
من أرض المملكة إلى فضاء العالم.. الثقافة السعودية تحلق في بينالي البندقية 2025
تُجسّد مشاركة المملكة العربية السعودية في بينالي البندقية للعمارة 2025 خطوة نوعية ضمن مسيرتها المتسارعة نحو الابتكار والإبداع، حيث تسلط المملكة الضوء على مزيج فريد من التقاليد المعمارية الأصيلة والتراث الغني والتاريخ العريق والتقنيات الحديثة، مؤكدةً حضورها العالمي في المحافل الثقافية وبما يعكس رؤيتها الطموحة الاستثنائية.. لنلقي الضوء على هذه المشاركة المتميزة التي تحلق في بينالي البندقية 2025.
مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط

يحتضن الجناح الوطني السعودي، في الدورة الـ 19 لمعرض العمارة الدولي "بينالي البندقية"، معرض مكتب "سين معماريون"، الذي أسسته المعماريتان (سارة العيسى ونجود السديري)، بعنوان "مدرسة أم سليم.. نحو مفهومٍ معماري مترابط"، الذي يقدم إطاراً جديداً لفهم التحولات الحضرية المتسارعة والممارسات المكانية التي تشهدها بيئة المملكة، حيث تم افتتاح الجناح الوطني السعودي منذ عدة أيام، بوجود الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم الدكتورة سمية السليمان.
ويُمثِّل المعرض الذي تُشرف عليه القيِّمة الفنية بياتريس ليانزا، بالتعاون مع سارة المطلق، أرشيفًا تفاعليًا ونافذةٍ تعليمية للزوار على هيئةِ منصةٍ بديلة تُوظِّف وتستفيد من العمل الذي يضطلع به القائمون على المكتب، ومبادرتهم "مختبر أم سليم"، ويهدف إلى إثراء المشهد المعماري الحديث في المملكة، وتشكيل رابطٍ بين تجارب الأجيال المتعاقبة التي تنهل من أساليب معرفية متعددة، وتعتمد على ممارَسات ومنهجيات مستنِدةً إلى البحث العلمي، الذي من شأنه أن يُعِين على مواجهة التحديات المتعلقة بالتغيُّر المناخي، وشحّ الموارد الطبيعية، وينطلق المعرض من الإرث المعماري العريق لمدينة الرياض، وما يتعلق به من موضوعات البيئة والهوية والتحوُّلات الحضرية، ويسعى إلى دراسة السُّبل التي يُمكن من خلالها أن تتعامل المؤسسات التعليمية مع التحديات الطارئة لعالمٍ سريع التطور، سواءً ارتبط ذلك بالمملكة أو خارجها.
فعاليات ثقافية متميزة من وزارة الثقافة

بهدف تعزيز التميّز الفني والثقافي السعودي بالتعاون مع المؤسسات، الثقافية والفنية الرئيسية في البندقية وإيطاليا، تقدم وزارة الثقافة مجموعة من الفعاليات الثقافية المتميزة التي ستُقام طوال مدة البينالي، والذي يستمر حتى 23 نوفمبر 2025م، في مبنى "أبازيا" بالبندقية في جمهورية إيطاليا، وذلك ضمن مشاركة المملكة، في بينالي البندقية الـ 19 للعمارة 2025، بما يُعزّز من الحوارات البنّاءة حول موضوعاتٍ عالمية مثل الحِفاظ على التراث الثقافي، والابتكار الفني.
وتُركّز الفعاليات الثقافية التي تنظّمها الوزارة في الطابق الأول من مبنى "أبازيا"، الذي يضم قاعة مؤتمراتٍ مجهّزةً لاستضافة الفعاليات الثقافية المتميزة، على عدة قطاعاتٍ رئيسية مثل العمارة، والتصميم، والتراث، والفنون البصرية، والأزياء، وفنون الطهي، بالإضافة إلى إقامة جلسات حوارية، وورش عمل بمجال الحِرف اليدوية، وغير ذلك مما يُعرّف المجتمع الدولي بأبرز عناصر الثقافة السعودية، وأسرار تميّزها، وعمقها الحضاري المتجذر والأصيل، هذا بالإضافة إلى متجر ثقافي يُعرض فيه أبرز منتجات الحِرف اليدوية التي تعبّر عن ثقافة المملكة، بالإضافة إلى منتجات الطهي مثل القهوة السعودية، والتمور الفاخرة، حيث تُمثّل الفعاليات الثقافية التي تُنظمها وزارة الثقافة في بينالي البندقية 2025م جانبًا من جهودها في تعزيز حضور الثقافة السعودية بالمحافل الدولية، وتعريف المجتمع الدولي بما يزخر به التراث الثقافي الوطني والساحة الفنية السعودية من جمالياتٍ وإبداعات تعكس التحولات التي تعيشها المملكة في ظل رؤية المملكة 2030.
معرض مغرس.. مزرعة تجريبية: أول مشاركة للمملكة في ترينالي ميلانو الدولي

وتشهد الدورة 24 من ترينالي ميلانو الدولي بإيطاليا، أول مشارَكة للمملكة في هذا الحدث الدولي، من خلال معرض "مغرس.. مزرعة تجريبية، "بإشراف القيّمتان لولو المانع وسارة العمران، والمدير الإبداعي أليخاندرو ستين، ويسلّط المعرض الذي يستمر حتى 9 نوفمبر 2025، الضوء على التحوُّل الذي شهدته منطقة الأحساء المصنفة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ضمن مواقع التراث العالمي، بوصفها إحدى أكبر واحات العالم.

ويحمل المعرض اسم "مغرس" وهي وحدة قياس محلية تقليدية تشير إلى مساحة الأرض التي تحيط بها أربع نخلات، ويشمل المعرض أعمالاً فنية، ونتائج دراسات، وبرامج تهدف إلى سبر واستكشاف التقاطعات والصلات الوثيقة التي تجمع بين البيئة والثقافة والذاكرة في الأحساء، ويُقدِّم "مغرس" أبرز ما توصّل إليه برنامج استمرّ لعام كامل في الأحساء، ويعرض ثلاثة أعمال ضمن الجناح الوطني السعودي، الأول للمصمّمة المعمارية لين عجلان من مدينة جدة، التي تجمع أعمالها بين التصميم المكاني والمبادرات الثقافية والتجريب على مستوى المواد المستخدَمة، أما العمل الثاني، فهو فيلم متعدد الوسائط للفنان البصري محمد الفرج من الأحساء، يُعيد فيه تخيُّل حكاية شعبية محلية عن أحد معالم القرية، والعمل الثالث هو مادة صوتية لمؤسسة صوت وصورة، وهي عبارة عن منصة بحثية تتبنى نهجًا ملتزمًا بالمجتمع المحلي وتكرّس جهدها لاستقصاء التراث والأشكال الفنية غير الملموسة في منطقة الخليج العربي وما حولها.
معرض عابر متجذر: مؤسسة بينالي الدرعية بالتعاون مع وزارة الثقافة الإيطالية

أطلقت مؤسسة بينالي الدرعية معرض "عابر متجذر" بالتعاون مع وزارة الثقافة الإيطالية، في دير سان غريغوريو، والذي يتزامن مع إقامة المعرض الدولي التاسع عشر للعمارة -بينالي البندقية-، بهدف إبراز التصاميم الفائزة في النسخة الأولى من جائزة المصلي 2025م.
ويسلط المعرض الذي شارك في افتتاحه الرئيس التنفيذي لمؤسسة بينالي الدرعية الأستاذة آية البكري، الضوء على الطبيعة المتداخلة للمساحات التي يحتويها المصلى، لا سيما العلاقات المترابطة بين السياقات التاريخية والمادية والمعاصرة التي تبرز فيها المصليات، كما يتضمن المعرض أجزاء كاملة من التصميم الفائز بجائزة المصلى، إلى جانب التصاميم المقدمة من المكاتب التي حلَّت في القائمة القصيرة للجائزة، كما يتضمن المعرض استعراض سلسلة من الصور والوثائق الأرشيفية حول التاريخ المعماري للمصليات، بهدف تقديم حوار مثري بين فنون العمارة التقليدية والمعاصرة في مختلف الثقافات الإسلامية.

وكانت مؤسسة بينالي الدرعية قد اطلقت النسخة الأولى من جائزة المصلى ضمن فعاليات بينالي الفنون الإسلامية في جدة في يناير 2025، وحمل التصميم الفائز عنوان "عن النسيج"، وتميز بفناء تحيط به قاعة للصلاة، مع الاحتفاء بشجر النخيل، الذي يمثل جزءًا هامًا من ثقافة المملكة، من خلال استخدام مشتقاته كمواد رئيسة في البناء، استُخدم السعف كبديل للهياكل التقليدية المستخدمة في بناء الأعمدة والجسور الحاملة، وتمت الاستفادة من ألياف النخيل في ابتكار واجهة مستوحاة من المنسوجات التقليدية، وتم تغليف كامل المبنى بها، كما يصاحب المعرض إصدار كتيب يركز على الطبيعة العابرة للمصليات، وهو من تحرير رئيس لجنة التحكيم لجائزة المصلى، الأمير نواف بن عياف والقيم الفني فيصل طبارة، وسيتم نشره من خلال دار كاف للنشر.
معرض الأسطح العميقة: بشراكة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا واليونسكو

تنظم الهيئة الملكية لمحافظة العُلا معرض "الأسطح العميقة.. العمارة لتعزيز تجربة الزائر في مواقع اليونسكو"، وذلك بالشراكة مع منظمة "اليونسكو"، ضمن فعاليات بينالي البندقية للعمارة 2025، في قصر زورزي بمدينة البندقية الإيطالية، ويستكشف المعرض عالم العمارة متعددة الوظائف التي صُممت لتعزيز تجربة الزائر في مواقع التراث.

وسيسلط المعرض الضوء على مدينة الحجر الأثرية في العُلا، التي تعد أول موقع سعودي يُدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وستُستعرض مجموعة من المبادرات التفسيرية التي تهدف إلى إشراك الجمهور وحماية هذا الموقع الثمين، كذلك الجهود المشتركة بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا واليونسكو لتطوير نموذج مرجعي لأفضل الممارسات، ضمن شراكة أوسع لحماية التراث وتحقيق التنمية المستدامة، ويرافق المعرض تركيب فني بعنوان "السحابة"، وهو هيكل ثلاثي الأبعاد مكوّن من وحدات معيارية، ليوفر تجربة عرض ديناميكية وغامرة، ويُستخدم هذا التركيب لعرض بيانات كمية ونوعية، وترمز وحداته إلى طبقات من الأسئلة والاكتشاف، مستندًا إلى نظام لوني موجّه يساعد الزوار على استكشاف مراكز الزوار متعددة الوظائف من خلال أربعة محاور رئيسية: تفسير التراث، دعم إدارة المواقع، تعزيز الوصول والشمولية والاستدامة، والعمل مع المجتمعات ومن أجلها، ويؤكد التصميم على استخدام تقنيات إنتاج مبتكرة ومواد مستدامة وممارسات صديقة للبيئة، انسجامًا مع التزام المعرض بالتصميم الواعي والمسؤول.
معرض البصمة الخفيفة: بالتعاون بين مركز الدرعية لفنون المستقبل وسكاتاريلا أسوسياتي

وبالتزامن مع بينالي البندقية للعمارة 2025، افتتح مركز الدرعية لفنون المستقبل، أول مركز متخصص في فنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالتعاون مع شركة "سكاتاريلا أسوسياتي" للهندسة المعمارية، معرض "البصمة الخفيفة" في مؤسسة "كويريني ستامباليا" العريقة بمدينة البندقية، ويستعرض هذا المعرض الذي يستمر إلى 15 يونيو، مسيرة تطوير التصميم المعماري المتميّز لمقر المركز في الرياض، بوصفه نموذجاً ريادياً عالمياً.

وبتنسيق من القيّمة الفنية مارتا فرانكوتشي، يسلّط المعرض الضوء على المفاهيم المعمارية التي شكّلت تصميم مقر مركز الدرعية لفنون المستقبل، من خلال عرض نماذج معمارية، ورسومات، ومقاطع فيديو، وصور فوتوغرافية، ومواد أرشيفية متخصصة، تعكس مراحل تطور المشروع ورؤيته التصميمية المتفرّدة، هذا ويُعرض محتوى عن المركز في معرض "البصمة الخفيفة" تقدم ضمن المعرض الجماعي (Intelligens Naturale, Artificiale)، والذي ينسّقه القيّم الفني كارلو راتي في مبنى "الأرسينالي"، أحد أبرز المواقع ضمن البرنامج الرسمي لبينالي البندقية للعمارة 2025، حيث يأتي هذا المعرض ليؤكد التزام مركز الدرعية لفنون المستقبل برفع معايير الممارسة الثقافية والمعمارية في المملكة، وتعزيز حضوره العالمي بوصفه مساحة ابتكار تتقاطع فيها الهويات المحلية مع الرؤى العالمية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.