
توري بورش لـ"هي": نساء المنطقة هن في الواقع أكثر ما يلفتني ويجذبني إليها ولا سيما بإصرارهن وعزيمتهن وريادتهن
حوار: Mai Badr
"أنا سعيدة جدا بكل ما نحققه من نجاح وازدهار في المنطقة. ألمس حبّ ناسها، وأبادلهم الشعور نفسه".. بهذه الكلمات العفوية والنابعة من القلب، بدأ الحديث بيني وبين المصممة ورائدة الأعمال والناشطة الخيرية الأمريكية "توري بورش" Tory Burch، خلال لقائنا الأخير في دبي، حيث احتفت بإطلاق أحدث عطورها في السوق الإقليمية. كل زيارة تجريها إلى المنطقة لا تكون مجرّد محطة أخرى ضمن جدول أعمالها المزدحم، بل لقاء صادقا مع جمهور تبادله الإعجاب والتقدير، وترى فيه انعكاسا لأهم ما تؤمن به.
تملك "توري بورش" مفاتيح الأناقة الواثقة وغير المتكلفة، الحديثة وغير المرتبطة بزمن. من تصميم الأزياء والإكسسوارات المثالية لامرأة العصر إلى دعم المواهب النسائية في عالم الأعمال، لا تنفصل يوما عن هدفها البعيد، ولا تترك رؤيتها العميقة. وفي هذا الحوار يتجلى هدفها ورؤيتها في كل كلمة، ونفهم معها كيف يمكن للأزياء أن تكون أداة للتعبير عن الذات الحقيقية، والعطر ذاكرة نابضة بالمشاعر، والأعمال عجلة دافعة للتغيير الاجتماعي الإيجابي.
مرّ وقت طويل منذ زيارتك الأخيرة إلى دبي. بداية، لماذا تعودين اليوم إلى المدينة؟
أردت وحاولت المجيء منذ فترة طويلة، لأنني أكنّ لدبي حبّا كبيرا، ولم أزرها منذ عام 2020. كنت أنتظر هذه الزيارة بفارغ الصبر! عملنا هنا مشوّق ومزدهر، لذلك أرغب في أن أبني على هذا الزخم وألتقي بالناس الذين أحبهم وأرى ما حدث لدبي من تغييرات في الآونة الأخيرة. الطاقة التي تنبض بها المدينة استثنائية فعلا، ولا يمكن للزائر إلا أن يشعر بها. تتغير دبي باستمرار، ونحسّ فيها دائما بأننا على أعتاب الكثير من التحوّلات، من التكنولوجيا إلى المتاحف والثقافة وغيرها.
تطلقين في هذه الزيارة أيضا أحدث عطورك. هلا أخبرتنا عن مصدر الإلهام خلف هذا العطر الجديد؟ تحــتــــل العـــطــــور مكـــانــــة خــــاصــــة في قلبي. حين أصمم عطرا جديدا، أنطلق دائما من ذكرى معيّنة. هذه المرة، بدأت الحكاية مع حقيبة يد كانت لجدّتي، عثرت عليها صدفة، ولفتتني رائحة جلدها المميزة. قرّرت أن أفكّر في هذا العطر بطريقة مختلفة ومثيرة للاهتمام، ليكون عطرا أنثويا بأساس جلدي يتلاعب بالجانبين وتناقضهما. رحت أبحث بعد ذلك عن نفحات أرى لقاءها بالجلد مثاليا، من نجيل الهند إلى اليوسفي وزهرة العبقة، فتكوّنت في ذهني فكرة عن العناصر المختلفة قبل أن تجتمع معا، وفي النهاية اختلطت بعضها ببعض وكانت النتيجة رائعة. وأما بالنسبة إلى اسم العطر "سوبلايم" Sublime، فهو من الكلمات المفضّلة لدي، لأنه يعبّر عن أقصى ما نريد أن نشعر به، وهو القوة والثقة والحسية.
معروف عنك حبّك للعائلة، وهو شيء تتشاركينه مع الثقافة العربية. هل يمكننا القول إن هذا العطر يذكّرك بالعائلة؟
أشعر بهذا الرابط الذي يجمعني بنساء الشرق الأوسط، والذي يقوم على حب العائلة وأهميتها. عطر "سوبلايم" يذكّرني بجدّتي وبالعائلة، ويترجم هذا الرابط بطريقة حسّية منعشة، جامعا بين عناصر متناقضة لابتكار شيء جميل وأنثوي للغاية.
توسّع العلامة حضورها بشكل كبير في الشرق الأوسط، مع عناوين جديدة في الرياض والبحرين وقطر وتجديد متجركم في "دبي مول". ما مدى أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إليك؟
هذه المنطقة مهمة جدا لنا، ويجب أن أقول إنها ليست أكثر أهمية مما كانت عليه دائما، فكانت هذه السوق وما زالت مهمة جدا منذ البداية، حتى منذ مجموعتي الأولى. تأثرتُ مثلا بالقفطان المغربي الذي كان يملكه والدي، وبالسنوات التي أمضاها في مصر وفي زيارة مناطق مختلفة من الشرق الأوسط. وبعد ذلك غصت في فنون المنطقة خلال دراستي الجامعية المتخصصة في تاريخ الفن. فكانت دائما هذه الثقافة معي تلهمني بطرق متعددة، ولا سيما مع تطور أعمالنا الإقليمية منذ افتتاح متجرنا الأول في عام 2011، إن نساء المنطقة هن في الواقع أكثر ما يلفتني ويجذبني، من خلال إصرارهن وعزيمتهن وريادتهن.

تهدف مؤسسة "توري بورش" إلى تمكين النساء في عالم الأعمال. ما الذي دفعك إلى إنشائها؟
في الواقع، منذ البداية، كان الهدف الأساسي خلف رغبتي في تأسيس شركتي الخاصة هو إنشاء مؤسسة خيرية. فلطالما فكّرت في أهمية وجود مفهوم يربط بين العمل التجاري والهدف الخيري، ويرى أن فعل الخير مفيد لأعمال الشركات. راودتني تلك الفكرة قبل عشرين عاما، ولكنها لم تكن رائجة جدا وقتها، ولم تتماشَ مع وجهات النظر السائدة. لكن ذلك جعلني أكثر إصرارا، وبالفعل أطلقنا مؤسستنا في 2009، بعد خمس سنوات من ولادة علامتي التجارية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه المؤسسة "نجم الشمال" بالنسبة إلي، تقودني على المسار الصحيح.
عندما تنجح المرأة، ينجح الجميع. من أهم العوامل التي نتحدّث عنها في هذا المجال هو ضرورة أن يكون الرجال حلفاءنا، وهناك عدد كبـــــــير من الرجال الذين يسهمون في إنجاح مهمّة المؤسسة. وأريد هنا أن أشدد على تحوّل اللغة التي كنّا نستخدمها، فكنا نردد مصطلح "تمكين المرأة"، ولكنــــني أدركـــت أن الـنــــســـــاء يمــلــكــــــن التمكّن والقدرة والقوة، ونحن لا نمنحــــهـــــا لأحد، بل كل مــا نــفــعــلـــــه هـــو مســـاعــــــدتهن على إيـــــــجــــادهــــا في داخــلــــهــــن من خلال التمكيــــــــن الاقــــتـــــصـادي والاستقلالية المالية.
بالانتقال إلى عالم الموضة والأزياء، أين تجدين مصادر إلهــــامـــك؟ وما كان مـــصــــدر الإلــهـــام خلف مجموعتك الأحدث؟
تركّز المجموعة الموجودة الآن في الأسواق بشكل رئيس على الحركة والرياضة والقوة البدنية، وتسلّط الضوء على تلاشي الحدود بين عالمي الملابس الجاهزة والرياضة حاليا، وهو شيء يهمّني، لأنني رياضية وترعرعت على حب الرياضة. وفي الوقت نفسه، تنطلق المجموعة من أساس كلاسيكي تعود وتغيّره وتفسّره بطرق متعددة. المواد متنوّعة أيضا، من الجرسيه إلى الصوف، وقد جرّبنا استخدامها بأساليب غير متوقعة.
أي نوع من الرياضة تمارسين؟ وكيف انعكس حبّك له على المجموعة؟
أنا لاعبة تنس، وهي رياضة أحبها للغاية. وأحب أيضا الغولف والتزلّج، وأمارس ركوب الخيل منذ طفولتي. لذلك أعرف أهمية امتلاك ملابس تسمح لنا بالحركة، وأعتقد أن نساء العصر لا يرغبن عموما في أن يشعرن بأنهن مقيّدات وهن يواجهن انشغالاتهن اليومية. وما نقدمه في دار "توري بورش" هو التفكير في حل هذه المشكلة، بحيث نصمم للنساء أزياء يشعرن فيها بالثقة والقوة، وفي الوقت نفسه لا تقيّدهن.
تحدثتِ في السابق عن الثقة المتزايدة التي تملكها نساء اليوم في احتضان شخصياتهن الفردية والاحتفاء بها. ما الدور الذي تلعبه الأزياء؟ وكيف تكون أدوات للتعبير عن الذات؟
الأزياء هي أقصى درجات التعبير عن الذات، لأن الطريقة التي تقدمين بها نفسك تغير نظرة الناس إليك، وأيضا ما تشعرين به أنت تجاه نفسك. كلّنا نعرف مثلا أن اللون يستطيع أن يغير مزاجك، وأن القصّة المناسبة تجعلك تشعرين بمزيد من الثقة أو القوة.
صمّمت على مر السنين الكثير من القطع الأيقونية، من حقائب وأحذية وغيرها. كيف يكتسب التصميم مكانة أيقونية في عالم الموضة؟
أعتقد أن الزبون هو من يجعله أيقونيا. ننظر إلى بعض التصاميم في الكثير من الأحيان، ويكون لدينا شعور بأنها ستجذب فئات مختلفة من الناس وتلقى رواجا كبيرا. وأذكر مثلا قفطاننا، وحذاء الباليه المسطح، وحقائبنا، ومجموعة "بيرسد". من المشوّق دائما أن أرى أشكال التعبير المختلفة عن هوية علامتي تحقق هذه المكانة.
كيف تحــافـــظـيـــن على هــــذا التـــوازن بيـــــن الأنـــاقــــة الخـــالــدة والحداثة العملية؟
أوّلا، بالفـــضـــول الفــكــــري: أبـــــدأ بفـــكــــــرة متجذرة في التقاليد والكلاسيكيات، وأتلاعب بها، وأحوّلها بتوازن. ولا ننسى أنني من برج الجوزاء، وقد نشأت مع ثلاثة أشقاء، فأرى في نفسي جانبا أنثويا وآخر ذكوريا. وبالنسبة لي، إن المرأة كذلك تحتضن بطبيعتها نواحي كثيرة في شخصيتها.
هل سبق لك أن وجدت الإلهام في أي عنصر من عناصر الثقافة الشرق أوسطية؟
في العالم العربي ثقافات كثيرة تلهمني بعناصرها المختلفة وتاريخها العريق، ولا أعرف من أين أبدأ. أعشق مثلا الغوص في الحضارة المصرية القديمة أو بلاد ما بين النهرين. وتلهمني الهندسة والخزفيات والأشغال الحديدية والأنماط الزخرفية الشبكية، وكذلك الفنون الإسلامية الرائعة الجمال.
من مجال العلاقات العامة إلى بناء دار أزياء عالمية، رحلتك ملهمة بالفعل. ما كانت اللحظة الفارقة التي فهمت فيها أن عالم الموضة هو المكان الذي يجب أن تكوني فيه؟
أعتقد أن مسيرتي أوصلتني إلى عالم الموضة، لأنني درست تاريخ الفن. وحين حصلت على وظيفتي الأولى، كانت في مجال الأزياء الراقية مع مصمم الأزياء "زوران" الذي كانت والدتي ترتدي تصاميمه. إذا، انخرطت في هذا المجال صدفة، وأغرمت به على الفور، وفهمت أنني وجدت فيه شيئا مميزا حقا. لم أكن أعلم أبدا كيف ستتطور مسيرتي المهنية وما ستكون عليه، ولكن تلك هي اللحظة التي عرفت فيها على الأرجح أنني أريد العمل في صناعة الأزياء.
ما المشاريع التالية التي تتحمسين لكشفها؟
من أهم الأمور التي أركّز عليها اليوم صقل المجموعة، والارتقاء بها أكثر وأكثر.
تعيين "بيير إيف" رئيسا تنفيذيا للشركة سمح لي بتخصيص كل وقتي للعملية الإبداعية، ولم يكن هذا هو الحال في الماضي. لذلك، على مدار السنوات الأربع الماضية، أعدت التفكير في عملنا وتوجّهاتنا وعلامتنا التجارية، وكيف يبدو كل عنصر من عناصر منتجنا. ما أسعى إليه الآن هو التركيز على الجودة والحرفية، بحيث نصنع كمية أقل من كل شيء، ولكن ننتج كل ما ننتجه بالمزيد من الهدف والمعنى والنزاهة.
ما النصيحة التي تقدّمينها إلى المصممة العربية الصاعدة التي تنطلق في مسيرتها اليوم؟
بكل تأكيد، اسعي خلف أهدافك، وانظري إلى السلبية على أنها مجرّد ضجيج، واكتبي قصّتك الخاصة بك. ولا تدعي الناس يضعونك في صندوق. لديك القدرة على جعل عملك يتحدث عما اخترت أن تكوني عليه. المهم أن يكون عملك صادقا وأصيلا ووفيا لحقيقتك.




