
"عن الراب كأداة لتحرير الذات".. الفنانة المغربية "فريزي" في حوار خاص مع "هي"
وجدت نجمة الراب المغربية "فريزي- Frizzy" صوتها في الراب، وأصبحت سريعاً من أبرز المغنيات الصاعدات بقوة في مجال الراب في المغرب، بعدما بدأت رحلتها في فترة جائحة كورونا، بدافع الفضول والرغبة في تفريغ طاقتها الفنية، قبل أن يدفعها رد الفعل الجماهيري على أعمالها الأولى إلى أن تأخذ الأمور بجدية وتنطلق في رحلتها الاحترافية مع الراب والغناء.
فريزي: "أجسد ذاتي في كل عمل أقدمه"
كانت أغنية "Facile" الأولى على قناة فريزي على يوتيوب في 2021، وحققت صدى واسع في مشهد الراب من اللحظة الأولى، خاصة لقدراتها القوية على التعبير و"المقاومة الفنية" من خلال الراب والموسيقى، وتميزها أيضاً بأسلوبها الجريء ونقدها الاجتماعي الساخر والصادق.
تسعى فريزي من خلال أغانيها إلى التعبير عن ذاتها والشارع والمرأة في مجتمعها، مثل أغنيتها "بغاتها الوقت" قبل عامين، والتي كانت صوت الحملة التي أطلقت وقتها بنفس الشعار من أجل سن تشريعات تهدف إلى المساواة وحماية الحريات الفردية للمرأة وغيرها من القضايا التي تنقلها فريزي أيضاً في أعمالها..
تحدثنا فريزي في هذا الحوار عن رحلتها مع الراب وطموحاتها به، وكيف ترى المشهد الموسيقي الحالي في المغرب، وتقييمها لمكانة الفنانات في هذا المشهد وغيرها:

كيف كانت بدايتك مع مجال الراب؟ هل كان النوع الموسيقي الأكثر تأثيراً بكِ؟
بدأت رحلتي مع الراب خلال فترة الحجر الصحي- في جائحة كورونا- حين كنت أُعبّر عن نفسي من خلال الفريستايلات في البيت، فقط بدافع الفضول والتفريغ الإبداعي، وبعد مرور حوالي سنتين، قررت أن آخذ الأمور بجدية وبدأت أشتغل على موسيقاي بشكل أكثر احترافًا.. أنا شغوفة جدًا باكتشاف الأنماط الموسيقية المختلفة، أعتبر نفسي فنانة متعددة الجوانب، أحب تجربة كل شيء: من الراب إلى البوب، مرورًا بتأثيرات من الـNew Wave وحتى الأصوات الإلكترونية، هذه التعددية تمنحني القدرة على خلق أعمال فريدة تعبّر عن عالمي الفني الخاص، وعن هوية موسيقية لا تُشبه أحدًا.

وكيف كانت عملية انتقالك من هذه التجارب في المنزل إلى احتراف الراب؟
بصراحة، انطلاقي في مجال الراب لم يكن قرارًا مُخططًا له عن وعي، بل جاء بشكل طبيعي وتدريجي، بدأتُ أُشارك بفريستايلات بسيطة على وسائل التواصل، وكانت تلقى رواجًا واسعًا وتنتشر بسرعة، وهذا التفاعل الإيجابي كان دافعًا قويًا بالنسبة لي للاستمرار والدخول في المجال بشكل أكثر احترافية.
أما من ناحية التحديات، فقد واجهت في البداية بعض الصعوبات الاجتماعية، خصوصًا ما يتعلق بتقبّل الجمهور المغربي لفكرة أن تكون فتاة تمارس الراب بأسلوب مختلف وجريء.. لكن، ولله الحمد، الأمور سارت بشكل جيد، واستطعت أن أفرض مكاني وأُثبت أن الفن لا يعرف حدودًا ولا جنسًا.

ماذا تغير من أفكارك وطموحاتك من أول عمل لك قبل سنوات إلى الآن؟ وكيف تصفين هذه الرحلة؟
في بداياتي، لم أكن أعرف نفسي جيدًا. كنت في مرحلة من التردد والتيه بين ما أريد أن أكون فعلًا، وبين ما كنت أقوم به على أرض الواقع.. كانت لديّ طاقة فنية ورغبة في التعبير، لكن الرؤية لم تكن واضحة، وكانت هويتي لا تزال في طور التشكّل، أما اليوم، فقد تغيّر الأمر كثيرًا.. أصبحت أملك رؤية واضحة لما أطمح إليه، وأعرف جيدًا من أريد أن أكون، لم أعد أبحث عن نفسي في كل عمل، بل أصبحت أُجسّد ذاتي فيه.
هذا التحوّل لم يكن سهلاً أبدًا؛ كان طريقًا مليئًا بالشك في النفس، بخيبات الأمل، وباللحظات التي شعرت فيها بأنني لا أتقدّم، لكن رغم كل ذلك، واصلت التعلّم والتطور، وأصبحت أُصقل صوتي وشخصيتي الفنية مع كل تجربة، إنه مسار طويل ومعقّد، لكنه جميل في عمقه، لأنه جعلني أقترب من حقيقتي، وأبني عالمي الفني عن وعي وإيمان، والطريق لا يزال مستمرًا.

أشعر أن لديك أهداف كبيرة ورسائل عديدة من خلالك النموذج الذي تقدميه في الغناء والراب مثل النقد الاجتماعي ودعم قضايا المرأة وغيرها.. ما هي الأشياء الأساسية التي تحرصين على وجودها في أعمالكِ؟ وماذا يعني الراب بالنسبة إليكِ؟
أحرص دائمًا على تضمين عناصر تمسّ قضايا المرأة، خصوصًا ما يتعلق بحقها في التعبير، في السيطرة على صورتها، وفي كسر الصور النمطية التي تُفرض عليها. كذلك، أهتم بالنقد الاجتماعي، لكن بأسلوبي الخاص، الذي يجمع بين الجرأة، السخرية، والصدق.. الراب بالنسبة لي هو شكل من أشكال المقاومة الفنية، وأداة لتحرير الذات، ومكان أستطيع فيه أن أكون كما أنا، دون مجاملة أو تقييد، إنه وسيلتي لأبني صوتًا حقيقيًا، يمثلني ويمثّل كل من يشعر بأنه مختلف أو غير مسموع.

بالنظر إلى المجال الغنائي في المغرب في السنوات الأخيرة، هناك أجيال جديدة تحقق نجاحات في عدة أنواع موسيقية من خلال اللهجة والموسيقى المحلية واستطاعت الانتشار خارج حدود المغرب.. ما نقاط القوة والضعف في المشهد المغربي من وجهة نظرك؟ وما المختلف بين الجيل الحالي والجيل القديم في طريقة الإنتاج والعمل؟
أعتقد أن ما يحدث في الساحة الموسيقية المغربية حاليًا هو أمر إيجابي جدًا وجدير بالاهتمام. هناك وعي جديد لدى الجيل الصاعد بخصوص الهوية الفنية، واستخدام اللهجات والإيقاعات المحلية لم يعد يُعتبر "عائقًا" بل بالعكس، أصبح نقطة قوة تُميّز الفنان المغربي وتُعطيه طابعًا فريدًا على الساحة الإقليمية والدولية.
من نقاط القوة الأساسية في المشهد الحالي هو التنوع، والقدرة على مزج الثقافات الموسيقية المختلفة بأسلوب مغربي خاص. هناك فنانون شباب يشتغلون على مشاريع مبتكرة، ويملكون ذوقًا عالميًا مع وعي محلي، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت آفاقًا جديدة للوصول إلى الجمهور، دون الحاجة إلى المرور عبر المنصات التقليدية، أما من جهة نقاط الضعف، فما زالت هناك بعض التحديات على مستوى البنية التحتية، الدعم الثقافي، والاحترافية في التسيير والإنتاج، خصوصًا بالنسبة للفنانين المستقلين، أحيانًا نفتقد لمساحات آمنة وداعمة للتجريب، ولمنصات تقدّر الفن الجريء أو الخارج عن المألوف.
والفرق بين الجيل الحالي والقديم، في نظري، يكمن في طريقة العمل والتفكير. الجيل الجديد يشتغل بحرية أكثر، يعتمد على نفسه، ويمتلك أدواته التقنية والترويجية. لم يعد ينتظر الفرصة، بل يصنعها بنفسه. كما أنه أكثر انفتاحًا على العالم، ويملك وعيًا رقميًا يسمح له بأن يكون حاضرًا في أماكن مختلفة في آنٍ واحد، دون أن ينسلخ عن جذوره.

كيف تقيمين حال ومستوى الراب العربي في الوقت الحالي في الخليج ومصر والمغرب وغيرها؟ خاصة مكانة الفتيات في الراب.. وماذا تتمنين أن يتحقق بشكل عام من أجل أن يكون الوضع مثالي من وجهة نظرك؟ سواء من الناحية الفنية أو الاقتصادية او الجماهيرية وغيرها..
الراب العربي يشهد اليوم تطورًا ملحوظًا في مناطق مختلفة من العالم العربي، سواء في الخليج، مصر أو المغرب.. كل منطقة تطوّرت بأسلوبها الخاص، تبعًا لخصوصياتها الثقافية والاجتماعية، هناك تنوّع جميل في الأصوات والمواضيع، وهذا يُغني المشهد العربي بشكل عام، لكن عندما نتحدث عن مكانة المرأة في هذا السياق، لا يمكن إنكار أن حضورها لا يزال ضعيفًا نسبيًا مقارنة بالرجال، سواء من حيث العدد أو من حيث الاعتراف الفني والجماهيري.
الكثير من الرابّورات يعانين من التهميش، أو يُواجهن أحكامًا مسبقة ونقدًا غير عادل، فقط لأنهن نساء يُعبّرن عن أنفسهن بحرية في مساحة يُنظر إليها غالبًا كـ ذكورية. بالنسبة لي، الوضع المثالي لا يكون فقط بتواجد أسماء نسائية في الساحة، بل بوجود مساحة حقيقية تسمح لهن بالتعبير، بالتجريب، وبالحصول على نفس فرص الإنتاج، العرض، والدعم مثل نظرائهن الذكور.
فنيًا؛ أتمنى أن نرى أعمالًا أكثر تنوعًا في الرؤية والصوت النسائي، دون خوف من كسر التقاليد أو تحدي المعايير المفروضة.. اقتصاديًا؛ من المهم أن يُبنى نظام يُمكّن الفنانات من الاستقلالية والدخل المستدام. أما من حيث الجمهور، فأتمنى أن يكون أكثر وعيًا وانفتاحًا، وأن يُقدّر الفن على أساس الجودة والصدق، لا على أساس الصورة النمطية.

ما هي طموحاتك وخططك الخاصة في المجال الفني؟ هل لديك طموحات خارج الراب مثلاً؟
طموحاتي الفنية لا تقتصر فقط على الراب، بل تمتد إلى آفاق أوسع بكثير. أرى نفسي كفنانة شاملة، لا تؤطرني حدود نوع موسيقي واحد. الراب هو نقطة انطلاق قوية ومجال أحبه، لكنه أيضًا بوابة أعبّر من خلالها عن أبعاد مختلفة من ذاتي. أما هدفي الأكبر، فهو أن أُساهم في تغيير الصورة النمطية للفنانة العربية، وأن أُثبت أن المرأة يمكنها أن تكون حرّة، جريئة، ومُبدعة دون أن تُساوم على حقيقتها.
أتمنى أن أصل إلى جمهور واسع، عربي ودولي، وأن أترك أثراً فنياً يُلهم غيري ليؤمنوا بذواتهم، ويخلقوا مساراتهم الخاصة دون خوف.
الصور من حساب فريزي على انستقرام.