مسلسل "مين قال؟!".. لا فائز ولا مهزوم في دراما صراع الطموح بين الكبار والصغار!

في فيلم (إمبراطورية ميم) بطولة وإخراج "حسين كمال" كتب "نجيب محفوظ" سيناريو جذاب يحكي عن علاقة "فاتن حمامة" الأرملة والموظفة الكبيرة في وزارة التربية والتعليم وأبنائها الستة، والسيناريو مأخوذ عن رواية "إحسان عبد القدوس"، وقد أصبح العمل الذي تعرض للفجوة بين أم تربوية تُحاول أن تكون حازمة وبين أبنائها وبناتها المراهقين في حقبة السبعينيات أيقونة في السينما العربية، وركزت المعالجة الكوميدية التي قدمها "فؤاد المُهندس" في مسرحية (سك على بناتك) في حقبة الثمانينيات على علاقة أستاذ جامعي أرمل ببناته الثلاث، وفي كلا العملين كان الحوار الديمقراطي محور العلاقة في النهاية، ولكن ظل التصوير الساخر من سلوك وأفكار الشباب ملمح في الفيلم وفي المسرحية أيضاً.

البحث عن الذات!

الفجوة بين الأبناء والأبناء تيمة درامية موجودة في الدراما وليست جديدة، ولكنها لا تأخذ حظها في المُعالجة الدرامية المُحايدة، وتسقط غالباً في فخ النمطية، وتتحيز للكبار في أغلب الأحيان، وقد أفرد مسلسل "مين قال؟!" للكاتبة "مريم نعوم" والمخرجة "نادين خان" المساحة لجميع الشخصيات لطرح أفكارها ومخاوفها بشكل متوازن، ولكنه بلا شك ركز على وجهة نظر الشباب المراهق وطموحه في الاستقلال عن الكبار، وحقه في التجربة والاكتشاف وعدم الإلتزام بخرائط المستقبل التي وضعها الكبار لحياة الأبناء.

خلال 15 حلقة تابعنا انتقال طالب الثانوية العامة المتفوق شريف "أحمد داش" إلى عالم الدراسة الجامعي، وطموحه الشخصي في صنع مشروعه الخاص بعيداً عن دراسة الهندسة التي فرضها عليه والده "جمال سليمان"، وهو مشروع يبدو مجرد فكرة مجنونة عن صناعة أثاث إقتصادي صديق للبيئة من الورق، ولكن خلف الفكرة تبرز حالة الشغف بتحقيق الذات والاختلاف لدى شريف، وهى أمور بعيدة عن مُخططات الأب النمطية التي ترتكز على السعى لدراسة أكاديمية تؤدي إلى وظيفة مُستقرة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Amira Adeeb (@amiraadeebb)

حكاية طموح شريف وولعه بالبيزنس الحر هو نقطة إنطلاق الدراما في المسلسل، وهناك خيوط اخرى موازية تصور علاقات عدد من الشباب والأهل، وهى تتلاقى في حقيقة إتساع الفجوة بين جيل الكبار والصغار، ولكنها تختلف في وسائل علاج هذه الفجوة والإختلافات بين طرق التفكير بين الإثنين، وفي ظل غياب ثقافة التربية المثالية لدي الأباء تبرز الاجتهادات المبنية على التجارب الشخصية والثقافة الشائعة؛ فحقيقة أن والد شريف تربي على أن الدراسة الأكاديمية والوظيفة المُستقرة هى هدف أى شاب تجعله يرى طموح إبنه للعمل الحر مجرد طيش شباب يجب تقويمه بكل الطرق، والقسوة والإجبار والضغط هى الحلول الأخيرة إذا لم يفلح اللين والإغراء، وفي نماذج أخرى بالمسلسل لعلاقة الأباء بالأبناء نرى فيها لجوء الأب للضرب كوسيلة للعقاب.

بيئات مُختلفة وطموح واحد!

البيئة الإجتماعية التي تنطلق منها الأحداث هى بيئة الطبعة المتوسطة العليا، وهى طبقة ليست فاحشة الثراء، ومن حسنات السرد في المسلسل هدم الصورة الدرامية النمطية عن تلك البيئة؛ فهى بيئة وإن كانت قادرة مادياً لكنها تُكافح وتُعاني الأزمات المادية والمشاكل المهنية التي تلائم تفاصيل ظروفها، وجعل هذا الإختيار فكرة السعى لتحقيق الذات فكرة لا تقتصر على البيئة الفقيرة بكل دوافع الإضطرار وضغوط الحاجة؛ وهذا جعل طموح وحب شريف للعمل والمكسب منذ صباه أمر يجد فيه ذاته، ونراه في مشهد يوم ظهور نتيجة الثانوية غير مُكترث بمعرفة النتيجة، وذهب للإشراف على توصيل زملاءه لطلبيات قام ببيعها عن طريق الإنترنت، وهو أمر يتعامل معه الأب على أنه مُجرد هواية وولع عابر لشاب في فترة المُراهقة.

داخل عائلة شريف نرى شقيقته "ديانا هشام" وهى طبيبة حديثة التخرج تسعى لبداية حياتها، وهى المُقابل العكسي لشقيقها الباحث عن مسار مُختلف وغير روتيني لحياته، والأم "نادين" وهى حلقة الوصل بين الأب والإبن؛ فهى تحمل نفس مخاوف الأم على مستقبل ابنها، لكن ترى أن تُترك له مساحة من الحرية لتحديد مسار حياته.

عنوان المسلسل يحدد جوهر فكرته، وهو عدم الأخذ بالأفكار المُعلبة عن الطموح والحياة، فالسؤال الكامن بين المشاهد هو: من قال أن هذا هو الصواب؟

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Amira Adeeb (@amiraadeebb)

لكنة الأب وتلقائية الشباب!

الممثل "جمال سليمان" من نجوم الدراما العربية الذين قدموا أعمال ناجحة خلال سنوات عمله الطويلة، وهو ملائم لدور والد شريف من نواحي كثيرة، منها قدرته على تلوين انفعالاته بين اللطف واللين والجهامة والغضب، وهو شخص تقليدي يحمل مهابة الأب العربي النمطي، ولكن تظل لكنته أهم عوائق أداءه لشخصية أب يتكلم اللهجة المصرية لكن لكنته الثقيلة أضعفت مصداقية الشخصية أحياناً.

من الأمور الناجحة في المسلسل إختيار معظم الشخصيات الملائمة للأدوار، ومنها "نادين" الأم العصرية التى تحمل قدر من التفهم لطبيعة جيل إبنها المختلفة، وبطل العمل "أحمد داش" الذي جسد حالات التردد والحماس والإحباط التي تُصيب الشباب حينما تسبق طموحاته إمكانياته وخبراته، وهناك عدد من الوجوه الجديدة التي أدت أدوارها بتلقائية مثل "إلهام صفي الدين" و"أميرة أديب" و"هنا داود" وغيرهم، وهم يجسدون أدوار شباب في نفس عمر شريف ولهم أزمات مختلفة في طبيعة علاقتهم مع أبائهم، ورغم أنها مشكلات وأزمات لها ملامح مختلفة لكنها تصور تفاصيل مُعاصرة للفجوة بين ثقافة الأباء والأبناء، وأزمة علاقة الكبار بالصغار، وهى أزمة تتكرر مع كل الأجيال، وقد نجح المسلسل في كسر الجليد الذي يكسو هذه الحالة الدرامية وقدم من خلال خيوط درامية مُختلفة سرد بعيد عن التنميط والبطىء، وأظن أن عمل فتح الطريق لمزيد من الحكايات التي تستحق العرض الدرامي، وفتح الطريق أمام سرد حكايات جذابة عن مرحلة عُمرية مظلومة في الدراما العربية.

الصور من المكتب الإعلامي لـ mbc