصميم أزياء الخيل والخيّالة من إعجابي العميق بعالم الفروسية وما يحمله من رموز العراقة والقوة والجمال، وكان لهذا الشغف جذور شخصية إذ إن والدي حفظه الله كان ولا يزال عاشقًا للخيل وكان من أوائل من أسسوا ناديًا للفروسية في المنطقة الشرقية مما رسّخ في داخلي ارتباطًا وجدانيًا بهذا العالم منذ الصغر.
لطالما جذبني مشهد الفارس على صهوة جواده ورأيته لوحة فنية متكاملة تستحق أن تُكتمل بأزياء تعبّر عن هذه الهيبة وتُجسد هويتنا الثقافية، ومن هنا بدأت رحلتي في تصميم الأزياء التي تُبرز أصالة الفروسية العربية وتدمج بين الطابع التراثي واللمسات العصرية.
أما فكرة تصميم وشاح الخيل فقد وُلدت منذ أكثر من خمس سنوات عندما كنت أرى أن الخيل الفائز لا يكفيه مجرد التكريم التقليدي بل يستحق أن يُتوّج بوشاح ثمين ومميز يُعبّر عن فخر الإنجاز ومن هذا الشعور نشأت فكرتي لصناعة أوشحة الخيل كتحية رمزية تُجسّد المجد والانتصار بروح فنية أنيقة.
رسالتي من خلال هذا المجال هي أن الفروسية ليست مجرد رياضة بل ثقافة متجذّرة في تاريخنا ومصدر إلهام فني يحمل روح الأصالة والهوية.
ما الذي يميز تصاميمكِ في هذا المجال عن التصاميم التقليدية لأزياء الفروسية؟

ما يميز تصاميمي في مجال أزياء الفروسية هو المزج بين الجمال والوظيفة، حيث أحرص على تقديم قطع تحافظ على هوية الفروسية السعودية من حيث الوقار والفخامة لكن بلمسة عصرية تُراعي الذوق الحديث للخيّالة سواء في المرأة أو الرجل، أبتعد عن النمط التقليدي الثابت وأسعى إلى ابتكار تصاميم تعبّر عن شخصية الفارس وتفاصيل المناسبة باستخدام خامات راقية وقصّات مدروسة تمنح الراحة والأناقة في آنٍ واحد، كما أنني أُدرج أحيانًا عناصر زخرفية مستوحاة من التراث لتكون كل قطعة امتدادًا بصريًا للهوية العربية الأصيلة لكن برؤية متجددة.
ما أبرز عناصر التراث السعودي التي تحرصين على إدخالها في تصاميمكِ؟ مثل (الزخارف، الألوان، القصّات، وغيرها).

أحرص في تصاميمي على إبراز عناصر التراث السعودي بطريقة عصرية تحافظ على روح الأصالة، أستلهم كثيراً من الزخارف التقليدية مثل السدو والمجسمات الهندسية التي تعكس جمال الحرف اليدوية القديمة، كما أركز على الألوان الدافئة والغنية المستوحاة من طبيعة المملكة مثل درجات الرمل والذهب والبرتقالي الغروب وأحياناً أضيف ألواناً حادة لتجديد الروح التراثية بشكل عصري.
أما القصّات فأستلهمها من العباءة والدقلة وغيرها من الأزياء التقليدية لكني أقدمها بقوالب حديثة تناسب المرأة العصرية، هدفي هو أن أُظهر أن تراثنا السعودي غني وقادر على مواكبة الموضة العالمية دون أن يفقد هويته.
هل سبق لكِ التعاون مع حرفيين أو صُنّاع تقليديين لإبراز التراث في تصاميمكِ؟

نعم لقد كان لي شرف التعاون مع عدد من الحرفيين والباحثين المتخصصين في التراث السعودي إيمانًا مني بأن الحفاظ على الأصالة يتطلب العودة إلى منابعها، أحرص دائمًا قبل تنفيذ أي تصميم مستوحى من التراث على الرجوع إلى أهل الخبرة والتخصص للتأكد من دقة التفاصيل ولضمان ألا يتعارض العمل مع الهوية الثقافية أو يشوّه عناصرها.. هذا التبادل المعرفي لا يُثري تصاميمي فقط بل يمنحها عمقًا وقيمة تُحاكي الجذور وتعبر عنها بصدق ووعي.
كيف يتلقى جمهور اليوم الأزياء المستوحاة من التراث؟ وهل تجدين إقبالًا من الجيل الشاب؟
جمهور اليوم أصبح أكثر وعيًا وتقديرًا للأزياء المستوحاة من التراث لا سيما حين يتم تقديمها بروح عصرية تواكب ذوقه وتعبّر عن هويته في آنٍ واحد، ألاحظ إقبالًا متزايدًا من فئة الشباب على هذا النوع من التصاميم لأنهم يبحثون عمّا يميزهم ويعكس أصالتهم بطريقة حديثة ومبتكرة، فلم يعد التراث بالنسبة لهم شيئًا جامدًا أو متعلقًا بالماضي فقط بل أصبح مصدر فخر ومكوّنًا أساسيًا من ملامحهم الشخصية خاصة عندما يُقدَّم بلغة تصميم معاصرة تراعي التفاصيل والجودة.
كيف ترين مستقبل الأزياء السعودية في السنوات القادمة؟

أرى أن الأزياء السعودية تتجه بخطى واثقة نحو مستقبل مزدهر حيث تشهد تحولًا من التعبير الفردي إلى صناعة قائمة بذاتها مدعومة برؤية طموحة واستثمار في المواهب المحلية، نحن أمام جيل جديد من المصممين الذين يجمعون بين الأصالة والابتكار ويسعون لخلق هوية سعودية معاصرة في عالم الموضة قادرة على أن تتحدث إلى العالم بلغتها الخاصة وتنافس على منصات العرض الدولية بكل ثقة وجمال.
بعيدًا عن الأزياء التراثية وأزياء الفروسية، كيف تصفين تجربتكِ في تنفيذ التصاميم حسب طلب العملاء؟
تنفيذ التصاميم حسب طلب العملاء هو أحد أهم الجوانب التي أُركز عليها في عملي بل وأجد فيه متعة خاصة وتحديًا جميلًا، فكل عميلة تحمل ذوقًا فريدًا ورؤية معينة ودوري كمصممة هو أن أترجم هذه الرؤية إلى تصميم متكامل يناسب شخصيتها ومناسبتها، أحرص على الاستماع لتفاصيل الطلب وفهم ما تبحث عنه ثم أختار القصّة والقماش واللمسات النهائية بما يتناسب مع شكل الجسم والأسلوب الخاص بها.. هذه التجربة تمنحني تنوعًا وإبداعًا مستمرًا وتجعل كل قطعة أنفذها تحمل بصمتي لكنها في الوقت ذاته تعبّر عن صاحبتها بكل خصوصية.
ماهي طموحاتكِ التي تسعين لتحقيقها في المستقبل؟

من أبرز طموحاتي التي أسعى لتحقيقها في المستقبل هو تعزيز التعاون بين المصممين والمنفذين بحيث تتكامل الرؤية الإبداعية مع التنفيذ الحرفي الدقيق لنصل إلى نتائج تعبّر بصدق عن هوية التصميم، كما أطمح إلى امتلاك مساحة عمل خاصة بي طالما حلمت بها تكون بيئة ملهمة ومتكاملة تُتيح لي تنفيذ التصاميم حسب رغبات العملاء وتفاصيلهم الخاصة بأسلوب يجمع بين التفرّد والجودة ويُترجم رؤيتي في عالم الأزياء إلى واقع ملموس.
كلمة أخيرة..

في ختام هذه المقابلة أتوجه بكل الامتنان لبلدي المملكة العربية السعودية التي منحتني الإلهام والدعم لأحلم وأعمل وأحقق.. كما لا أنسى فضل عائلتي التي كانت السند الأول في رحلتي بدعمها وثقتها وحبها الذي لا ينضب.. ولكم جزيل الشكر مجلة (هي) على إتاحة هذه المساحة التي مكّنتني من مشاركة جزء من شغفي وطموحاتي.. آمل أن يكون المستقبل أجمل مليئًا بالإبداع الذي يحمل بصمة سعودية أصيلة.
حساب Khzama by maha على الانستجرام.
https://www.instagram.com/khuzama59/
الصور تم استلامها.