"كيت موس" خلال مهرجان "غلاستنبري" Glastonbury 2013  في بلدة "غلاستنبري"، إنجلترا

The Rise of Festival Fashion... الموضة تحتلّ مركز البطولة

هبة نعمان
22 يونيو 2025

إعداد: Heba Nouman

فيما تغيب الشمس فوق الحقول العشبية والمساحات الصحراوية، يبدأ أداء موازٍ، ليس على خشبة المسرح، بل على أراضي المهرجانات الموسيقية المكسوة بخليط من الغبار والبريق.

من "كوتشيلا" إلى "غلاستنبري"، تحتل الموضة مركزا بطوليا، وصارت أزياء المهرجانات عرضا منتظرا بحد ذاتها. فما كان في السابق موضة ثانوية من تيجان الزهور البوهيمية وتصاميم الدنيم المقطوعة، قد تطوّر إلى ظاهرة أزياء عالمية تتمحور حول إطلالات جريئة ومعبّرة تتداخل فيها بعمق الهوية، والإبداع، والاستعراض على وسائل التواصل الاجتماعي طبعا.

"كيت موس" خلال مهرجان "غلاستنبري" Glastonbury 2013  في بلدة "غلاستنبري"، إنجلترا
"كيت موس" خلال مهرجان "غلاستنبري" Glastonbury 2013
في بلدة "غلاستنبري"، إنجلترا

وجدت أزياء المهرجانات جذورها في الثقافة المضادة في الستينيات، حين كانت فعاليات مثل "وودستوك" ترمز إلى التمرد والتعبير عن الذات. كانت الإطلالات عبارة عن سراويل بقصة "الجرس"، وشراريب، وماكراميه، وقطع مصبوغة بتقنية القماش المربوط، عاكسة روح السلام والحرية. أما اليوم، فقد حوّل مشهد المهرجانات الحديثة هذه المُثُل إلى جماليات متطورة، وأصبحت ساحات المهرجانات لوحات فنية موسمية تمزج فيها الأزياء بين الجذور البوهيمية، واللمسات المتألقة الراقية، وأزياء الشارع، والإبداع المعزز بالتكنولوجيا.

لم تعد الإطلالات تتعلق بتحمّل الغبار والعوامل الخارجية، بقدر ما أصبحت مرتكزة حول لفت الأنظار وتصدّر العناوين. لذلك، يخطط رواد المهرجانات لإطلالاتهم قبل أشهر من موعدها، وغالبا ما يجدون إلهامهم في الأزياء الفاخرة، والثقافات الفرعية القديمة، والأفكار اللامتناهية الموجودة على صفحات "إنستغرام" و"تيك توك". ويتعامل المشاهير والشخصيات المؤثرة والمعجبون على حد سواء مع هذه التجمعات التي تستمر لعدة أيام، على أنها "عروض أزياء". وحتى الدور الكبرى مثل "ديور" و"سان لوران" و"غوتشي" قد أظهرت اهتماما بهذا المشهد، مقدّمة تصاميمها إلى نجمات حاضرات للظهور في إطلالات أيقونية. وبعد أن انتبهت العلامات التجارية، اتّجه الآن عمالقة الموضة السريعة ودور الأزياء الفاخرة نحو إطلاق "مجموعات المهرجانات" في كل ربيع، مع قطع مصممة لتحقيق أقوى تأثير ممكن: نظارات شمسية عاكسة، وقطع بوديسوت مرصعة بحبات الستراس، وقبعات الدلو، وأحزمة متعددة الاستخدامات.

أحد رواد مهرجان "غلاستنبري" 2015 في جزمة مطر من "هانتر" Hunter
أحد رواد مهرجان "غلاستنبري" 2015 في جزمة مطر من "هانتر" Hunter
سيندي برونا" و"إيمان همام" تحضران رحلة Sounds of the Sands خلال مهرجان MDLBeast عام 2019 في الرياض، المملكة العربية السعودية
سيندي برونا" و"إيمان همام" تحضران رحلة Sounds of the Sands خلال مهرجان MDLBeast عام 2019 في الرياض، المملكة العربية السعودية
أحد رواد مهرجان "لولابلوزا" Lollapalooza في البرازيل
أحد رواد مهرجان "لولابلوزا" Lollapalooza في البرازيل

كما ضاعفت وسائل التواصل الاجتماعي من أهمية أزياء المهرجانات، وهذا ليس بالأمر المفاجئ. لم تعد مهمة الأزياء مجرد الصمود لكل أيام المهرجان، بل يتم التخطيط لها بدقة لتحقيق أقصى قدر من الانتشار والاهتمام على الإنترنت. وغالبا ما يتم الدفع للمؤثرين كي ينشروا إطلالات من علامات تجارية معينة؛ وحتى من يحضرون المهرجانات من غير المشهورين يتعاملون مع هذه المناسبة على أنها جلسة تصوير حقيقية خاصة بهم.

والنتيجة؟ تنوع أكبر في التصاميم والإطلالات والأساليب، من أزياء "الكاوبوي" وملابس الحفلات الموسيقية الساهرة، إلى النزعة القوطية العصرية ولمسات التألق الحنينية. وتظهر الطبقات الشفافة والفتحات الجريئة والزخارف اليدوية المخصصة والأقمشة المعاد تدويرها بأشكال مبتكرة، عاما بعد عام. تلعب الاستدامة أيضا دورا أكبر. فبعد أن كانت الموضة السريعة تهيمن على إطلالة المهرجانات، تكتسب الآن القطع الفنتج المعاد تدويرها، والقطع المصنوعة يدويا، والمواد الصديقة للبيئة، زخما متزايدا. وهنا يأتي دور منصات مثل Depop وVinted وخدمات التأجير، التي تساعد الحضور على التنسيق المبتكر لأزيائهم بدون التأثير سلبيا على البيئة.

"فيكتوريا بريتو" و"حليمة عدن" تحضران رحلة Sounds of the Sands خلال مهرجان MDLBeast عام 2019 في الرياض، المملكة العربية السعودية
"فيكتوريا بريتو" و"حليمة عدن" تحضران رحلة Sounds of the Sands خلال مهرجان MDLBeast عام 2019 في الرياض، المملكة العربية السعودية

قليلة هي الفعاليات التي صاغت مفهوم أزياء المهرجانات مثل "كوتشيلا" و"غلاستنبري". أصبحت هذه الفعاليات مختبرا للأناقة تلتقي فيه الشخصيات المؤثرة والنجمات ودور الأزياء. إنها منصة تولد فيها صيحات جديدة، وتتحول فيها الأزياء من عفوية إلى استراتيجية، مع طبقات شفافة، وجزمات راعي البقر، وأنماط شبكية، وألوان معدنية.

وقد تطورت الإطلالات في مهرجان MDLBEAST من مجرد أداة عملية للمهرجانات الموسيقية إلى ركيزة أساسية للتعبير الثقافي والاحتفال بالهوية، عاكسة النهضة الإبداعية الأوسع التي تشهدها المملكة العربية السعودية. ويشير اندماج التقاليد السعودية مع الاتجاهات العالمية إلى ثقة ثقافية أكبر مع استعداد لإعادة تفسير التراث بدلا من إخفائه.

سيدة من رواد مهرجان "غلاستنبري" ترتدي تنورة من "أسوس" ASOS، وتوب من  "ميس غايديد" Missguided ، وقبعة فنتج، وجزمة مطر من "هانتر" Hunter
سيدة من رواد مهرجان "غلاستنبري" ترتدي تنورة من "أسوس" ASOS، وتوب من
"ميس غايديد" Missguided ، وقبعة فنتج، وجزمة مطر من "هانتر" Hunter

أزياء المهرجانات أكثر من مجرد ملابس، بل هي لوحة أفكار تتجلى فيها ملامح الثقافة الحديثة. فتعكس رغباتنا في الانتماء والتعبير والحرية والخيال. في عالم رقمي للغاية، توفر هذه الأحداث المؤقتة فرصة نادرة للعيش بصوت عالٍ والتجربة والظهور. وبالنسبة للكثيرين، إن تنسيق إطلالة المهرجان لا يقل أهمية عن حضوره.

بينما نتطلع إلى المستقبل، ستستمر أزياء المهرجانات في التطور، متأثرة بالموسيقى والسياسة والتكنولوجيا والقيم المتغيرة لدى الأجيال الجديدة. وسواء كانت ماكسيمالية أو مينيمالية، مصنوعة بأيدينا أو "هوت كوتور"، هناك شيء واحد واضح: الأزياء هنا لتبقى، وهي أعلى صوتا من أي وقت مضى.