
خاص لـ"هي": هيفاء التويجري من اليونسكو إلى الأوبرا الإيطالية.. رحلة تمكين الإبداع والثقافة السعودية
في كل نغمة تعزفها، وكل فكرة تبتكرها، ينبض شغف الموسيقية السعودية هيفاء التويجري برسالة إنسانية عميقة: التعبير الإبداعي هو جسر للنماء الإنساني والتنمية المستدامة.
بين أروقة اليونسكو في باريس ومسرح الأوبرا في روما، نسجت هيفاء قصتها، حيث امتزج الفن بالإبداع الاستراتيجي، لتصبح صوتًا سعوديًا يعكس هوية ثرية وعالمية، وعلى ذلك تخوض "هي" حديث ملهم مع الموسيقية السعودية.
بين ألوان الثقافات المختلفة، تتنقل هيفاء بنغمة موسيقية تحاكي الأبعاد الإنسانية، لتقدم الصوت السعودي بصوت عالمي يعزز الوعي الثقافي ويُغني المشهد الفني السعودي. هذا التناغم بين الفن والإبداع كان سببًا لترشيحها من قبل مؤسسة الأمير محمد بن سلمان "مسك" لتكون سفيرة لصوت الشباب السعودي، مساهِمة في تشكيل سياسات التنمية العالمية من خلال مشاركتها في مؤتمرات دولية كقمة مجموعة العشرين والأمم المتحدة ومنتدى الاقتصاد العالمي.
بين النشأة والمهنة
تبدأ هيفاء بالتعريف عن نفسها ببساطة ووضوح: مستشارة ابتكار ثقافي وطالبة موسيقى كلاسيكية في دار الأوبرا في روما. تقول لـ"هي": "بدأت مسيرتي العملية في اليونسكو في باريس حيث عملت على تطوير الاستراتيجيات والسياسات وابتكار حلول فعالة لشراكات المشاريع الثقافية والتعليمية للمنظمة حول العالم، وأعمل تحت الاسم الفني ’شيهانه‘، كما أسعى إلى تصميم فضاءات تعبير إبداعي تساهم في النمو الإنساني، وتدفع نحو تنمية مستدامة ذات أثر متبادل، محليًا وعالميًا."
من خلال هذا التوجه، جمعت بين شغفها الفني وعملها المهني، بداية من تجربتها في منظمة اليونسكو، ومرورًا بعملها في مشاريع حكومية ثقافية، وصولًا إلى انضمامها إلى وزارة الثقافة، حيث شاركت في لجنة الإبداع والابتكار وفازت بأحد التحديات الوطنية في مجال الابتكار الثقافي.
مرحلة باريس: العمل الدولي وتعدد الأصوات
في عام 2018 انتقلت هيفاء إلى باريس لتكون جزءًا من فريق التخطيط الاستراتيجي في منظمة اليونسكو، كواحدة من أوائل الموظفين السعوديين المدنيين في المنظمة. هناك، اختبرت عن قرب واقع العمل الدولي، وعايشت تفاصيل اتخاذ القرار الثقافي على مستوى عالمي.
تروي تفاصيل هذه التجربة قائلة: "العمل مع فرق من خلفيات لغوية وثقافية مختلفة منحني منظورًا أوسع لما تعنيه كلمة ’ثقافة‘ فعلًا. في كل اجتماع، كان صوت الإنسان حاضرًا... بتعقيداته، بخوفه، بأمله."
التصور المسبق مقابل الواقع: صورة المملكة تتغير
لكن وجودها في مؤسسة دولية بهذا الحجم جعلها تواجه صورًا نمطية جاهزة عن المملكة. تقول: "واجهت حقيقة ما تعيشه بلادي من مسيرة ازدهار يقابلها تصور مسبق مجحف عن الواقع لدى البعض عن ثقافتنا وعن صورة الإنسان السعودي."
وتكمل الحديث:" وشهدت نقطة التحول على أرض الواقع لقيادتنا لسردية قصتنا الخاصة بعد عقود من تلقيها من وجهات نظر غير ذاتية وخارجية، وخلال عامين من عملي في المنظمة، استطلعت عن كثب أهمية الثقافة كقوة ناعمة لتعزيز الألفة البشرية والتآزر لبناء واقع السلام والازدهار الجمعي."

عودة محلية برؤية عالمية
عند عودتها إلى المملكة، انضمت إلى وكالة الاستراتيجيات والسياسات الثقافية، بدافع واضح: نقل الخبرات الدولية إلى السياق المحلي، وتصميم استراتيجية ناعمة تعكس هوية سعودية معاصرة.
توضح ذلك قائلة: "اخترت العمل في وكالة الاستراتيجيات بهدف واضح، وهو الإقدام بتصميم توجه واستراتيجية القوة الناعمة لتعزيز الهوية السعودية في العالم. وبفضل الله ثم دعم قيادة الوكالة المُمَكنة للطموح السعودي، بادرت بتصور وتقديم التوجه وقمت بتخطيط الاستراتيجية الأولية له ودعمها بتصميم وعرض ثلاثة مبادرات ابتكار استراتيجي لتحقيق مستهدفاتها على أرض الواقع واحدث أثر عالمي مستدام."
الموسيقى كجغرافيا: مشروع "حياك"
في موازاة عملها المؤسسي، كانت الموسيقى تلازمها، كما تصفها " شغفي الشخصي" بالتعاون مع هيئة الموسيقى، قدمت مشروع "حياك"، وهو مقترح يربط الموسيقى السعودية بالمكان. الفكرة ببساطة أن تتاح للمستخدم إمكانية الاستماع إلى الموسيقى المحلية حسب الموقع الجغرافي في مختلف مناطق المملكة.
وعلى ذلك تقول هيفاء: "الموسيقى تملك القدرة على استعادة ذاكرة الإنسان، وربط صوته الشخصي بأرضه ومجتمعه. أردت أن أجعل هذا الاتصال متاحًا للجميع، بطريقة معاصرة."
التفرغ الموسيقي: قرار شخصي وعملي
بعد ذلك قررت هيفاء التفرغ لدراسة الموسيقى الكلاسيكية بدوام كامل في روما، لم يكن قرارها مجرد خيار عاطفي. تصفه بأنه عودة إلى الجوهر، لا خروج عن المسار. تعبر التويجري: "منذ الطفولة، كنت أؤلف ألحانًا وأكتب كلمات، لكنني لم أحظَ بفرصة تعليم موسيقي رسمي. اليوم، أدرس الأوبرا ليس فقط لأكون فنانة، بل لأنني أؤمن أن اللغة الموسيقية جزء من مهمتي المهنية."

تعلّم الإيطالية: تجاوز الحواجز بلغة جديدة
وفي روما كان لابد من تعلم اللغة الإيطالية حتى لا تصطدم بجدار اللغة، اختارت هيفاء الحل الأبسط والأكثر شجاعة: تعلّمت الإيطالية تعلماً ذاتيًا في ستة أشهر. واليوم، تتلقى دروسها الموسيقية بالكامل بهذه اللغة، وتتدرب في واحدة من أعرق دور الأوبرا في أوروبا، تعبر عن هذه التجربة قائلة: "كان تحديًا، لكنه ضروري. لا يمكن أن تدخل عالمًا جديدًا دون احترام لغته وسياقه."
الموسيقى اليوم: ضرورة إنسانية وليست ترفًا
بالعودة إلى الموسيقى، ترى هيفاء أن الموسيقى ليست مجرد أداء فني، بل انعكاس لحالة داخلية، ووسيلة لفهم الذات. وتؤمن أن الموسيقى السعودية، بأنواعها كافة، يجب أن تعبّر عن الإنسان السعودي، لا فقط عن بيئته أو تراثه.
توضح رؤيتها قائلة: "هدفي أن تكون شخصية الإنسان السعودي واضحة في الثقافة العالمية، ليس فقط كمستهلك أو ناقل، بل كصانع لتجربة إنسانية كاملة."

المستقبل: من الرمز إلى الجوهر
وامتداداً للرؤيتها الشخصية، ترى التويجري أن الصناعات الثقافية في العالم العربي بحاجة إلى أن تنطلق من التجربة لا من الشكل، من الإنسان لا من الصورة. وتؤكد أن النهضة الحالية فرصة حقيقية لإعادة بناء هذا المسار. وعلى ذلك تختتم حديثها قائلة: "علينا أن نُعيد أنسنة الشخصية العربية في الوعي العالمي. ليس المطلوب أن نمثل ثقافتنا كرمز أو كصورة نمطية، بل كأفراد نملك حكايات، مشاعر، وعمق."