تخلصي من القلق.. باتباع نصائح فعالة لاستعادة هدوءك النفسي

تخلصي من القلق.. نصائح فعالة لاستعادة هدوئك النفسي

جمانة الصباغ

نُأتي إلى هذه الحياة، وأول ما نفعله هو البكاء؛ ربما لأننا ندخل عالمًا غريبًا لم نعهده من قبل، بعدما عشنا لفترة تسعة أشهر داخل أرحام أمهاتنا متنعمين بالهدوء والدفء والراحة والطعام والحب والاهتمام. ما أن يخرج الطفل من رحم أمه، حتى يُفاجئ بالأضواء القوية وتغيَر الحرارة والأصوات الكثيرة التي تزدحم حوله؛ يبدأ القلق يتسرب إلى بدنه الصغير دون أن يدري، ولا يشعر بالراحة إلا بعد أن يُلامس جسده المرتعش صدر أمه الحنون التي ستُحيطه بحبها واهتمامها مدى الحياة.

القلق شيءٌ طبيعي يبدأ معنا منذ الولادة، ويستمر حتى لحظاتنا الأخيرة في هذه الدنيا؛ ومعترك الحياة لا يترك لنا فرصةً إلا ويفرضها علينا، لتذوق مشاعر القلق والتوجس بمختلف الأشكال والمراحل والتجارب. القلق هو استجابةٌ طبيعية للإنسان تجاه التوتر أو الخطر المُتصوّر؛ ولكن عندما يصبح مُستمرًا أو مُسيطرًا أو مُنفصلًا عن التهديدات الحقيقية، فقد يتحوّل إلى اضطرابٍ يُؤثّر على الحياة اليومية.

في جوهره؛ القلق هو طريقة الجسم للاستعداد للتحدّي. فهو يُنشّط استجابة "القتال أو الهروب"، مُفرزًا هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول. قد يكون هذا مُفيدًا الأمر في نوباتٍ قصيرة - مثلًا قبل عرضٍ تقديمي كبير للتحفيز أكثر - ولكنه يُشكّل مشكلةً عندما يستمرّ لفترةٍ طويلة.

يواجه الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، حالاتٍ متكررة ومفرطة من القلق وعدم الراحة، إلى جانب الشعور بالخوف والرعب والهلع في المواقف اليومية حتى البسيطة منها. وتصبح هذه المشاعر غير صحيةٍ إذا أثرتَ على جودة حياتكِ أو منعتكِ من أداء وظائفكِ بشكلٍ طبيعي.

ليس للقلق وجهٌ واحد، بل هناك العديد من الاضطرابات التي تُفضي إلى تزاحم وتراكم مشاعر القلق داخل الجسم؛ بحيث تؤثر على مُجريات الحياة، وقد تنعكس سلبًا على صحتنا الجسدية والنفسية والفكرية. لذا من الضروري تعلَم بعض التقنيات الموضوعية والمدروسة الموضوعة من قبل المختصين، في كيفية التعامل مع القلق والتقليل منه وحتى علاجه.

تخلصي من القلق.. باتباع نصائح فعالة لاستعادة هدوءك النفسي-رئيسية واولى
تخلصي من القلق.. باتباع نصائح فعالة لاستعادة هدوءك النفسي

في هذا التقرير الإرشادي، نتعرف سويًا على اضطرابات القلق؛ أعراضها وأسبابها وحتى أنواعها، كما تقدم لنا سيري كابريك، ممرضة ممارِسة في قسم الطب النفسي وعلم النفس في نظام مايو كلينك الصحي  في فيرمونت مينيسوتا، 11 نصيحة للتعامل مع اضطرابات القلق.

ما هي أعراض اضطرابات القلق؟

لا بدَ من الإشارة أولًا، إلى أن ثمة أنواعٍ متعددة لاضطرابات القلق؛ والأمثلة منها هي:

1.     اضطراب القلق العام.

2.     اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي).

3.     الرهاب المُحدد.

4.     اضطراب قلق الانفصال.

ويمكن أن يُصاب المرء بأكثر من اضطرابٍ قلقي واحد؛ كما قد ينتج القلق في بعض الأحيان عن حالةٍ طبية تحتاج إلى علاج.

معظم الأعراض الشائعة بين الأشخاص المصابين باضطرابات القلق، تتمحور حول الشعور باقتراب نوبة هلع أو خطر وشيك أو كارثة محتملة؛ الشعور بالعجز أو التوتر؛ فرط التنفس؛ زيادة سرعة القلب (معدل ضربات القلب)؛ الانشغال القهري بالتفكير في سبب نوبة الهلع؛ التعرق، والارتجاف.

وتقول كابريك: "يمكن أن تؤثر مشاعر القلق والهلع هذه على الأنشطة اليومية، وقد يكون التحكم فيها صعبًا. فهي غير متناسبة مع الخطر الفعلي، وقد تؤدي إلى تجنب أماكن أو مواقف معينة."

في حال كان القلق يؤثر على حياتكِ وعلاقاتكِ الاجتماعية والمهنية، يجب عليكِ استشارة أخصائي الرعاية الصحية، تؤكد كابريك؛ مشيرةً إلى قدرة فريق الرعاية الصحية على مساعدتكِ في استبعاد أي مشكلةٍ صحية جسدية كامنة، قبل إحالتكِ إلى اختصاصي الصحة العقلية.

وتضيف: "بينما يحتاج العديد من الأشخاص المصابين باضطراب القلق إلى العلاج النفسي أو الأدوية للسيطرة على القلق، يمكن أن تُحدث تغييرات نمط الحياة واستراتيجيات التأقلم فرقًا كبيرًا أيضًًا."

كيف يتم علاج اضطرابات القلق؟

الخبر السار؟ اضطرابات القلق قابلةٌ للعلاج بشكلٍ كبير؛ وتتضمن الأساليب الشائعة في علاجها ما يلي:

•       العلاج السلوكي المعرفي (CBT): والذي يساعد على إعادة صياغة أنماط التفكير السلبية.

•       الأدوية: مثل مُثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو الأدوية المضادة للقلق (تُستخدم بحذر وتحت إشراف الطبيب).

•       تغييرات نمط الحياة: ممارسة الرياضة، واليقظة الذهنية، واتباع عادات نوم صحية، وتقليل تناول الكافيين.

•       أنظمة الدعم: التحدث مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم.

قد تُثمر هذه العلاجات في علاج وتقليل حدة اضطرابات القلق لدرجةٍ كبيرة؛ لكن البعض قد يُلازمه القلق طيلة حياته، في ظل الضغوطات والهموم اليومية خاصةً في زمننا المتسارع اليوم. فما السبيل للتأقلم مع هذه الاضطرابات وعدم السماح لها بالتأثير سلبًا على حياتنا؟

10 نصائح طبية للتأقلم مع اضطرابات القلق
10 نصائح طبية للتأقلم مع اضطرابات القلق

10 نصائح طبية للتأقلم مع اضطرابات القلق

لكل حالةٍ طبية خصوصيتها وتفردها من شخصٍ لآخر؛ والأمر ذاته ينطبق على اضطرابات القلق. فليس كل من يعاني منها، يحتاج لاتباع هذه النصائح بالطريقة والكيفية ذاتها. لذا ننصح دومًا بوجوب التحدث مع أخصائي الرعاية الصحية واستشارته في هذه المسألة.

وبالعودة إلى النصائح الطبية التي تُسديها سيري كابريك، هي على النحو الآتي:

1.     تناولي أطعمة صحية: قد يُسهم النظام الغذائي الصحي الذي يشمل الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والأسماك في تقليل القلق، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث في هذا الخصوص؛ لذا استشيري طبيبكِ لمزيدٍ من التأكد.

2.     حدَدي المُحفزات: تعرّفي على المواقف أو الأفعال التي تُسبَب لكِ التوتر أو تزيد من قلقكِ؛ تدربي على الاستراتيجيات التي طوّرتها مع اختصاصي الصحة العقلية حتى تكوني مستعدةً للتعامل مع مشاعر القلق في هذه الحالات.

3.     حافظي على النشاط البدني: ضعي روتينًا يساعدكِ على ممارسة النشاط البدني معظم أيام الأسبوع. تُعدَ التمارين الرياضية وسيلةً فعالة لتقليل التوتر، كما تُحسَن المزاج وتساعدكِ في الحفاظ على صحتكِ. ابدأي تدريجيًا وضاعفي كمية التمارين وكثافتها بمرور الوقت.

4.     تعرّفي على اضطرابكِ: لا ضير من التحدث مع فريق الرعاية الصحية لمعرفة الأسباب المحتملة لحالتكِ والعلاجات الأنسب لكِ. كذلك أشركي عائلتكِ وأصدقاءكِ للحصول على دعمهم.

5.     اجعلي النوم أولوية: من خلال الحرص للحصول على قسط كافٍ من النوم لتشعري بالراحة. إذا كنتِ تعانين من مشكلات في النوم، استشيري اختصاصي الرعاية الصحية.

6.     أقلعي عن التدخين وقلَلي أو توقفي عن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين: إذ يمكن أن يؤدي النيكوتين والكافيين إلى تفاقم اضطرابات القلق.

7.     تواصلي اجتماعيًا؛ لا تدعي القلق يعزلكِ عن أحبائكِ أو عن الأنشطة التي تستمتعين بها.

8.     التزمي بخطة العلاج الخاصة بكِ: من خلال تناول الأدوية وفقًا لتوجيهات طبيبكِ، والحرص على حضور جلسات العلاج، وإكمال أي مهام يُوصي بها معالجكِ. يمكن أن يُحدث الالتزام فرقًا كبيرًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتناول الأدوية.

9.     استخدمي تقنيات التحكم في التوتر والاسترخاء: يمكن أن تساعد تقنيات التصور والتأمل واليوغا في تخفيف القلق وتعزيز الشعور بالهدوء.

10.   دوّني يومياتكِ: يمكن أن يساعد تسجيل تفاصيل حياتكِ اليومية، على تحديد العوامل التي تُسبَب لكِ التوتر ومعرفة ما يساعدكِ على الشعور بالتحسن؛ كما يمكن أن يكون أداةً مفيدة لاختصاصي الصحة العقلية في وضع خطة علاجية مناسبة

في الختام، تنصحكِ كابريك بالقول: "قد لا تختفي مخاوفكِ من تلقاء نفسها، بل قد تزداد سوءًا مع مرور الوقت إذا لم تسعِ للحصول على المساعدة. استشيري فريق الرعاية الصحية أو اختصاصي الصحة العقلية قبل أن يتفاقم القلق لديكِ، فالعلاج يصبح أكثر فاعليةً عندما تحصلين على المساعدة مبكرًا."

بدورنا، ندعوكِ عزيزتي للنظر بعين متفائلة للحياة، وعدم السماح للقلق والتوتر بتنغيص حياتكِ. تعلَمي أن المشكلات لا تنتهي في الحياة، بل إن طريقة معالجتنا لها ومنعها من التحول إلى اضطراباتٍ تؤرق يومياتنا هو ما سيجعل الحياة وردية وأجمل بالرغم من صعوبتها.