
سارة مراد لـ "هي": "لا أصمّم فستانًا بل أروي قصة... والمرأة الأنيقة تشبه الطبيعة بتجددها"
في عالم الأزياء، هناك من يصمم فستانًا، وهناك من يروي من خلاله قصة. المصممة اللبنانية سارة مراد تنتمي إلى الفئة الثانية، إذ تمزج بين الحرفية العالية والرؤية الفنية العميقة. تستمد إلهامها من الطبيعة، من الأمواج، من الغيوم، وحتى من لعبة الطفولة المفضلة "البازل"، لتبتكر قطعاً لا تكتفي بتزيين المرأة، بل تكمل حضورها وتظهر شخصيتها. في هذه المقابلة الخاصة، تفتح سارة صفحات مشغلها، وتشاركنا فلسفتها، شغفها، وتقنياتها المبتكرة التي تميز تصاميمها عن سواها.
حدثينا عن بداياتك... كيف ولدت علاقتك مع تصميم الأزياء؟
منذ طفولتي كنت مغرمة بلعبة "البازل"، أحببت فكرة تركيب قطع مختلفة لتشكيل صورة متكاملة. مع الوقت، أصبحت أطبق هذا المفهوم في الأزياء. فتصاميمي غالباً ما تتألف من عدة عناصر متفرقة أركبها كقطع بازل لأصنع منها فستاناً واحداً. لا أتعامل مع الفستان كقطعة واحدة بل كهيكل متكامل يتطلب دراسة كل تفصيل فيه بدقة.هذه النظرة التراكمية تمنح تصاميمي بعداً وفنياً. فكل قطعة قماش، وكل درزة، افكر بها كعنصر في بناء متناغم، يجعل النتيجة النهائية قريبة من العمل الفني المركب، لا مجرد لباس.

ما هو القماش الذي يعبر أكثر عن روح تصاميمك؟
قماش الدانتيل الشانتيه يحتل مكانة خاصة في قلبي. فهو ناعم، أنثوي، وراق. أعمل عليه بتقنية محددة: أكسره بالحرارة ثم أضعه بعناية فوق طبقات الفستان المثبتة مسبقًا، ما يضفي عليه بعداً فنياً وحساً فريدًا. هذا القماش، برأيي، لا يزين فقط بل يكمل الأناقة بتوقيع مميز.
من هي المرأة التي ترتدي تصاميم سارة مراد؟
هي امرأة تعرف من تكون. قوية، ناعمة في آن معاً، وتدرك أن إطلالتها انعكاس لشخصيتها. لا أصمم فساتين لمجرد الزينة، بل أخلق تصميماً يعبر عن هوية من ترتديه. لذلك أحرص أن أقدم لها ما يكملها، لا ما يخفيها.
بالنسبة لي، التصميم ليس قناعًا تجميليًا بل مرآة داخلية. لا اهدف إلى خلق "شكل واحد يناسب الجميع"، بل اسعى لتصميم قطعة تتناغم مع هوية كل امرأة، وتكون بمثابة امتداد لشخصيتها.

تُشبهين المرأة الأنيقة بالطبيعة... كيف ذلك؟
المرأة الأنيقة، تماماً كالفصول والطبيعة، تعيد اختراع نفسها من وقت لآخر. تجدد في الأسلوب، تبحث عن إطلالة تعكس حالتها ومزاجها. في كل مجموعة أصممها، أستحضر هذه الفكرة: المرأة كزهرة تتفتح أو موجة تتمايل، وهنا يكمن سرّ الأناقة الحقيقية.
فالأناقة، بنظري، ليست ثباتاً، بل تطور وتجدد يشبه دورة الطبيعة، ما يجعل تصميمها دائماً متجددًا ومتغيرًا.
كيف تحرصين على أن تكون تصاميمك "حية"؟
أرفض الجمود في التصميم. كل قطعة يجب أن تنبض بالحياة، بروحها وحركتها. أستخدم أقمشة خفيفة تمنح إحساساً بالتحليق، أعتمد على الشغل اليدوي الدقيق، وأمزج بين التقنية والفن. التصميم بالنسبة لي ليس قماشًا فقط، بل مشاعر ملموسة.

ما هو الأساس الذي لا تتنازلين عنه في التصميم؟
النعومة اولاً، حتى في الفساتين الكبيرة أو الجريئة، لا أُضيع الإحساس بالأنوثة. أحرص على أن تكون الخطوط منسابة، وأن تحاكي الأقمشة بشرة المرأة برقة، لان المبالغة تقتل الجمال أحياناً، أما البساطة المدروسة فتبرز كل تفصيل. فاناانتمي إلى مدرسة جمالية ترى في الرقة عنصر قوة. فأنا أؤمن ان الأنوثة لا تتعارض مع الجرأة.
هل هناك معادلة ما تراعينها في التصميم؟
نعم، أسعى دائماً للتوازن بين القماش، التقنية، وشخصية المرأة. فستان فاخر جداً قد لا يليق بامرأة بسيطة، والعكس صحيح. يجب أن يكون هناك انسجام بين من ترتدي الفستان وطريقة صنعه. لذلك، أحيانًا أعدل الفكرة بعد لقائي بالزبونة، لأجعل التصميم يتناغم معها أكثر.
هذا التوازن يعني أن التصميم لا يولد على الورق فقط، بل يعاد تشكيله حسب طاقة المرأة التي سترتديه.

استوحيت مسبقاً مجموعة ربيع-صيف 2024 من الأمواج، هل مصادر الوحي عندك مرتبطة بالطبيعة؟
استوحيت تلك المجموعة من حركة الأمواج. هذه الحركات المتدفقة، المتناغمة، القوية والناعمة في آن، ألهمتني في الخطوط والمنحنيات. أضفت تفاصيل تنساب كالموج، واخترت ألواناً مستوحاة من البحر والغروب والضوء المنعكس على المياه.
البحر، كمصدر إلهام، منح المجموعة إيقاعاً بصرياً متناغماً. فالألوان تنساب كما تتغير الأمواج، والخطوط تتماوج بانسيابية، ما يجعل كل فستان فيها امتداداً لحركة الطبيعة، فالطبيعة هي مصدر إلهامي الأول واستوحي منها مجموعاتي.

تصنعين أقمشة خاصة بك... ماذا تخبرين عن الأمر؟
نعم، أعمل على صناعة قماش خاص من الشيفون. أبدأ بتقطيعه إلى طبقات، ثم أجمعها معاً بشكل يدوي، وأمرر فوقها أداة خشنة تمنح القماش تموّجات شبيهة بالغيوم. النتيجة تكون خامة فريدة لا تجدينها في الأسواق، وهذا ما يمنح تصاميمي طابعاً مميزاً.
هل هناك قماش مفضل آخر غير الدانتيل الشانتيه؟
الدانتيل الشانتيه هو القماش الأقرب لقلبي، لكنني أيضاً أحب الشيفون والأورغنزا الرقيقة. لكن في كل الأحوال، الدانتيل يملك تلك القدرة الغريبة على "إكمال الروح" كما أقول دائماً. هو لا يلبس فقط، بل يشعر من ترتديه بشيء داخلي.فيملك عمقًا بصريًا وشعورًا داخليًا لا توفّره مواد أخرى.

هل تسعين لتجديد تقنياتك في كل مجموعة؟
بالتأكيد. لا أكرر نفسي. في كل مجموعة جديدة أعمل على ابتكار تقنية أو تفصيلة تميزها. أحياناً أبتكر طريقة جديدة لطي القماش، أو لأشكال الورود التي أطرزها، أو أدمج بين مادتين بشكل لم يستخدم من قبل، هذه التجارب تبقيني متحمسة،لذلك تتعامل مع كل مجموعة كأرض تجريبية لاكتشاف جديد.
ماذا يميز مشغلك عن غيره؟
نحن نعرف بخفة القماش التي نعمل بها. فساتيننا تبدو كأنها تطير، أو كأنها قطعة من الطبيعة تتحرك مع من ترتديها. الورود التي نصممها مشغولة بدقة فائقة، والشغل اليدوي هو سيد المشغل. أفضله لأنه يمنحني تحكما كاملا في النتيجة، ويضفي لمسة إنسانية لا تعوض.فهذه الحرفية تمنح القطعة شخصية وروحًا، وتحول كل فستان إلى تجربة حسية لا تتكرر.

ما الكلمة التي تلخص فلسفتك في التصميم؟
"الروح"... فالفستان قد يكون جميلاً بالشكل، لكنه بلا روح لا يترك أثراً. أما التصميم الذي يحمل نفساً داخلياً، وشغفاً، فهو يعيش في الذاكرة... ويشبه المرأة التي ترتديه