النشاط الاقتصادي كقوة للخير: من منظار المحيط الأزرق

 بقلم دبليو تشان كيم W. Chan Kim ورينيه موبورن  Renée Mauborgneأستاذي الاستراتيجية في "إنسياد"INSEAD ومديري معهد استراتيجية المحيط الأزرق في إنسياد INSEAD Blue Ocean Strategy Institute

كيف ننتقل من تقسيم الكعكة الاقتصادية إلى توسيعها

التعطيل رائج. يتمّ باستمرار تذكير قادة الشركات التجارية بأن التعطيل يختبئ عند كل زاوية وأنه عليهم تعطيل قطاعاتهم أو حتى شركاتهم نفسها من أجل النجاح. لكن في حالات كثيرة، التعطيل مدمّر، والناس يخسرون وظائفهم خلاله.
في عالم يتمحور فيه التركيز الاستراتيجي للمنظمات حول التنافس والتعطيل، من الصعب لرواد الأعمال أن يقوموا بالخير الاجتماعي. لكن من وجهة نظر "استراتيجية المحيط الأزرق"، ليس من الضروري أن يكون الأمر كذلك – فما ينفع الأعمال التجارية يمكن أن ينفع أيضًا المجتمع. نناقش هنا لماذا وكيف يمكن للأعمال والمجتمع أن يسيرا يدًا بيد.

الانتقال إلى ما بعد التنافس والتعطيل

الإعلام يخبرنا وصفوف دراسات الاستراتيجية تعلّمنا أنه يجب علينا أن نقدّر ونعجب بمن يتفوقون على المنافسة ويفوزون. هل بالفعل نعظّم ونعجب بهؤلاء لللاعبين؟ نعم، هذا ما نفعله. لكننا نقدّر ونحترم أكثر من يبتكرون الأنواع التالية من الموسيقى والشعر والفن، والأسواق والقطاعات والصناعات التالية لحل مشاكلنا، ومن يبتكرون فرصًا لنا لم نتخيلها يومًا ممكنة. ونذكر على سبيل المثال التمويل الأصغر لرفع الناس من الفقر، أو مسلسل "شارع سمسم" الذي يؤمّن تعليمًا ممتعًا مجانيًا لكل الأطفال بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي. 

بما أن العرض يفوق الطلب في معظم القطاعات، نحن بحاجة إلى الانتقال من التنافس إلى الابتكار وإلى فتح فرص نمو جديدة. وبالرغم من أن التعطيل هو ما يركز عليه بحماس الجميع اليوم، ليس من الضروري أن تعطّلي وتزيحي الآخرين للإنتاج. كما تكشف أبحاثنا، إن التعطيل فقط نصف الصورة في عملية إيجاد الأسواق الجديدة. النصف الآخر من الصورة- وسنجادل ونقول إنه النصف الأهم- هو ما نسميه "الخلق غير المعرقل". ونعني به خلق أسواق جديدة حيث لم يكن هناك من أسواق سابقًا. ما من إزاحة أو خسارة وظائف. من التمويل الأصغر إلى "شارع سمسم" إلى تدريب الحياة ومواقع التعارف الالكترونية، كلها أمثلة رئيسية عن الخلق غير المعرقل في العمل. على عكس التعطيل، كل هذه القطاعات بقيمة مليارات الدولارات تؤدي إلى وظائف جديدة، وتحث النمو المثمر القوي، وتحل المشاكل الجديدة أو تغتنم الفرص الجديدة بدون إزاحة أو عرقلة شركات أو وظائف أو صناعات موجودة.

تتعدد المشاكل في عالمنا اليوم التي تحتاج إلى حلول. هناك الكثير من الفرص الجديدة التي يمكننا جميعنا خلقها لمجتمعنا وعالمنا عبر الخلق غير المعرقل. ومن خلال تطبيق استراتيجيات مبدعة، يمكننا حلها بطريقة تجعل عالمنا أفضل ومنظماتنا قوية ومربحة وملهمة. فكري في بعض التحديات التي تحتاج إلى حل في عالم اليوم، من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المفرطة، إلى النقص في المياه البلدية، مرورًا بالكهرباء والطاقة. بدون فتح حدود قيمة-تكلفة جديدة ، لن نستطيع إيجاد حلول يمكن للحكومات تحمّل الاقتناع بها وتنفيذها. الحكومات لا تملك الموارد المالية الكافية لدعم حلول معقدة ومكلفة. على مستوى المجتمع، أليس هذا أيضًا ما يحتاج إليه عالمنا تحديدًا: حلول جديدة ونمو جديد، بدون تحفيز من إزاحة أو عرقلة بل عن طريق الخلق غير المعرقل وغير المعطل الذي لا يتطلب خسارة اللاعبين الموجودين من أجل تقدم الآخرين. نحن بحاجة إلى المزيد من الخلق غير المعرقل وليس إلى العرقلة والتعطيل والتشويش، من أجل التقدم إضافة إلى السلام. 

الابتكار كقوة من أجل الخير

حين نرى شركات كثيرة تتنازع مع موظفين غير مندفعين وغير ملهَمين بل في أحيان كثيرة يملؤهم الخوف حول استمرارية عملهم، نلامس أهمية تقديم خيارات مختلفة منفصلة تنتج الربح القوي والنمو المتين وتعيد الفخر والشرف إلى الناس. اليوم، من الرعاية الصحية إلى التعليم وحتى إلى قطاع النشر والمكتبات، الكل بحاجة إلى حلول جديدة. كل قطاع في العالم المتقدم تقريبًا يواجه حالة تجاوز العرض للطلب. هذه الحالات تمثل محيطات حمراء من التنافس المزدحم. تستطيع الشركات أن تهرب من هذه المحيطات. بالنسبة إلينا، هذا ليس فقط أمرًا ملزمًا لنمو الشركات؛ بل يمكنه أيضًا مساعدتها على أن تصير قوة عاملة للخير. 

لا يمكننا مساعدة الآخرين حين لا نستطيع أن نساعد أنفسنا وأن نكون أقوياء. إنه الإطفائي الأقوى الذي يمكنه أن ينقذ أكبر عدد من الناس، وليس الأضعف. فكما يقولون في الرحلات الجوية خلال عرض إرشادات السلامة: "في حال فقدان الضغط  في المقصورة، ضع القناع عليك أولًا قبل مساعدة غيرك". حين نكون أقوياء، حين نلهم، وحين نبتكر فرصًا جديدة للمجتمع ولموظفينا، الجهات الاقتصادية الفاعلة الصغيرة تصبح أقوى قوة للخير.

ودعونا لا ننسى أيضًا التأثير الاجتماعي للإلهام  الذي يأتي به إيجاد أسواق جديدة وفتح حدود قيمة-تكلفة جديدة. حين تكسب شركة ما الكثير من المال من خلال القيام بالمزيد من الشيء نفسه، قد تلهم المساهمين فيها. لكن حين تغير الشركات العالم  من خلال تقديم فرص جديدة مبتكرة، تلهم كل أحد غيرهم أيضًا. عند وفاة ستيف جوبز، بكى الناس حول العالم لأن ما فعله لشركة "آبل" جعلهم يتساءلون في لاوعيهم عما يمكن أن يفعلوه هم أيضًا ولماذا لا يجب أن يكتفوا بالوضع الراهن.
كلنا نريد أن نحدث فرقًا وأن نتميز. جيل الألفية على العموم يرفض التركيز الحالي على التغلب على المنافسة من أجل التميز والبروز. هم يحتضنون الإبداع والتعاون ويستوحون منهما. يريدون أن يغيروا العالم بطريقة إيجابية بناءة. يريدون الابتعاد عن منافسة المجموع الصفري التي نعلمها منذ فترة طويلة في كليات إدارة الأعمال. بدلًا منها، يبحثون عن حلول جديدة لإنشاء كعكة اقتصادية أكبر للجميع. 

كثيرًا ما يقول لنا الناس: "تشان ورينيه، أنتما ساذجان. ما تقولانه لا يمكن القيام به. ليس في قطاعنا وليس في عالمنا". وعلى هذا نرد: "أنتم على حق. لا يمكن فعله، إلى أن يتم فعله". 

ونسأل: "هل يمكنكم أن تتصوروا أحدًا في غضون عشر أو خمس سنوات يبتكر حلًا جديدًا؟". تذكروا، لقد أرسلنا إنسانًا إلى القمر. وعندما نسمع الجواب الذي في أغلبية الأحيان يكون نعم، نسأل: "إذا كنتم تستطيعون تصوره يحصل في ذلك الحين، لماذا ليس الآن؟". لمذا الانتظار إذا اعتقدنا أنه ممكن الآن. 

دور القادة ليس القيام بما هو سهل. إنه القيام بما يستحق العناء. وبلا شك، في ذلك بعض الصعوبة. لهذا السبب، نحن معجبان بالقادة الذين يصنعون فرصًا بالرغم من الصعوبات. نعجب بهم ونقدرهم ليس لأن الأمر سهل، بل لأنه صعب ولكنهم تسلحوا بالثبات وقدرة الاحتمال للإنجاز والإتمام. هذا القائد بالنسبة إلينا هو قوة للخير. هو القائد الذي لا يعطي أعذارًا تبرر سبب عدم حصول الأشياء، بل على العكس يحاول بنفسه إيجاد طريقة لتحقيقها. 

بالنسبة إلينا، إن من يفتحون حدودًا وآفاقًا جديدة للفرص والنمو والوظائف، ومن ينتقلون من التنافس واللعب في لعبة ربح-خسارة من أجل وضع كعكة اقتصادية أكبر هم القوى الحقيقية للخير على مستوى الأعمال الأولي. كوني هذا القائد. قومي بهذا التغيير الانتقالي. إرسمي محيطك الأزرق. 

أعيد نشر هذه المقالة بإذن من INSEAN Knowledge. حقوق النشرINSEAD ، 2018.