منسقة الأزياء السعودية المنال

منسقة الأزياء السعودية المنال لـ"هي": الأزياء سرد بصري وهوية ناطقة

رهف القنيبط
30 يونيو 2025

حين تتحوّل الأزياء إلى لغة، وتغدو كل قطعة مشهدًا بصريًا نابضًا، يصبح التنسيق أكثر من ذوق... يصبح فعلًا إبداعيًا يحمل معنى. بهذه الرؤية تفتتح المنال، منسقة المظهر السعودية والمخرجة الإبداعية، حديثها مع "هي"، مؤكدة أن تنسيق الأزياء بالنسبة لها ليس مجرد اختيار لقطع جميلة، بل صياغة لمشاهد تستدعي الإحساس وتخاطب الذاكرة. ترى المنال في كل تفصيلة، وكل لون، وكل خامة، فرصة لتجسيد التراث والثقافة من خلال بعد بصري يمنح الموضة روحًا، ويعيد قراءة الموروث بعين معاصرة. 

في هذا الحوار، تصحب المنال "هي" داخل عالمها الإبداعي، نتعرّف على رؤيتها في تحويل القطعة إلى لوحة تعبّر عن التراث والهوية، ونغوص معها في كواليس جلسات تصوير استلهمتها من الفنون الشعبية، واللوحات العالمية، والموروث الثقافي السعودي. كما تكشف لنا خطواتها العملية لبناء هوية بصرية متفرّدة، وتشارك أسرار الوصول إلى التنسيق بوصفه حالة فنية، لا مهنة فقط.

منسقة الأزياء المنال
استلهمتها من فن القط العسيري، وجعلت من حضور العارضة لوحةً قائمة بذاتها

من الجدران إلى الجسد... فن القط كرمز

في إحدى جلسات التصوير التي استلهمتها من فن القط العسيري، لم تقدّم المنال المرأة بصفتها فنانة ترسم على الجدران، بل جعلت من حضورها نفسه لوحةً قائمة بذاتها تقول:"جسّدت المرأة كأثر خالد، تقف بكبرياء وأناقة، تمثالاً حيًّا يروي عبقرية الفن الشعبي، وأناقة الأنثى السعودية على امتداد الأزمنة"، تصف رؤيتها التي تتجاوز السطح إلى ما هو رمزي وجوهري.

"سامرية"... رقصة التراث على إيقاع الخيال

في تجربة أخرى، مزجت المنال بين عبق السامري وأسلوب التنسيق، لتُقدّم جلسة عنوانها "سامرية" حيث الأزياء ترقص كأنها لوحة خارجة من الخيال، توضح: "استدعيت الحركة والرمزية، ونسجت من الأقمشة والظلال مشهدًا حيًّا يجمع بين أناقة الحاضر وسحر الماضي" مؤكدةً أن الأزياء ليست مجرد قطع جميلة، بل لغة تُترجم بها المشاعر والانتماء والذاكرة.

منسقة المظهر المنال
"أستلهم من الصور واللوحات وكل ما يحرّك بصريًا خيالي... لا أكتفي بالمألوف"

الزيّ كوسيلة للتعبير العميق

وعن علاقتها بالفن البصري، تستدعي المنال جلسة استلهمتها من لوحة "الساعات الذائبة" لسلفادور دالي، تقول لـ"هي": "في رؤيتي، لم تكن الساعات هي الذائبة، بل الإنسان هو من انصهر تحت ثقل الزمن وتسارع الحياة" ثم تذكر تجربة أخرى استلهمتها من لوحة "الطفل الراسب" للفنان الروسي فيودور ريشيتنيكوف، حيث دمجت رمزية الحزن بصورة المهرّج، ليخرج مشهدًا يمزج بين البراءة والوحدة، وتجسّد الأزياء فيه مشاعر صامتة لا تعبّر عنها الكلمات.

كيف يُبنى الإبداع؟

وترى المنال أن الوصول إلى هذه الحالة الفنية لا يأتي صدفة، بل هو نتاج شغف طويل وتجريب مستمر توضح: "التميّز في هذا المجال يحتاج إلى تجدد دائم، وفضول لا يهدأ."

وتؤمن بأن التغذية البصرية هي العمود الفقري لكل عمل إبداعي: "أستلهم من الصور واللوحات وكل ما يحرّك بصريًا خيالي... لا أكتفي بالمألوف، بل أبحث عن العمق." وتؤكد أن العمل في هذا المجال يتطلب تركيزًا عاطفيًا وفكريًا على الجمال، بوصفه حالة شعورية وليس مجرد خيار بصري.

وتضيف: "أتابع الصيحات العالمية لا لتقليدها، بل لفهم آليات الإبهار، وكيف يمكنني تحويلها إلى أدوات تعبير أصيلة." كما تعتبر أن التعلم المستمر من خلال الورش والدورات والوثائقيات المتخصصة جزء لا يتجزأ من بناء هويتها.

وتشير إلى أهمية التجريب كأداة لصناعة الثقة بالنفس، خاصة في البدايات: "شاركي، جرّبي، اصنعي مشهدًا ولو في نطاق ضيّق. الثقة تُبنى بالتجربة، لا بالانتظار."

وتختم هذه الرؤية بقولها: "العمل ضمن فريق مبدع من مصورين ومصممين وفنانين هو ما يمنح الفكرة أجنحتها. الإبداع الجماعي يُعيد تشكيل النتائج، ويمنحها نضجًا لا يتحقق بالعزلة."

منسقة الأزياء المنال
"لم أكن أنسّق إطلالة، بل أكتب مشهدًا. الأزياء بالنسبة لي ليست قطعًا تُلبس، بل لغة تُنطق بها المشاعر"

خطوات نحو بناء الرؤية

تؤمن المنال أن الوصول إلى هذه الحالة الفنية يتطلّب مسارًا طويلًا من التراكم والتجريب توضح: "التميّز لا يحدث مصادفة، بل هو ثمرة الشغف والمعرفة والاستمرارية." وتشير إلى أن التغذية البصرية تمثّل عماد الإبداع، إذ ترى في الصور، واللوحات، والتفاصيل اليومية، منابع لا تنضب للإلهام. كما تؤكد أهمية متابعة الاتجاهات العالمية، حضور الورش والدورات، والتعمق في الوثائقيات التي تسرد تجارب رموز صناعة الأزياء.

وتضيف: "الثقة بالذات تنمو بالتجربة، والمشاركة ضمن فريق متنوّع من مصممين ومصورين وفنانين تضيف ثراءً لا يتحقق بالجهد الفردي وحده."

منسقة الأزياء المنال
استلهمتها من لوحة "الطفل الراسب" للفنان الروسي فيودور ريشيتنيكوف

هوية تُنسج بالتجربة

في ختام حديثها مع "هي"، تؤكد المنال أن كل تجربة مرّت بها، وكل خطوة التزمت بها، ساهمت في بناء رؤيتها. "لم أكن أنسّق إطلالة، بل أكتب مشهدًا. الأزياء بالنسبة لي ليست قطعًا تُلبس، بل لغة تُنطق بها المشاعر، وتُستعاد بها الحكايات، وتُصاغ من خلالها هوية تنتمي إلى الأرض وتطمح إلى الخيال."